أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

1030 - الانشغال بغلاء الأسعار

04-05-2008 20972 مشاهدة
 السؤال :
أصبح حديث الساعة في هذه الأيام بين الناس وخاصة بين طلاب العلم هو الانشغال بغلاء الأسعار فما هي نصيحتكم لنا في هذا الأمر؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 1030
 2008-05-04

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

نسأل الله تعالى أن لا يجعل مصيبتنا في ديننا، وألا يجعل الدنيا أكبر همِّنا ولا مبلغ علمنا، وأن يرفع الغلاء والبلاء والوباء عن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. هذا أولاً.

ثانياً: أن نعالج أنفسنا من خلال القرآن الكريم الذي يلفتنا إلى الحقائق الثابتة التي لا تتغير، حيث ينبغي علينا أن نعلم بأن رزقنا على الرزّاق الذي يقول: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر: 3].

ويقول: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58].

ويقول: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: 60].

ويقول: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 21 ـ 23].

ويقول: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21].

ومن عرف أن الرزاق واحد قَصَدَه، ولم يسأل أحداً سواه. يُذكر أن سليمان بن عبد الملك طلب عالماً جليلاً ليلتقي به، فالتقى به عند البيت العتيق، فقال له الملك: سلني حاجتك. فقال: والله إني لا أسأل غير الله في بيت الله، فالتقى به خارج المسجد الحرام، فقال له الملك: سلني حاجتك. قال: والله ما سألتها من يملكها أفأسأل من لا يملكها؟

فأصرَّ عليه الملك: فقال له العالم: أطلب منك الجنة. قال: هذه ليست لي. قال: إذاً ليس لي عندك حاجة.

فالرزق مقسوم، كما جاء في الحديث الصحيح: «إنَّ أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثمَّ يكون في ذلك عَلَقَةً مثلَ ذلك، ثمَّ يكون في ذلك مضغةً مثل ذلك، ثمَّ يُرسل المَلَكُ، فيَنفُخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بِكَتْبِ رزقه، وأجله، وعمله، وشقيٌّ أو سعيدٌ، ثم ينفخ فيه الروح» رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

وكما جاء في الحديث الآخر: «وإن روح القدس نفث في روعي، وأخبرني أنها لا تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها، وإن أبطأ عنها، فيا أيها الناس! اتقوا الله وأَجْمِلوا في الطلب، ولا يحملنَّ أحدَكم استبطاءُ رزقه أن يخرج إلى ما حرَّم الله عليه، فإنه لا يُدرَك ما عند الله إلا بطاعته» رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة.

ثالثاً: أن يتذكَّر كلُّ واحد منا الغاية من خلقه في هذه الدنيا، وأن يتذكر قول الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 2]، وقوله تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 ـ 3]. وقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].

فما خلقنا في هذه الحياة الدنيا إلا للاختبار والابتلاء، والاختبار والابتلاء كما يكون في المنع يكون في العطاء، فإذا كنا في نعمة وجب علينا الشكر، وإذا كنا في نقمة وجب علينا الصبر، فإذا شكرنا في الرخاء كنا ناجحين، وإذا صبرنا في الشدائد كنا ناجحين، وهذا هو سرُّ سعادتنا، ألم يقل مولانا عز وجل في حق سيدنا سليمان عليه السلام: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30]، لأنه كان شاكراً، وقال في حق سيدنا أيوب عليه السلام: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}، لأنه كان صابراً.

رابعاً: أن نبحث عن سبب هذا الغلاء والضيق، هل لنا يد في ذلك؟ لأن الله تعالى يقول: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79]، ويقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]. ويقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].

لنتساءل فيما بيننا وبين أنفسنا: هل نحن متراحمون فيما بين بعضنا البعض؟

والمشاهد في واقعنا أن الزوج لا يرحم الزوجة، والزوجة لا ترحم الزوج، والوالد لا يرحم ولده، والولد لا يرحم والده، والإمام لا يرحم المقتدي، والمقتدي لا يرحم الإمام، والحاكم لا يرحم المحكوم، والمحكوم لا يرحم الحاكم.

والحديث عن الرحمة المفقودة بيننا حديث ذو شجون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وعلى كلِّ حال ربُّنا يقول لنا: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: 21]، ويقول: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8].

فالمفتاح بأيدينا إن تراحمنا نزلت رحمة الله علينا.

خامساً: من نعمة الله علينا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيراً له» رواه مسلم، ويقول تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 ـ 3].

فعلينا أن ننشغل بما كُلِّفنا به، ولا ننشغل بما ضُمن لنا، علينا جميعاً أن نتذكر قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132]، علينا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأننا أصبحنا في زمن صار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، بل وصل الأمر بالبعض أن يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

نسأل الله تعالى أن يرفع الغلاء والبلاء والوباء وتسلط الأعداء عن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يردَّنا إليه ردّاً جميلاً. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
20972 مشاهدة