أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

7896 - ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ﴾

13-03-2017 390 مشاهدة
 السؤال :
يقول الله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ﴾. ويقول تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. فكيف نوفق بين الآيتين؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 7896
 2017-03-13

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا رَيْبَ بِأَنَّ جَمِيعَ المَخْلُوقَاتِ سَوْفَ يُسْأَلُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ عَنْ جَمِيعِ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَنَوَايَاهُمْ، وَعَنْ جَوَارِحِهِمُ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ، قَالَ تعالى: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ المُرْسَلِينَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْـبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولَاً﴾.

ثانياً: يَوْمُ القِيَامَةِ يَوْمٌ طَوِيلٌ، مِقْدَارُهُ خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللهِ ذِي المَعَارِجِ * تَعْرُجُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾.

وَهُوَ وَللهِ الحَمْدُ يَوْمٌ خَفِيف عَلَى المُؤْمِنِينَ، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿يَوْمَاً كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ مَا أَطْوَلَ هَذَا الْيَوْمَ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَلَى المُؤْمِنِ، حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا».

هَذَا اليَوْمُ الطَّوِيلُ لَهُ شُؤُونٌ وَأَحْوَالٌ، النَّاسُ فِيهِ عَلَى أَحْوَالٍ، فَفِي وَقْتٍ يَتَكَلَّمُونَ، وَفِي وَقْتٍ لَا يَتَكَلَّمُونَ، وَتَارَةً يَصْدُقُونَ ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثَاً﴾. وَتَارَةً يَكْذِبُونَ ﴿وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾. وَتَارَةً يَسْأَلُونَ وَتَارَةً لَا يَسْأَلُونَ.

ثالثاً: السُّؤَالُ نَوْعَانِ: سُؤَالُ اسْتِعْلَامٍ وَاسْتِفْهَامٍ، وَسُؤَالُ تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ وَتَأْنِيبٍ.

فَسُؤَالُ اللهِ تعالى يَوْمَ القِيَامَةِ لِخَلْقِهِ قَطْعَاً لَيْسَ سُؤَالَ اسْتِعْلَامٍ وَاسْتِفْهَامٍ وَاسْتِخْبَارٍ وَتَثَبُّتٍ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ، لِأَنَّ هَذَا مُسْتَحِيلٌ في حَقِّ اللهِ تعالى، فَاللهُ تعالى يَعْلَمُ أَفْعَالَ خَلْقِهِ وَأَحْوَالَهُمْ قَبْلَ كَوْنِهَا، وَحَالَ كَوْنِهَا، وَبَعْدَ كَوْنِهَا، يَعْلَمُ الشَّقِيَّ وَالسَّعِيدَ، وَيَعْلَمُ الـسِّرَّ وَأَخْفَى، وَيَعْلَمُ الأَشْيَاءَ قَبْلَ وُجُودِهَا، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

بَلْ هُوَ سُؤَالُ تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ وَتَعْنِيفٍ وَتَحْقِيرٍ وَتَأْنِيبٍ لِلْعَبْدِ الكَافِرِ الفَاجِرِ الفَاسِقِ، لِأَنَّهُ كَفَرَ بِأَنْعُمِ اللهِ تعالى؛ وَأَمَّا سُؤَالُ المُؤْمِنِ فَهُوَ سُؤَالُ تَلْطِيفٍ وَتَشْرِيفٍ وَتَذْكِيرٍ، لِأَنَّهُ شَكَرَ أَنْعُمَ اللهِ تعالى.

وبناء على ذلك:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ﴾. هُوَ كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ﴾. يَعْنِي: لَا يُسْأَلُونَ سُؤَالَ اسْتِعْلَامٍ وَاسْتِرْشَادٍ، لِأَنَّ الأُمُورَ كُلَّهَا مَعْلومَةٌ عِنْدَ اللهِ تعالى قَبْلَ حُدُوثِهَا، وَهِيَ مَحْصِيَّةٌ عِنْدَهُ بَعْدَ حُدُوثِهَا ﴿فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾.

وَلَكِنَّهُمْ يُسْأَلُونَ سُؤَالَ تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ وَتَأْنِيبٍ ـ وَهَذَا في حَقِّ الكَافِرِينَ ـ كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ﴾؟

وَأَمَّا السُّؤَالُ لِلْمُؤْمِنِ فَهُوَ سُؤَالُ تَلْطِيفٍ وَتَشْرِيفٍ وَتَذْكِيرٍ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ».

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُعَامِلَنَا بِفَضْلِهِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
390 مشاهدة
الملف المرفق