19-دروس رمضانية 1437هـ :أين صاحب القلب الرحيم؟

19-دروس رمضانية 1437هـ :أين صاحب القلب الرحيم؟

.

دروس رمضانية 1437هـ

19ـ أين صاحب القلب الرحيم؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: المُوَاسَاةُ وَالرَّحْمَةُ وَالإِحْسَانُ مَنْبَعُهَا قَلْبُ الإِنْسَانِ الرَّحِيمِ، وَالرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، وَالرَّاحِمُونَ هُمُ الذينَ سَارُوا على قَدَمِ سَيِّدِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي قَالَ اللهُ تعالى في حَقِّهِ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.

فَالحَبِيبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ قُدْوَةٌ لِمَنْ أَرَادَ خُلُقَ الرَّحْمَةِ، وَلِمَنْ أَرَادَ الرَّحْمَةَ مِنَ اللهِ تعالى، لَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَوَادَاً بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الجُودِ، وَمَا الجُودُ إلا مِنَ المُوَاسَاةِ وَالرَّحْمَةِ وَالإِحْسَانِ، لَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَوَادَاً في بَذْلِ العِلْمِ وَبَذْلِ المَالِ، بَذَلَ نَفْسَهُ للهِ تعالى لِيُظْهِرَ دِينَ اللهِ تعالى، وَيُوصِلَ الهِدَايَةَ إلى قُلُوبِ العِبَادِ، وَبَذَلَ المَالَ؛ لَقَدْ بَذَلَ النَّفْعَ لِأَهْلِ مُجْتَمَعِهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ، مِنْ إِطْعَامِ الجَائِعِ، وَوَعْظِ الجَاهِلِ، وَقَضَاءِ الحَوَائِجِ، وَتَحَمُّلِ الأَثْقَالِ، وَهَذِهِ صِفَاتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ نَشَأَ، كَمَا قَالَتْ أُمُّنَا السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ الكُبْرَى رَضِيَ اللهُ عَنهَا: كَلَّا أَبْـشِرْ، فَوَاللهِ، لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، وَاللهِ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. رواه الشيخان. ثمَّ تَزَايَدَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ بَعْدَ بِعْثَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَيْنَ صَاحِبُ القَلْبِ الرَّحِيمِ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَيْنَ صَاحِبُ القَلْبِ الرَّحِيمِ، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الآوِنَةِ؟ أَيْنَ الذي يَمْسَحُ على رَأْسِ اليَتِيمِ؟ وَأَيْنَ الذي يُطْعِمُ الجَائِعَ المِسْكِينَ؟ وَأَيْنَ مَنْ يَمْسَحُ على دُمُوعَ البَائِسِينَ؟ وَأَيْنَ مَنْ يَسْمَعُ صُرَاخَ المَكْلُومِينَ؟ وَأَيْنَ مَنْ يَخْفِقُ قَلْبُهُ لِأَنِينِ المُتَوَجِّعِينَ؟ وَأَيْنَ مَنْ يَسْعَى لِإِطْفَاءِ نَارِ الحَرْبِ التي كَشَفَتْ أَحْوَالَ المَسْتُورِينَ؟

أَيْنَ أَصْحَابُ المُوَاسَاةِ؟ أَيْنَ أَصْحَابُ الرَّحْمَةِ؟ أَيْنَ أَصْحَابُ الإِحْسَانِ؟ أَيْنَ الصَّائِمُونَ الذينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ المُوَاسَاةِ؟ أَيْنَ الصَّائِمُونَ الذينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ الرَّحْمَةِ؟

«أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا جَهِلَ الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ حَقِيقَةَ شَهْرِ رَمَضَانَ، الذي هُوَ شَهْرُ المُوَاسَاةِ، فَلْنَكُنْ نَحْنُ مِمَّنْ تَحَقَّقَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ: «وَهُوَ شَهْرُ الْـمُوَاسَاةِ» رواه البيهقي عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَمِنَ المُوَاسَاةِ أَنْ تَنْفَعَ النَّاسَ جَمِيعَاً، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَهْرُ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ الْـمُوَاسَاةِ، وَمِنَ المُوَاسَاةِ أَنْ تُدْخِلَ الـسُّرُورَ إلى قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ، روى الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى؟

فَقَالَ: «مَنْ أَدْخَلَ عَلَى مُؤْمِنٍ سُرُورَاً، إِمَّا أَنْ أَطْعَمَهُ مِنْ جُوعٍ، وَإِمَّا قَضَى عَنْهُ دَيْنَاً، وَإِمَّا يُنَفِّسُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ مِنْ كُرَبِ الْآخِرَةِ، وَمَنْ أَنْظَرَ مُوسِرَاً أَوْ تَجَاوَزَ عَنْ مُعْسِرٍ ظَلَّهُ اللهُ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي نَاحِيَةِ الْقَرْيَةِ لِتَثَبُّتِ حَاجَتِهِ ثَبَّتَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامُ، وَلَأَنْ يَمْشِيَ أَحَدُكُمْ مَعَ أَخِيهِ فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِي هَذَا شَهْرَيْنِ».

شَهْرُ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ الْـمُوَاسَاةِ، وَمِنَ المُوَاسَاةِ أَنْ تَسْعَى على الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، كَالْـمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا هُوَ دِينُنَا، وَهَذَا هُوَ إِسْلَامُنَا، وَهَذِهِ هِيَ عَقِيدَتُنَا، دِينُنَا دِينُ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ، دِينُنَا دِينُ العَطْفِ وَالإِحْسَانِ، دِينُنَا دِينُ رِقَّةٍ في القُلُوبِ، وَشَفَافِيَّةٍ في النُّفُوسِ، لَيْسَ مَعَ بَنِي جِنْسِنَا فَقَطْ، بَلْ مَعَ جِمِيعِ المَخْلُوقَاتِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: امْرَأَةٌ بَغِيٌّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ غُفِرَ لَهَا، لِأَنَّهَا سَقَتْ كَلْبَاً كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ، فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ».

وَبِالمُقَابِلِ، امْرَأَةٌ دَخَلَتِ النَّارَ في هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ هَزْلَاً».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا في كَلْبٍ وَهِرَّةٍ، فَمَا ظَنُّكَ بِالإِنْسَانِ الذي يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ؟

اللَّهُمَّ لَا تَنْزَعِ الرَّحْمَةَ مِنْ قُلُوبِنَا. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 10/ رمضان /1437هـ، الموافق: 15/ حزيران / 2016م

 2016-06-15
 877
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 207 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 207
26-05-2022 656 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 656
26-05-2022 489 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 489
29-04-2022 366 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 366
29-04-2022 749 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 749
29-04-2022 855 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 855

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412011588
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :