22ـ أخلاق وآداب: هل من البر أن يطلق زوجته براً بأبويه؟

22ـ أخلاق وآداب: هل من البر أن يطلق زوجته براً بأبويه؟

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فمما لا شكَّ فيه بأن الله تعالى ألزم الولد بطاعة والديه في غير معصية لله عز وجل، وأن يقدِّم ما أحبَّ والده على ما يحبُّ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أمر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن يطلِّق امرأته مع أنَّه كان يحبُّها، لأن والده سيدنا عمر رضي الله عنه طلب منه أن يطلِّقها، لأنه كان يكرهها.

روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح والحاكم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ أُحِبُّهَا، وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا، فَأَمَرَنِي أَنْ أُطَلِّقَهَا، فَأَبَيْتُ.

فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ امْرَأَةً كَرِهْتُهَا لَهُ، فَأَمَرْتُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَأَبَى.

فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ طَلِّقْ امْرَأَتَكَ، فَطَلَّقْتُهَا).

وروى الإمام أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم، وابن حبان واللفظ له، عن أبي عبد الرحمن السلمي: أن رجلاً أتى أبا الدرداء رضي الله عنه فقال: إن أبي لم يزل بي حتى تزوَّجت، وإنه الآن يأمرني بطلاقها.

قال: ما أنا بالذي آمرك أن تعقَّ والدك، ولا أنا بالذي آمرك أن تطلِّق امرأتك، غير أنَّك إن شئتَ حدثتكَ ما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، سمعته يقول: «الوالدُ أوسطُ أبوابِ الجنةِ، فحافظْ على ذلك إنْ شئتَ، أو دَعْ».

قال: فأحسب عطاء قال: فطلقها.

وأوَّل من طلب من ولده أن يطلِّق امرأته هو سيدنا إبراهيم عليه السلام، كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام وولده إسماعيل وأمه هاجر عليهم السلام: (وَشَبَّ الغُلامُ وَتَعَلَّمَ العَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ، فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ، وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ.

فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ.

فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا.

ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ.

قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلامَ وَقُولِي لَهُ: يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ.

فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا، فَقَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟

قَالَتْ: نَعَمْ، جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ.

قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟

قَالَتْ: نَعَمْ، أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلامَ، وَيَقُولُ: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ.

قَالَ: ذَاكِ أَبِي، وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَطَلَّقَهَا، وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى.

فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَسَأَلَهَا عَنْهُ.

فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا.

قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ.

فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ، وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ.

فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟

قَالَتْ: اللَّحْمُ.

قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ؟

قَالَت: المَاءُ.

قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالمَاءِ.

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ، قَالَ: فَهُمَا لا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلا لَمْ يُوَافِقَاهُ.

[قال العلامة العيني رحمه الله تعالى في عمدة القاري: أي فاللحم والماء لا يعتمد عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه. والغرض: أن المداومة على اللحم والماء لا يوافق الأمزجة، وينحرف المزاج عنهما، إلا في مكة، فإنهما يوافقانه، وهذا من جملة بركاتها، وأثر دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام].

قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلامَ، وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ.

فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟

قَالَتْ: نَعَمْ، أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الهَيْئَةِ، وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ.

قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟

قَالَتْ: نَعَمْ، هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ.

قَالَ: ذَاكِ أَبِي، وَأَنْتِ العَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ) رواه البخاري.

نعم أيها الإخوة الكرام، من الآداب التي ربَّانا الإسلام عليها برُّ الوالدين، في مَنْشَطِنا ومَكْرَهِنا، ولكنْ في حدود طاعة الله تعالى، وإذا كان الأبوان كسيدنا عمر رضي الله عنه الملهَم المحدَّث الذي يخافه الشيطان، فيجب على الولد طاعتُهما، وإذا أمراه بطلاق زوجته فعليه بالطاعة.

ليتَّقِ اللهَ الآباءُ في الأبناء، ولا يُقْدِموا على مثل هذا الطلب من أبنائهم، حتى لا يقع الأبناءُ في العقوق، ويجعلوهم يكرهون الإسلام ـ لا قدر الله ـ بسبب فهمهم الخاطئ، وليتذكَّر الآباء أنَّ لهم بنات، وليعاملوا الآخرين كما يحبُّون أن يُعامَلوا.

اللهم اجعلنا على بصيرة من أمرنا، وفرِّجْ عنا فرجاً عاجلاً غير آجل. آمين.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة

**    **    **

تاريخ المقالة:

يوم السبت 3 / ربيع الثاني / 1433هـ، الموافق 25 / شباط / 2012م

 

 2012-02-25
 38044
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  أخلاق و آداب

08-10-2020 961 مشاهدة
59ـ آداب المريض (4)

لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ أَنَّ مِنْ آدَابِ المَرِيضِ: 1ـ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ المَرَضَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. 2ـ أَنْ يَأْخُذَ الدَّوَاءَ. 3ـ أَنْ يَرْقِيَ نَفْسَهُ بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ... المزيد

 08-10-2020
 
 961
08-10-2020 618 مشاهدة
58ـ آداب المريض (3)

لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ أَنَّ مِنْ آدَابِ المَرِيضِ: 1ـ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ المَرَضَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. 2ـ أَنْ يَأْخُذَ الدَّوَاءَ. 3ـ أَنْ يَرْقِيَ نَفْسَهُ بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ... المزيد

 08-10-2020
 
 618
11-03-2020 1046 مشاهدة
57ـ آداب المريض (2)

مِنَ الوَاجِبِ عَلَى العَبْدِ المُؤْمِنِ أَنْ يَرُدَّ المَظَالِمَ إلى أَهْلِهَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَذِمَّتُهُ بَرِيئَةٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حُقُوقِ العِبَادِ، لِأَنَّ حُقُوقَ ... المزيد

 11-03-2020
 
 1046
05-03-2020 1092 مشاهدة
56ـ آداب المريض (1)

ا يُقَدِّرُ نِعْمَةَ اللهِ تعالى إِلَّا مَنْ فَقَدَهَا، فَالصِّحَّةُ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا، لَا يُقَدِّرُهَا إِلَّا المَرْضَى، فَكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ قَدْ غَفَلْنَا عَنْهَا؟ وَكَمْ مِنَ النِّعَمِ قَدْ قَصَّرْنَا بِوَاجِبِ شُكْرِهَا، ... المزيد

 05-03-2020
 
 1092
16-01-2020 1639 مشاهدة
55ـ أبشر أيها المريض

لَقَدْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَبَيَّنَ لَنَا الغَايَةَ مِنْ خَلْقِنَا، فَقَالَ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. وَمِنَ العِبَادَةِ الصَّبْرُ عَلَى الابْتِلَاءَاتِ ... المزيد

 16-01-2020
 
 1639
08-01-2020 1465 مشاهدة
54ـ آداب النظر (2)

إِسْلَامُنَا لَا يَرْضَى لَنَا أَنْ نَأْتِيَ الفَوَاحِشَ، بَلْ يَنْهَى عَنْ قُرْبَانِهَا فَضْلَاً عَنْ إِتْيَانِهَا، وَهُوَ يُحَرِّمُ الوَسَائِلَ، وَيَسُدُّ الأَبْوَابَ التي تُؤَدِّي إِلَيْهَا، لِهَذَا جَاءَتْ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ، وَنُصُوصٌ ... المزيد

 08-01-2020
 
 1465

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411989795
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :