192ـنحو أسرة مسلمة: كيف يؤثر القرآن في التغيير؟

192ـنحو أسرة مسلمة: كيف يؤثر القرآن في التغيير؟

 

 

نحو أسرة مسلمة

192ـ كيف يؤثر القرآن في التغيير؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ مَشَاكِلَنَا الأُسَرِيَّةَ كَانَتْ نَتِيجَةَ نِسْيَانِنَا قِيمَةَ القُرْآنِ العَظِيمِ في التَّغْيِيرِ، وَهَجْرِنَا تِلَاوَتَهُ وَتَدَبُّرَهُ، مَعَ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى جَعَلَ آيَاتِهِ حَيَاةً لِقُلُوبِنَا وَأَرْوَاحِنَا، فَهُوَ رُوحٌ للأَرْوَاحِ، وَحَيَاةٌ للقُلُوبِ، وَبِدُونِهِ القُلُوبُ مَيْتَةٌ، وَالأَرْوَاحُ هَائِمَةٌ تَائِهَةٌ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ.

وَمِنَ العَجِيبِ أَنْ تَرَى أُسَرَنَا هَجَرَتْ كِتَابَ اللهِ تعالى وَغَفَلَتْ عَنْهُ، مَعَ أَنَّ فِيهِ الهِدَايَةَ وَالسَّعَادَةَ في الدَّارَيْنِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾. هُوَ هِدَايَةٌ لَنَا في كُلِّ أُمُورِنَا للأَتَمِّ وَالأَكْمَلِ وَالأَصْلَحِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَو كَانَتْ بُيُوتُنَا عَامِرَةً بِتِلَاوَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَفَهْمِ مَعَانِيهِ، لَصَلَحَتْ أُسَرُنَا وَأَحْوَالُنَا، لِأَنَّ القُلُوبَ المَيْتَةَ، وَالبَصَائِرَ العَمْيَاءَ، وَالآذَانَ الصَّمَّاءَ، تَحْيَا بِإِذْنِ اللهِ تعالى، فَتُبْصِرُ الحَقَّ وَتَتَّبِعُهُ.

كَيْفَ يُؤَثِّرُ القُرْآنُ في التَّغْيِيرِ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا أَرَدْنَا التَّغْيِيرَ في حَيَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَقْرَأَ القُرْآنَ وَنَتَدَبَّرَ آيَاتِهِ، وَنُعْطِيَ القُرْآنَ العَظِيمَ كُلَّنَا ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، وَنَتَفَرَّغَ لَهُ، وَنَنْشَغِلَ بِآيَاتِهِ قَلْبَاً وَرُوحَاً وَعَقْلَاً، دُونَ أَنْ نَخْلِطَ مَعَهُ عُلُومَاً ثَانِيَةً، وَخَاصَّةً مِنْ وَضْعِ البَشَرِ.

أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا تَأَثَّرُوا بِالقُرْآنِ التَّأْثُّرَ الصَّحِيحَ، وَارْتَقَوْا مِنَ الثَّرَى إلى الثُّرَيَّا، إِلَّا بَعْدَ أَنْ هَجَرُوا جَمِيعَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ عَادَاتٍ وَتَقَالِيدَ، وَوَضَعُوا قَوْلَهُمْ: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ.

بَل كَانُوا حَرِيصِينَ كُلَّ الحِرْصِ عَلَى التَّفَرُّغِ لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ بِتَوْجِيهٍ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى لَا يَتَشَوَّشُوا بِشَيْءٍ آخَرَ.

روى الإمام أحمد عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ، فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَغَضِبَ وَقَالَ: «أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ (أَيْ: أَمُتَحَيِّرُونَ في دِينِكُمْ حَتَّى تَأْخُذُوا العِلْمَ مِنْ غَيْرِ كِتَابِكُمْ وَنَبِيِّكُمْ) وَالَّذِي نَـفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيَّاً، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي».

لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصَاً عَلَى أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ يُشَوِّشُ عَلَيْهِمْ، بَلْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصَاً عَلَى أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ مَعِينٍ وَاحِدٍ ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾.

لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصَاً عَلَى أَنْ تَصْفُوَ نُفُوسُهُمْ للقُرْآنِ العَظِيمِ، وَأَنْ يَسْتَقِيمَ عُودُهُمْ عَلَى مَنْهَجِ القُرْآنِ العَظِيمِ، الذي هُوَ سِرُّ هِدَايَتِهِمْ.

لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصَاً عَلَى أَنْ يَصْنَعَ جِيلَاً خَالِصَ القَلْبِ، خَالِصَ العَقْلِ، خَالِصَ التَّصَوُّرِ، خَالِصَ الشُّعُورِ، خَالِصَ التَّكْوِينِ مِنْ أَيِّ مُؤَثِّرٍ غَيْرِ القُرْآنِ العَظِيمِ، الذي هُوَ كَلَامُ اللهِ تعالى.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ تَأَثَّرَ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بِالقُرْآنِ وَحْدَهُ، وَذَلِكَ بِتَوْجِيهٍ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَهَجَرُوا كُلَّ مَا سِوَاهُ، فَصَارَتْ أُسَرُهُمْ عَامِرَةً مُتَمَاسِكَةً مُتَنَاصِحَةً مُتَحَابَّةً، قَلَّتْ فِيهَا الخُصُومَاتُ، وَقَلَّتْ فِيهَا الخِلَافَاتُ، وَقَلَّتْ فِيهَا الطَّلَاقَاتُ، وَكَانَتْ سَكَنَاً لَهُمْ وَمَوَدَّةً وَرَحْمَةً، لَقَدِ انْشَغَلُوا بِالقُرْآنِ العَظِيمِ عَنْ غَيْرِهِ، فَسَعِدُوا وَأَسْعَدُوا البَشَرِيَّةَ جَمْعَاءَ لَا أُسَرَهُمْ فَقَطْ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِالقُرْآنِ العَظِيمِ فُتِحَتِ القُلُوبُ، وَحَيَيَتْ بَعْدَ مَوْتِهَا، بِالقُرْآنِ العَظِيمِ انْتَعَشَتِ الأَرْوَاحُ، بِالقُرْآنِ العَظِيمِ سَعِدَتِ البُيُوتُ، وَتَآلَفَ الأَزْوَاجُ، وَأَفْرَادُ الأُسْرَةِ، بِالقُرْآنِ العَظِيمِ عَاشَتِ الأُسَرُ مُتَمَاسِكَةً.

وَمِنْ فَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ تَوَلَّى حِفْظَ القُرْآنِ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ وَالتَّحْرِيفِ، حَتَّى يُؤْتِي ثِمَارَهُ لِكُلِّ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ.

فَهَلْ رَجَعَتْ أُسَرُنَا إلى القُرْآنِ العَظِيمِ وَحْدَهُ للتَّمَسُّكِ بِآدَابِهِ وَأَخْلَاقِهِ، وَجَعَلَتْ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القُدْوَةَ وَالأُسْوَةَ الحَسَنَةَ لَهَا؛ وَهَلْ تَذَكَّرَتْ أُسَرُنَا حَدِيثَ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عِنْدَمَا سُئِلَتْ عَنْ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ. رواه الإمام أحمد.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 15/ ربيع الأول /1439هـ، الموافق: 3/ كانون الأول / 2017م

 2017-12-05
 2549
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  نحو أسرة مسلمة

28-01-2018 4039 مشاهدة
200ـ نحو أسرة مسلمة: اللَّهُمَّ فهمنيها

لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ في حَيَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ لَا بُدَّ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ تَعَامُلَاً صَحِيحَاً، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتِّلَاوَةِ مَعَ التَّدَبُّرِ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ... المزيد

 28-01-2018
 
 4039
21-01-2018 4870 مشاهدة
199ـ نحو أسرة مسلمة :مفتاح سعادتنا بأيدينا

كُلَّمَا تَذَكَّرْنَا يَوْمَ الحِسَابِ، يَوْمَ العَرْضِ عَلَى اللهِ تعالى، يَوْمَ نَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً، وَكُلَّمَا تَذَكَّرْنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَنَعِيمَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَعَذَابَ أَهْلِ النَّارِ، ... المزيد

 21-01-2018
 
 4870
14-01-2018 3487 مشاهدة
198ـنحو أسرة مسلمة : بعد كل امتحان ستعلن النتائج

صَلَاحُ أُسَرِنَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا عَرَفَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الغَايَةَ مِنْ وُجُودِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ الكَثِيرُ مِنَ الأَزْوَاجِ مِمَّنْ دَخَلَ الدُّنْيَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي وَلَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ... المزيد

 14-01-2018
 
 3487
08-01-2018 4081 مشاهدة
197ـنحو أسرة مسلمة: وصية الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لنا

القُرْآنُ العَظِيمُ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَاصْطَفَانَا لِوِرَاثَتِهِ هُوَ مَصْدَرُ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ ... المزيد

 08-01-2018
 
 4081
31-12-2017 4094 مشاهدة
196ـ نحو أسرة مسلمة :دمار الأسر بسبب الفسق والفجور

إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاءِ البُيُوتِ، وَكَثْرَةِ الخِلَافَاتِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، المَعَاصِيَ وَالمُنْكَرَاتِ، التي تُنَكِّسُ الرُّؤُوسَ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَالتي تُسْلِمُ إلى مُقَاسَاةِ العَذَابِ الأَلِيمِ في الدُّنْيَا قَبْلَ ... المزيد

 31-12-2017
 
 4094
24-12-2017 3869 مشاهدة
195ـنحو أسرة مسلمة : أين بيوتنا من تلاوة القرآن؟

سِرُّ سَعَادَتِنَا في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَحَوُّلِنَا مِنَ الشَّقَاءِ إلى السَّعَادَةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ هِدَايَتِنَا مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَمَاسُكِ أُسَرِنَا ... المزيد

 24-12-2017
 
 3869

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411958382
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :