614ـ خطبة عيد الأضحى المبارك 1439 هـ: يوم العيد يوم التراحم

614ـ خطبة عيد الأضحى المبارك 1439 هـ: يوم العيد يوم التراحم

 

614ـ خطبة عيد الأضحى المبارك 1439 هـ: يوم العيد يوم التراحم

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَقْسَمَ اللهُ تعالى بِفَجْرِ هَذَا اليَوْمِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وتعالى: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾. هَذَا اليَوْمُ هُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ العَامِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمُ الْقَرِّ» رواه ابْنُ حِبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (يومُ القَرِّ، وهوَ اليومُ الذي يَلي يومَ النَّحرِ،يعني يومَ الحاديَ عَشَرَ من ذِي الحِجَّةِ،وسُمِّيَ بذلكَ لأنَّ الحُجَّاجَ يَقُرُّونَ فِيهِ بِمِنَى).

هَذَا اليَوْمُ هُوَ آخِرُ أَيَّامِ العَشْرِ، وَهُوَ يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ، وَهُوَ اليَوْمُ الذي أَذَّنَ فِيهِ مُؤَذِّنُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ﴿أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾.

يَوْمُ العِيدِ شُرِعَ للتَّرَاحُمِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَوْمُ العِيدِ شَرَعَهُ اللهُ تعالى لِتَأْلِيفِ القُلُوبِ، وَللتَّرَاحُمِ وَالتَّكَافُلِ، وَلِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَالإِحْسَانِ إلى الفُقَرَاءِ وَالأَيْتَامِ.

وَهَذَا الدِّينُ هُوَ دِينُ الرَّحْمَةِ، وَقَدْ كَتَبَ اللهُ تعالى عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، وَتَسَمَّى بِهَا، فَقَالَ تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾.

وَقَدْ قَالَ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ﴾.

وَالرَّحْمَةُ صِفَةٌ مَطْلُوبَةٌ في كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» رواه الإمام البخاري عَنْ أُسَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» رواه أبو داود عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

خُلُقُ الرَّحْمَةِ هُوَ أَسَاسُ المُعَامَلَةِ مَعَ المؤْمِنِينَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ وَصَفَ اللهُ تعالى المُؤْمِنَ في تَعَامُلِهِ مَعَ أَخِيهِ المُؤْمِنِ بِالرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ، فَقَالَ تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾.

هَذِهِ الرَّحْمَةُ نَحْنُ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إِلَيْهَا فِيمَا بَيْنَ بَعْضِنَا، لِأَنَّهَا إِذَا انْعَدَمَتْ فَإِنَّ الخَيْرِيَّةَ سَتُرْفَعُ، مَا كَانَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ خَيْرَ أُمَّةٍ إِلَّا بِخُلُقِ الرَّحْمَةِ.

أَيْنَ نَحْنُ مِنْ سِيرَةِ مَنْ قَالَ اللهُ تعالى في حَقِّهِ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. وَقَالَ عَنْ ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ: «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ»؟ رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

بِعْثَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ رَحْمَةً، هَدَانَا اللهُ تعالى بِهِ مِنَ الضَّلَالِ، وَأَنْقَذَنَا مِنَ الشَّقَاءِ.

حَدِيثُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةٌ، حَيْثُ قَالَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ».

وَسِيرَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةٌ، فَقَدْ عَفَا عَمَّنْ ظَلَمَ، وَوَصَلَ مَنْ قَطَعَ، وَأَعْطَى مَنْ مَنَعَ.

أَيْنَ نَحْنُ مِمَّنْ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ أَرَدْتُم أَن تُضَحُّوا، الْتَزِمُوا خُلُقَ الرَّحْمَةِ بِضَحَايَاكُمْ، فَلَا تَذْبَحُوا الذَّبَائِحَ أَمَامَ بَعْضِهَا، وَلَا يَذْبَحْ أَحَدٌ وَهُوَ يَحُدُّ سِكِّينَهُ أَمَامَ البَهِيمَةِ، لِمَا رواه الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلَاً أَضْجَعَ شَاةً يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحُهَا وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ، هَلَّا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا».

وفي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ وَاضِعٍ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَةِ شَاةٍ، وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ، وَهِيَ تَلْحَظُ إِلَيْهِ بِبَصَـرِها.

قَالَ: «أَفَلَا قَبْلَ هَذَا، أَوَ تُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَتَانِ».

وروى الإمام أحمد وابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِحَدِّ الشِّفَارِ، وَأَنْ تُوَارَى عَنِ الْبَهَائِمِ؛ وَقَالَ: «إِذَا ذَبَحَ أَحَدُكُمْ، فَلْيُجْهِزْ».

اللَّهُمَّ لَا تَنْزَعِ الرَّحْمَةَ مِنْ قُلُوبِنَا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**      **    **

تاريخ الخطبة:

الثلاثاء: 10/ ذو الحجة /1439هـ، الموافق: 21/ آب / 2018م

 2018-08-20
 3813
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-03-2024 61 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 61
21-03-2024 633 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 633
14-03-2024 969 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 969
08-03-2024 863 مشاهدة
903ـ خطبة الجمعة: استقبل شهر رمضان بالأمور الآتية

هَا نَحْنُ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ الصَّوْمِ، وَأَنْعِمْ بِالصَّوْمِ عِبَادَةً، بِهِ رَفْعُ الدَّرَجَاتُ، وَتَكْفِيرُ الخَطِيئَاتِ، وَكَسْرُ الشَّهَوَاتِ، وَتَكْثِيرُ الصَّدَقَاتِ، وَوَفْرَةِ الطَّاعَاتِ، وَشُكْرُ عَالِمِ الخَفِيَّاتِ، وَالانْزِجَارُ ... المزيد

 08-03-2024
 
 863
09-02-2024 2557 مشاهدة
902ـ خطبة الجمعة: حاله صلى الله عليه وسلم في شعبان

إِنَّ المُؤْمِنَ لَيَتَقَلَّبُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَمُدُّ اللهُ تعالى لَهُ في أَجَلِهِ، وَكُلَّ يَوْمٍ يَبْقَاهُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا هُوَ غَنِيمَةٌ لَهُ لِيَتَزَوَّدَ مِنْهُ لِآخِرَتِهِ، وَيَحْرُثَ فِيهِ مَا اسْتَطَاعَ، ... المزيد

 09-02-2024
 
 2557
02-02-2024 2259 مشاهدة
901ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾

لِنَكنْ جَمِيعًا عَلَى يَقِينٍ أَنَّنَا سَنَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾. أَلَا وَإِنَّ الخَيْرَ كُلَّ الخَيْرِ في الجَنَّةِ، وَإِنَّ الشَّرَّ كُلَّ ... المزيد

 02-02-2024
 
 2259

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411990888
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :