120ـ كلمة شهر صفر الخير 1438: لا تتفاخر بالأنساب على وجه الاستكبار

120ـ كلمة شهر صفر الخير 1438: لا تتفاخر بالأنساب على وجه الاستكبار

120ـ كلمة شهر صفر الخير 1438: لا تتفاخر بالأنساب على وجه الاستكبار

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ تَوَاتَرَتِ النُّصُوصُ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ على تَحْرِيمِ التَّفَاخُرِ بِالأَحْسَابِ وَالأَنْسَابِ على وَجْهِ الاسْتِكْبَارِ وَالاسْتِحْقَارِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبَاً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَا تَتَفَاخَرُوُا بِالأَنْسَابِ وَالأَحْسَابِ، لِأَنَّ شَرَفَ النَّسَبِ لَيْسَ مُكْتَسَبَاً، وَلَا يَدْخُلُ في كَسْبِ الإِنْسَانِ، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾. فَالنَّسَبُ لَيْسَ مُكْتَسَبَاً حَتَّى يَفْتَخِرَ بِهِ الإِنْسَانُ على وَجْهِ الاسْتِكْبَارِ على الآخَرِينَ.

لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّسِيبِ وَغَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ المَادَّةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ آتَانَا اللهُ تعالى عَقْلَاً لِنُفَكِّرَ فِيهِ، لِنَشْكُرَ اللهَ تعالى على نِعَمِهِ، لِنَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ تعالى حَقَّ الحَيَاءِ؛ لِمَاذَا الاسْتِكْبَارُ وَالاسْتِحْقَارُ للآخَرِينَ بِنَسَبٍ دُونَ عَمَلٍ؟

يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾. هَذَا الخِطَابُ لِلْجَمِيعِ، لِأَصْحَابِ النَّسَبِ وَلِغَيْرِهِمْ، للرِّجَالِ وَللنِّسَاءِ، فَكُلُّنَا مِنْ آدَمَ علَيْهِ السَّلَامُ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، كَمَا بَيَّنَ لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّسِيبِ وَغَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ المَادَّةِ، لِأَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ بِالمَادَّةِ التي خُلِقَا مِنْهَا: «مِنْ تُرَابٍ» لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّسِيبِ وَغَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ الفَاعِلِ، فَالفَاعِلُ وَالخَالِقُ هُوَ اللهُ تعالى وَحْدَهُ، فَالذي خَلَقَ النَّسَيبَ هُوَ اللهُ تعالى، والذي خَلَقَ غَيْرَ النَّسِيبِ هُوَ اللهُ تعالى، وَالمَدَارُ عِنْدَ اللهِ تعالى التَّقْوَى، وَلَا أَحَدَ أَكْرَمَ مِنْ أَحَدٍ عِنْدَ اللهِ سُبْحَانَهُ وتعالى إِلَّا بِالتَّقْوَى، فَالذي خَلَقَ الحَسِيبَ وَغَيْرَ الحَسِيبِ قَالَ: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِالتَّقْوَى للهِ عَزَّ وَجَلَّ تَكْمُلُ شَخْصِيَّةُ الإِنْسَانِ، وَبِهَا تَتَفَاضَلُ الأَعْمَالُ، وَقَدْ رَتَّبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الجَزَاءَ على الأَعْمَالِ لَا على الأَنْسَابِ، قَالَ تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئَاً، يَا بَنِي عَبْدِ الْـمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئَاً، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْـمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئَاً، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئَاً، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، سَلِينِي بِمَا شِئْتِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئَاً» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَوْلِيَائِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْـمُتَّقُونَ، وَإِنْ كَانَ نَسَبٌ أَقْرَبَ مِنْ نَسَبٍ، فَلَا يَأْتِينِي النَّاسُ بِالْأَعْمَالِ وَتَأْتُونَ بِالدُّنْيَا تَحْمِلُونَهَا عَلَى رِقَابِكُمْ، فَتَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ هَكَذَا وَهَكَذَا: لَا» وَأَعْرَضَ فِي كِلَا عِطْفَيْهِ. رواه الإمام البخاري في الأَدَبِ المُفْرَدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الاتِّكَالَ على النَّسَبِ، وَتَرْكَ النَّفْسِ وَهَوَاهَا، دَلِيلٌ على قِلَّة العِفَّةِ وَضَعْفِ الرَّأْيِ، وَيَكْفِي هَذَا العَبْدَ قَوْلُ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ في شَأْنِ وَلَدِهِ: ﴿يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾. وَقَدْ كَانَ مِنْ صُلْبِهِ قَطْعَاً، وَمَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾. أَيْ: لَيْسَ مِنَ المُؤْمِنِينَ الذينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ.

يَكْفِي هَذَا المَغْرُورَ بِالنَّسَبِ قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ» رواه الحاكم عَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَكَانَ إِيمَانُ سَيِّدِنَا سَلْمَانَ وَعَمَلُهُ الصَّالِحُ نَسَبَاً لَهُ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

لَـعَـمْـرُكَ مَا  الإِنْسَانُ إِلَّا بِدِينِهِ   ***   فَلَا تَتْرُكِ التَّقْوَى اتِّكَالَاً عَلَى النَّسَبِ

فَقَدْ رَفَعَ الإِسْلَامُ سَلْمَانَ فَارِسٍ   ***   وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْكُ النَّسِيبَ أَبَـا لَهَـبِ

قِيلَ لِشُرَيْحٍ: مَنْ أَنْتَ؟

قَالَ: مِمَّنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ بِالإِسْلَامِ.

وَفِي الخِتَامِ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا، إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنَ الجُعَلِ (وَهُوَ دُوَيْبَةٌ سَوْدَاءُ يُقَالُ لَهَا الخُنْفُسَاءُ) الَّذِي يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ بِأَنْفِهِ (أَيْ: يُدَحْرِجُهُ) إِنَّ اللهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ (أَيْ: نَخْوَتَهَا وَكِبْرَهَا) وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ، إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا للاتِّبَاعِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 1/ صفر الخير /1438هـ، الموافق: 1/تشرين الثاني / 2016م

 2016-11-03
 2564
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

09-04-2024 68 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 68
13-03-2024 238 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 238
09-02-2024 496 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 496
13-01-2024 296 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 296
14-12-2023 429 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 429
16-11-2023 530 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 530

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412388617
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :