391ـ خطبة الجمعة: يا أيها الغافل المفرط

391ـ خطبة الجمعة: يا أيها الغافل المفرط

 

 391ـ خطبة الجمعة: يا أيها الغافل المفرط

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيَا عِبَادَ اللهِ، العَبدُ المُؤمِنُ الحَقُّ هوَ الذي يَغتَنِمُ أنفَاسَ عُمُرِهِ في التَّوبَةِ للهِ عزَّ وجلَّ، قَبلَ أن تَقَعَ رُوحُهُ في الغَرغَرَةِ، لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» رواه الإمام أَحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما.

فالمُؤمِنُ الحَقُّ فِينَا مَن جَعَلَ المَوتَ نُصبَ عَينَيهِ، واستَعَدَّ لِلِقَاءِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وتَفَقَّدَ نَفسَهُ مِنْ قِبَلِ الصَّلاةِ هَل هوَ مُحَافِظٌ عَلَيهَا أم لا؟ ومِنْ قِبَلِ الصِّيَامِ هَل هوَ مُحَافِظٌ عَلَيهِ أم لا ؟ ومِنْ قِبَلِ الزَّكَاةِ هَل أَدَّاهَا كَامِلَةً أَم لَا؟ ومِنْ قِبَلِ حُقُوقِ العِبَادِ هَل أَبرَأَ ذِمَّتَهُ أَم لَا؟ ومِنْ قِبَلِ أمَانَاتِهِ هَل أَدَّى الأمَانَاتِ إلى أهلِهَا أَم لَا؟

يا أَيُّهَا الغَافِلُ المُفَرِّطُ:

يَا عِبَادَ اللهِ، قُولُوا للعَبدِ الغَافِلِ عنِ اللهِ تعالى المُفَرِّطِ في حَقِّ اللهِ تَعالى، وَحَقِّ العِبَادِ: يا أَيُّهَا الغَافِلُ المُفَرِّطُ:

أولاً: تَصَوَّرْ ظُهُورَ مَلَكِ المَوتِ أَمَامَكَ ومَعَهُ المَلائِكَةُ، إمَّا أن يُسْمِعُوكَ البُشرَى، وإمَّا أن يُسْمِعُوكَ الإِنذَارَ.

أَهلُ الاستِقَامَةِ يَسْمَعُونَ البُشرَى من المَلائِكَةِ: ﴿أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾. وأمَّا أَهلُ الانحِرَافِ والضَّلالِ فَيَسمَعُونَ الإنذَارَ: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً * وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾.

ثانياً: تَصَوَّرِ المَلَكَينِ عِندَمَا تُوَسَّدُ في قَبرِكَ وَحِيدَاً فَرِيدَاً،  ويَسأَلانِكَ مَن رَبُّكَ؟ وما دِينُكَ؟ ومَن نَبِيُّكَ؟ تَصَوَّرْ حَالَكَ هل سَتَرَى هذينِ المَلَكَينِ بأجمَلِ صُورَةٍ أم بأقبَحِ صُورَةٍ؟ تَصَوَّرْ هل سَيُثَبِّتُكَ اللهُ تعالى بالقَولِ الثَّابِتِ أم  سَيَكِلُكَ إلى نَفسِكَ؟ تَصَوَّرْ هل سَيُقَالُ لَكَ: اُنظُرْ إلى مَقعَدِكَ من النَّارِ قد أبدَلَكَ اللهُ عِوَضَاً عَنهُ مَقعَدَاً في الجَنَّةِ، أم العَكسُ؟

ثالثاً: تَصَوَّرْ نَفسَكَ عِندَمَا يَنشَقُّ قَبرُكَ وتَخرُجُ مُغبَرَّاً من غُبَارِ قَبرِكَ قَائِماً على قَدَمَيكَ، شَاخِصَاً بَصَرَكَ، حَافِيَاً عَارِيَاً، فلا تَسمَعُ في أرضِ المَحشَرِ إلا هَمسَاً، هل سَتُكسَى وتُقَادُ إلى ظِلِّ عَرشِ الرَّحمنِ، أم سَتَبقَى في أرضِ المَحشَرِ تَخُوضُ في عَرَقِكَ بِسَبَبِ ذُنُوبِكَ وخَطَايَاكَ؟

لِنَكُفَّ عن المَعَاصِي والمُنكَرَاتِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، لِنَكُفَّ عن المَعَاصِي والمُنكَرَاتِ والذُّنَوبِ قَبلَ أن نَمُوتَ، لأنَّ الذُنَوبَ والمَعَاصِيَ قَسَّتْ قُلُوبَنَا، وأنسَتِ الكَثِيرَ من النَّاسِ اللهَ عزَّ وجلَّ والدَّارَ الآخِرَةَ، ولأنَّهَا مَحَقَتِ البَرَكَةَ، وجَعَلَتِ الحَيَاةَ شَقَاءً وضَنكَاً، وأبعَدَتنَا عن السَّعَادَةِ.

يَا عِبَادَ اللهِ، الأُمُورُ بِخَوَاتِيمِهَا، فَلا يَغتَرَّ أَهلُ الطَّاعَةِ بِطَاعَتِهِم، ولا يَقنَطْ أَهلُ المَعَاصِي بِمَعَاصِيهِم، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى لَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا» رواه الشيخان عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «المُؤمِنُ وَاهٍ ـ مُذنِبٌ ـ رَاقِعٌ ـ تَائِبٌ مُستَغفِرٌـ، فَسَعِيدٌ من هَلَكَ على رِقعِهِ» رواه البَزَّارُ والطَّبَرَانِيُّ في الصَّغِيرِ والأوسَطِ.

يا من سَفَكَ الدِّمَاءَ، تُبْ إلى اللهِ تعالى قَبلَ مَوتِكَ، يا من أَكَلَ أَموَالَ النَّاسِ بالبَاطِلِ تُبْ إلى اللهِ تعالى قَبلَ مَوتِكَ،  يا من حَرَّضَ على إشعَالِ نَارِ الفِتنَةِ في هذا البَلَدِ، تُبْ إلى اللهِ تعالى قَبلَ مَوتِكَ، يا من فَرَّقَ بَينَ الأَحِبَّةِ، تُبْ إلى اللهِ تعالى قَبلَ مَوتِكَ، يا أَيُّهَا الشَّبَابُ، تُوبوا إلى اللهِ تعالى من المُخَالَفَاتِ الشَّرعِيَّةِ التي وَقَعتُم فِيهَا من خِلالِ الجَوَّالاتِ والكُمبيوتَرَاتِ والمَوَاقِعِ الالكِترُونِيَّةِ والشَّبَكَةِ العَنكَبُوتِيَّةِ قَبلَ أن تَمُوتُوا، يا أَيُّهَا الأزوَاجُ، تُوبُوا إلى اللهِ تعالى قَبلَ أن تَمُوتُوا، يا أَيُّهَا التَّجَّارُ، أَدُّوا زَكَاةَ أمَوالِكُم قَبلَ أن تَمُوتُوا. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

اللَّهُمَّ ارزُقنَا تَوبَةً صَادِقَةً قَبلَ المَوتِ. آمين.

أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 20/رمضان /1435هـ، الموافق: 18/تموز / 2014م

 2014-07-18
 5455
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 179 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 179
12-04-2024 843 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 843
09-04-2024 602 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 602
04-04-2024 708 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 708
28-03-2024 617 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 617
21-03-2024 1090 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1090

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413504620
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :