أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

3992 - تحويل الطابق الأرضي من المسجد إلى صالة أفراح

28-05-2011 257798 مشاهدة
 السؤال :
بنى رجل مسجداً من طابقين، أرضي وأول، والطابق الأرضي لا يصلى فيه أبداً، وتريد لجنة المسجد أن تجعل الطابق الأرضي صالة أفراح للرجال وللنساء، بشرط أن تكون مضبوطة بضوابط الشريعة، فهل في ذلك حرج شرعي؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 3992
 2011-05-28

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوقف متى صدر ممن هو أهل للتصرف، مستكملاً شرائطه أصبح لازماً وصار حقاً لله عز وجل، وانقطع حقُّ الواقف في التصرُّف في العين الموقوفة بأيِّ تصرف يُخلُّ بالمقصود من الوقف، فلا يُباع ولا يُوهب ولا يُورَّث، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لا يُبَاعُ وَلا يُوهَبُ وَلا يُورَثُ) رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه.

ثانياً: للواقف أن يضع من الشروط عند إنشاء الوقف ما لا يخالف حكم الشرع، ويجب الرجوع إليها، ولا يجوز مخالفتها إذا لم تخالف الشرع، كما جاء في حاشية ابن عابدين: (شَرَائِط الْوَاقِفِ مُعْتَبَرَةٌ إذَا لَمْ تُخَالِفْ الشَّرْعَ وَهُوَ مَالِكٌ، فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَالَهُ حَيْثُ شَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً).

أما بعد تمام الوقف فلا حقَّ له فيما صار وقفاً لله تعالى.

ثالثاً: إذا أُوقفت أرضٌ لبناء مسجد صارت الأرض مع العلو والسفل مسجداً، والفناء يكون تبعاً للمسجد؛ فلو خُطِّطَ بيت للإمام وغيرِه من الواقف قبل بناء المسجد، ثم مع بناء المسجد بُني البيت أو قبله، فهذا جائز شرعاً.

أما لو بُنِيَ المسجد، أو قال الواقف: جعلته مسجداً، فلا يجوز اتخاذ البيت وبناؤه فوق المسجد أو تحته، وإن قال الواقف بعد الوقوف قصدت أن يكون بيتاً للإمام وغيره، فلا يُصدَّق.

قال في الدر وأقرَّه ابن عابدين: فرع: لو بنى فوقه بيتاً للإمام لا يضرُّ؛ لأنه من المصالح، أما لو تمَّت المسجديَّة ثم أراد البناء منع، ولو قال: عنيت ذلك لم يصدق. اهـ.

رابعاً: المسجد له آدابه الخاصة به، لأن المساجد لله تعالى، قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِله}.

ومن هذه الآداب كراهية الأكل في المسجد لغير المعتكفين فيه، وكراهية التصفيق، ورفع الأصوات، وإنشاد الضالَّة والصخب واللهو، لأنَّ هذه الأمور تتنافى مع تعظيم بيوت الله تعالى، فالأصل في بيوت الله تعالى هو التعظيم، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَال * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَار}.

فالمسجد معظَّم في الإسلام، ولهذا حرَّم الإسلام دخول المرأة الحائض والنفساء والجنب بيوت الله تعالى، قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (فإني لا أحلُّ المسجد لحائض ولا جنب) رواه أبو داود في سننه، والبيهقي في السنن الكبرى عن عائشة رضي الله تعالى عنها.

وقال الفقهاء: لا يجوز للحائض والنفساء الدخول إلى المسجد ولو لتعلُّم العلم.

خامساً: إقامة حفلات الزواج في المسجد له جهتان الأولى: عقد النكاح فيه. الثانية: إقامة حفل الزفاف فيه.

أما بالنسبة لعقد النكاح فيه فهو مستحبٌّ عند جمهور الفقهاء، من أجل البركة، وإشهار عقد النكاح، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ) رواه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها وضعفه ابن حجر.

أما بالنسبة لحفل الزفاف للرجال في المساجد فجائز شرعاً إذا خلا الحفل من المفاسد الدينية، من آلات اللهو والدخان والتصفيق والرقص ورفع الأصوات والأكل، وكان مقصوراً على مديح النبي الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مع الدفِّ فقط.

أما حفلات النساء في المساجد فلا تجوز شرعاً لعدم خلوِّها عن المفاسد الدينية، وخاصة من كشف العورات، ودخول الحائض والنفساء، واصطحاب الأطفال، والرقص، واللهو، والصخب، والطعام ، وغير ذلك مما ينافي حرمة المساجد، ودرءُ المفاسد مقدَّم على جلب المصالح.

وبناء على ذلك:

فما دام تمَّ بناء المسجد من طابقين، فهو بكامله مسجد، سواء الطابق الأرضي أو الطابق الأول ولو لم يصلَّ في الطابق الأرضي، ولا يجوز تحويل الطابق الأرضي منه إلى صالة للاستثمار.

وكيف يجترئ المسلم أن يحوِّل كلمة المسجد إلى صالة فضلاً عن تحويل المسجد إلى صالة؟ لأنه بعد فترة من الزمن يُنسى بأنَّ هذا المكان كان مسجداً.

ونحن نعلم بأن الصالات التي تقام فيها الحفلات ربما أن يدخل إليها الطاهر والجنب، ويدخل إليها النساء مع الأطفال، ومن النساء الطاهرة والحائض والنفساء.

وأخيراً أقول: يحرم تحويل المسجد إلى صالة للأفراح سواء كانت للرجال أم للنساء، لأن صفة المسجديَّة لا تتحوَّل عنه بعد تمام الوقف والبناء، فهو مسجدٌ إلى يوم القيامة.

ولكن لا حرج من إقامة حفلات لعقود الزواج أو الأعراس للرجال إذا كانت منضبطة بضوابط الشريعة، ولا يجوز أن تقام فيه حفلات للنساء لما ذكرناه سابقاً من المحظورات. هذا، والله تعالى أعلم.

ر. الدر المختار ـ حاشية ابن عابدين ـ روضة الطالبين ـ حاشية الدسوقي ـ كشاف القناع ـ مغني المحتاج

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
257798 مشاهدة