أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

8575 - ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾

20-12-2017 6993 مشاهدة
 السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8575
 2017-12-20

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَكَأَنَّ الحَقَّ جَلَّ جَلَالُهُ يُحَرِّضُ عَبْدَهُ الذي أَنْعَمَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ بِالنِّعَمِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ مِنَ الضَّيَاعِ، وَذَلِكَ بِشُكْرِهِ تَبَارَكَ وتعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.

يَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَيِّدُوا نِعَمَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالشُّكْرِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَشُكْرُ اللهِ تَرْكُ المَعْصِيَةِ. رواه البيهقي.

وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾: لَا يُغَيِّرُ مَا بِهِمْ مِنَ النِّعْمَةِ حَتَّى يَعْمَلُوا بِالمَعَاصِي فَيَرْفَعُ اللهُ عَنْهُمُ النِّعَمَ.

وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:

إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا   ***   فَإِنَّ المَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ

وَدَاوِمْ عَلَيْهَا بِذِكْرِ الإِلَهِ    ***   فَـإِنَّ الإِلَهَ سَرِيــعُ النِّقَمِ

وبناء على ذلك:

فَمِنْ كَمَالِ حِكْمَةِ اللهِ تعالى وَرَحْمَتِهِ بِالخَلْقِ، أَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ مَا بِهِمْ مِنْ خَيْرٍ إلى شَرٍّ، وَمِنْ شَرٍّ إلى خَيْرٍ، وَمِنْ رَخَاءٍ إلى شِدَّةٍ، وَمِنْ شِدَّةٍ إلى رَخَاءٍ، وَمِنْ عِزٍّ إلى ذُلٍّ، وَمِنْ ذُلٍّ إلى عِزٍّ، حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.

فَإِنْ كَانُوا في صَلَاحٍ وَاسْتِقَامَةٍ عَلَى شَرْعِ اللهِ تعالى، ثُمَّ غَيَّرُوا ظَاهِرَهُمْ وَبَاطِنَهُمْ، غَيَّرَ اللهُ تعالى عَلَيْهِمُ النِّعَمَ وَحَوَّلَهَا إلى غَيْرِهِمْ، وَأَذَاقَهُم نَتِيجَةَ مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ مِنْ مُخَالَفَاتٍ ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرَاً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.

وَقَدْ يُمْهِلُهُمُ اللهُ تعالى لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، فَإِنْ أَصَرُّوا عَلَى تَغْيِيرِ البَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، أَخَذَهُمْ عَلَى غِرَّةٍ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾.

وَقَدْ يُؤَخِّرُهُمْ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهَذِهِ هِيَ الطَّامَّةُ الكُبْرَى وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، لِيَكُونَ العَذَابُ لَهُمْ أَشَدَّ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلَاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾.

وَإِنْ كَانَ العِبَادُ غَارِقِينَ في المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ وَالمُخَالَفَاتِ، ثُمَّ رَجَعُوا إلى اللهِ تعالى ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، فَإِنَّ اللهَ يُغَيِّرُ مَا بِهِمْ مِنْ شِدَّةٍ وَجَدْبٍ وَقَحْطٍ وَتَمَزُّقٍ وَتَفَرُّقٍ وَتَكَالُبِ النَّاسِ عَلَيْهِمْ، إلى حَالَةٍ حَسَنَةٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
6993 مشاهدة