551ـ خطبة العيد: حقيقة العيد

551ـ خطبة العيد: حقيقة العيد

 

551ـ خطبة العيد: حقيقة العيد

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَوْسٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ وَقَفَتِ المَلَائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الطُّرُقِ، فَنَادَوْا: اغْدُوا يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ إِلَى رَبٍّ كَرِيمٍ يَمُنُّ بِالْخَيْرِ، ثُمَّ يُثِيبُ عَلَيْهِ الْجَزِيلَ، لَقَدْ أُمِرْتُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَقُمْتُمْ، وَأُمِرْتُمْ بِصِيَامِ النَّهَارِ فَصُمْتُمْ، وَأَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ، فَاقْبِضُوا جَوَائِزَكُمْ، فَإِذَا صَلَّوْا، نَادَى مُنَادٍ: أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ، فَارْجِعُوا رَاشِدِينَ إِلَى رِحَالِكُمْ، فَهُوَ يَوْمُ الْجَائِزَةِ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْيَوْمُ فِي السَّمَاءِ يَوْمَ الْجَائِزَةِ».

حَقِيقَة العِيدِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ أَكْرَمَكُمُ اللهُ تعالى وَصَلَّيْتُمْ صَلَاةَ العِيدِ شُكْرَاً للهِ تعالى عَلَى نِعْمَةِ الإِتْيَانِ بِرُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، وَهُوَ الصِّيَامُ، اعْلَمُوا عِلْمَاً يَقِينِيَّاً جَازِمَاً بِأَنَّ يَوْمَ العِيدِ الحَقِيقِيِّ هُوَ كُلُّ يَوْمٍ يَمُرُّ عَلَيْكَ وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْكَ ذَنْبٌ.

العِيدُ الحَقِيقِيُّ هُوَ اليَوْمُ الذي نَخْرُجُ فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا بِالإِيمَانِ الكَامِلِ.

العِيدُ الحَقِيقِيُّ هُوَ اليَوْمُ الذي نَجْتَازُ فِيهِ الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ، وَنَأْمَنُ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ القِيَامَةِ.

العِيدُ الحَقِيقِيُّ هُوَ اليَوْمُ الذي تَدْخُلُ فِيهِ الجَنَّةَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقَاً.

العِيدُ الحَقِيقِيُّ هُوَ اليَوْمُ الذي تَنْظُرُ فِيهِ إلى رَبِّكَ تَبَارَكَ وتعالى، وَتَكُونُ مِمَّنْ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللهِ تعالى الحُسْنَى، وَنِلْتَ شَرَفَ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾.

العِيدُ الحَقِيقِيُّ هُوَ اليَوْمُ الذي تَرَى فِيهِ رَبَّكَ عَزَّ وَجَلَّ عَنْكَ رَاضِيَاً.

العِيدُ الحَقِيقِيُّ هُوَ اليَوْمُ الذي تَصْحَبُ فِيهِ الأَوْلِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ مِمَّنْ يُذَكِّرُونَكَ بِاللهِ تعالى إِذَا رَأَيْتَهُمْ، وَيَزِيدُونَ في عِلْمِكَ إذَا حَدَّثُوكَ.

العِيدُ الحَقِيقِيُّ هُوَ اليَوْمُ الذي تَقُومُ فِيهِ بِخِدْمَةِ دِينِكَ، وَبخِدْمَةِ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.

العِيدُ الحَقِيقِيُّ هُوَ اليَوْمُ الذي تُخَلِّصُ فِيهِ العَاصِيَ مِنْ عِصْيَانِهِ، وَتَرُدُّ الشَّارِدَ فِيهِ إلى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

تَرْبِيَةُ الأَبْنَاءِ التَّرْبِيَةَ الصَّالِحَةَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: العِيدُ الحَقِيقِيُّ هُوَ اليَوْمُ الذي نُرَبِّي فِيهِ أَنْفُسَنَا وَأَبْنَاءَنَا عَلَى أَنْ يَكُونَ هَمُّهُمُ الآخِرَةَ، وَمَنْ كَانَ هَمُّهُ الآخِرَةَ لَمْ يَجْتَرِئْ عَلَى مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى.

رَأَى رجُلٌ صَالِحٌ وَلَدَهُ في ثِيَابٍ رَثَّةٍ في يَوْمِ العِيدِ، فَبَكَى، فَلَاحَظَ ابنُهُ البَارُّ ذَلِكَ.

فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَتَاهُ؟

فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ الرَّحِيمُ: أَخَافُ أَنْ تَخْرُجَ يَا بُنَيَّ في هَذِهِ الثِّيَابِ الرَّثَّةِ إلى الصِّبْيَانِ لِتَلْعَبَ مَعَهُمْ فَيَنْكَسِرُ قَلْبُكَ.

فَقَالَ الابْنُ البَارُّ لِأَبِيهِ الرَّحِيمِ: إِنَّمَا يَنْكَسِرُ قَلْبُ مَنْ عَصَى مَوْلَاهُ وَعَقَّ أُمَّهُ وَأَبَاهُ؛ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللهُ رَاضِيَاً عَنِّي بِرِضَاكَ عَنِّي يَا أَبِي؛ فَضَمَّهُ الأَبُ الرَّحِيمُ إلى صَدْرِهِ وَقَبَّلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ؛ فَكَانَ أَزْهَدَ أَوْلَادِهِ.

هَذَا هُوَ العِيدُ الحَقِيقِيُّ، أَنْ تَرَى أَبْنَاءَكَ وَبَنَاتِكَ يَخَافُونَ المَعَاصِيَ، وَمِنْهَا العُقُوقُ للوَالِدَيْنِ.

العِيدُ الحَقِيقِيُّ عِنْدَمَا تَتْرُكُ ذُرِّيَّتَكَ الضُّعَفَاءَ وَقَدْ تَرَبَّوْا عَلَى مَعْرِفَةِ اللهِ تعالى مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِمْ.

دَخَلَ أَحَدُ الصَّحَابَةِ مَسْجِدَاً فَاسْتَوْقَفَ نَظَرَهُ طِفْلٌ لَمْ يَتَجَاوَزِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمُرِهِ قَائِمٌ يُصَلِّي بِخُشُوعٍ؛ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ سَأَلَهُ الصَّحَابِيُّ: ابْنُ مَنْ أَنْتَ؟

قَالَ الصَّبِيُّ: إِنِّي يَتِيمٌ.

فَقَالَ الصَّحَابِيُّ: أَتَرْضَى أَنْ تَكُونَ لِي وَلَدَاً؟

فَقَالَ الصَّبِيُّ: هَلْ تُطْعِمُنِي إِذَا جُعْتُ؟

قَالَ الصَّحَابِيُّ: نَعَمْ.

قَالَ: هَلْ تَسْقِينِي إِذَا عَطِشْتُ؟

قَالَ الصَّحَابِيُّ: نَعَمْ.

قَالَ: هَلْ تَكْسُونِي إِذَا عُرِيتُ؟

قَالَ الصَّحَابِيُّ: نَعَمْ.

قَالَ: وَهَلْ تُحْيِينِي إِذَا مِتُّ؟

فَدُهِشَ الصَّحَابِيُّ؛ وَقَالَ: هَذَا مَا لَيْسَ إِلَيْهِ سَبِيلٌ.

فَقَالَ الصَّبِيُّ: فَاتْرُكْنِي إِذَاً للذي خَلَقَنِي ثُمَّ رَزَقَنِي ثُمَّ يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِي.

فَانْصَرَفَ الصَّحَابِيُّ وَهُوَ يَقُولُ: لَعَمْرِي مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ كَفَاهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: العِيدُ الحَقِيقِيُّ أَنْ تُحَافِظَ عَلَى الجَائِزَةِ التي اسْتَلَمْتَهَا في يَوْمِ الجَائِزَةِ، فَلَا تُدَنِّسْ صَحِيفَةَ أَعْمَالِكَ بِالذُّنُوبِ وَالخَطَايَا بَعْدَ مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ، أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانَاً وَاحْتِسَابَاً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

العِيدُ الحَقِيقِيُّ لِمَنِ ابْتَعَدَ عَنْ أَسْبَابِ الهَلَكَةِ، وَدَخَلَ في مَيْدَانِ اسْتِبَاقِ الخَيْرَاتِ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ.

العِيدُ الحَقِيقِيُّ لِمَنْ كَانَ سَبَبَاً في حَقْنِ دِمَاءِ المُسْلِمِينَ لَا في سَفْكِهَا، وفي حِفْظِ أَمْوَالِ المُسْلِمِينَ لَا في إِتْلَافِهَا، وفي حِفْظِ أَعْرَاضِ المُسْلِمِينَ لَا في انْتِهَاكِهَا، وفي جَمْعِ شَمْلِ الأُمَّةِ لَا في تَمْزِيقِ كَيَانِ الأُمَّةِ.

اللَّهُمَّ ارْحَمْ أُمَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الخطبة:

الأحد: 1/ شوال /1438هـ، الموافق: 25/ حزيران / 2017م

 2017-06-24
 2265
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-03-2024 129 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 129
21-03-2024 656 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 656
14-03-2024 997 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 997
08-03-2024 871 مشاهدة
903ـ خطبة الجمعة: استقبل شهر رمضان بالأمور الآتية

هَا نَحْنُ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ الصَّوْمِ، وَأَنْعِمْ بِالصَّوْمِ عِبَادَةً، بِهِ رَفْعُ الدَّرَجَاتُ، وَتَكْفِيرُ الخَطِيئَاتِ، وَكَسْرُ الشَّهَوَاتِ، وَتَكْثِيرُ الصَّدَقَاتِ، وَوَفْرَةِ الطَّاعَاتِ، وَشُكْرُ عَالِمِ الخَفِيَّاتِ، وَالانْزِجَارُ ... المزيد

 08-03-2024
 
 871
09-02-2024 2559 مشاهدة
902ـ خطبة الجمعة: حاله صلى الله عليه وسلم في شعبان

إِنَّ المُؤْمِنَ لَيَتَقَلَّبُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَمُدُّ اللهُ تعالى لَهُ في أَجَلِهِ، وَكُلَّ يَوْمٍ يَبْقَاهُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا هُوَ غَنِيمَةٌ لَهُ لِيَتَزَوَّدَ مِنْهُ لِآخِرَتِهِ، وَيَحْرُثَ فِيهِ مَا اسْتَطَاعَ، ... المزيد

 09-02-2024
 
 2559
02-02-2024 2271 مشاهدة
901ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾

لِنَكنْ جَمِيعًا عَلَى يَقِينٍ أَنَّنَا سَنَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾. أَلَا وَإِنَّ الخَيْرَ كُلَّ الخَيْرِ في الجَنَّةِ، وَإِنَّ الشَّرَّ كُلَّ ... المزيد

 02-02-2024
 
 2271

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412026075
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :