115ـ كلمة شهر رمضان 1437: يا ابن بلاد الشام

115ـ كلمة شهر رمضان 1437: يا ابن بلاد الشام

.

115ـ كلمة شهر رمضان 1437: يا ابن بلاد الشام

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَا ابْنَ بِلَادِ الشَّامِ، يَا مَنْ يَرَى مَا حَلَّ في بَلَدِهِ، يَا مَنْ يَرَى سَفْكَ الدِّمَاءِ البَرِيئَةِ، وَسَلْبَ الأَمْوَالِ، وَتَهْدِيمَ البُيُوتِ، وَتَرْمِيلَ النِّسَاءِ، وَتَيْتِيمَ الأَطْفَالِ، وَهُوَ مَا زَالَ مُـصِرَّاً على إِيقَادِ نَارِ هَذِهِ الحَرْبِ، تَذَكَّرْ أَنَّ مِنْ وَرَائِكَ المَوْتَ وَلَو سَلِمْتَ مِنَ الآفَاتِ وَالأَمرَاضِ.

المَوْتُ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللهِ تعالى في هَذَا الكَوْنِ، لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُدْرِكَهُ، أَو يَتَخَلَّصَ مِنْهُ، فَالصَّغِيرُ وَالكَبِيرُ، وَالمَلِكُ وَالمَمْلُوكُ، وَالذَّكَرُ وَالأُنْثَى، وَالغَنِيُّ وَالفَقِيرُ، وَالمُؤَيِّدُ وَالمُعَارِضُ، كُلُّهُمْ أَمَامَ هَذَا القَدَرِ يَقِفُونَ مَكْتُوفِي الأَيْدِي.

الحِكْمَةُ مِنَ المَوْتِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مِنْ حِكْمَةِ اللهِ تعالى في إِيجَادِ المَوْتِ أَنْ يَتَذَكَّرَ الإِنْسَانُ دَائِمَاً أَنَّهُ ضَعِيفٌ؛ قَدْ يَتَجَبَّرُ الإِنْسَانُ، وَيَبْطَرُ، وَيَسْتَعْلِي، فَإِذَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ في يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ سَوْفَ يَقَعُ طَرِيحَ الفِرَاشِ مُكَبَّلَاً عَاجِزَاً عَنِ النُّطْقِ، عَاجِزَاً عَنِ الحَرَكَةِ، فَإِنَّهُ يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ مِنَ الغُرُورِ وَالكِبْرِيَاءِ.

﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾:

تَذَكَّرْ يَا ابْنَ بِلَادِ الشَّامِ، بِأَنَّ المَوْتَ الذي تَفِرُّ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكَ، وَبَعْدَ المَوْتِ بَعْثٌ، وَبَعْدَ البَعْثِ حَـشْرٌ وَنَشْرٌ، ثمَّ وُقُوفٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى للعَرْضِ وَالحِسَابِ ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾.

تَذَكَّرْ يَا مَنْ يَرَى مَا حَلَّ في بَلَدِهِ، وَهُوَ مَا زَالَ مُصِرَّاً على سَفْكِ الدِّمَاءِ البَرِيئَةِ، وَسَلْبِ الأَمْوَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَنَّكَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى، وَسَيُكَلِّمُكَ رَبُّكَ، لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَتَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْكَ فَلَا تَرَى إلا مَا قَدَّمْتَ، وَتَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْكَ فَلَا تَرَى إلا مَا قَدَّمْتَ، وَتَنْظُرُ أَمَامَكَ فَلَا تَرَى إلا النَّارَ، فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ عِنْدَمَا يَسْأَلُكَ عَنْ أَهْلِ بَلَدِكَ؟

بَعْدَ أَنْ قَالَ لَكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارَاً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» رواه الشيخان عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

بَعْدَ أَنْ قَالَ لَكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ، لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ» رواه ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

بَعْدَ أَنْ قَالَ لَكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

بَعْدَ أَنْ قَالَ لَكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟» رواه الإمام مسلم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

بَعْدَ أَنْ قَالَ لَكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْـمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْـمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.

بَعْدَ أَنْ قَالَ لَكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ».

قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

بَعْدَ أَنْ قَالَ لَكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ» رواه الشيخان عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: تَذَكَّرْ يَا ابْنَ بِلَادِ الشَّامِ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾.

تَذَكَّرْ يَا ابْنَ بِلَادِ الشَّامِ، مِنْ خِلَالِ أَفْعَالِكَ التي فَعَلْتَهَا، وَأَقْوَالِكَ التي قُلْتَهَا في حَقِّ بَلَدِكَ، مِنْ أَيِّ الأَصْنَافِ أَنْتَ يَوْمَ القِيَامَةِ، عِنْدَمَا تَقَعُ رُوحُكَ في الغَرْغَرَةِ، وَتَبْلُغُ الحُلْقُومَ ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْـمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْـمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾؟

هَلْ أَقْوَالُكَ وَأَفْعَالُكَ أَقْوَالُ وَأَفْعَالُ المُقَرَّبِينَ، أَمْ أَقْوَالُ وَأَفْعَالُ أَصْحَابِ اليَمِينِ؟ هَلْ سَلَفُنَا الصَّالِحُ فَعَلَ فِعْلَكَ تُجَاهَ بَلَدِهِ؟ اعْمَلْ مَا شِئْتَ، وَقُلْ مَا شِئْتَ، فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، إِنْ خَيْرَاً فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرَّاً فَشَرٌّ.

اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا، وَاسْتُرْ أَعْرَاضَنَا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 1 / رمضان /1437هـ، الموافق: 6/ حزيران / 2016م

 2016-06-17
 2176
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

09-04-2024 82 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 82
13-03-2024 250 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 250
09-02-2024 500 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 500
13-01-2024 297 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 297
14-12-2023 436 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 436
16-11-2023 538 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 538

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412798619
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :