474ـ خطبة الجمعة: ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾؟

474ـ خطبة الجمعة: ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾؟

.

474ـ خطبة الجمعة:  ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عباد الله: الظَّلَمَةُ والطُّغَاةُ يَلْعَنُهُم مَنْ في السَّمَوَاتِ ومَنْ في الأَرْضِ، بَلْ تَلْعَنُهُم جَمِيعُ الكَائِنَاتِ والمَخْلُوقَاتِ، حَتَّى الحِيتَانُ في البِحَارِ، والطُّيُورُ في الأَوْكَارِ، وَبِمَوْتِهِم يَسْتَرِيحُ مِنْهُمُ العِبَادُ والبِلادُ، روى الشيخان عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْـمُسْتَرِيحُ وَالْـمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟

فَقَالَ: «الْعَبْدُ الْـمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ».

هؤلاءِ الطُّغَاةُ المُجْرِمُونَ تَنَامُ أَعْيُنُهُم، وَلَكِنْ أَعْيُنُ المَظْلُومِينَ المَقْهُورِينَ الـمُشَرَّدِينَ، وَأَعْيُنُ اليَتَامَى والأَرَامِلِ سَاهِرَةٌ في جَوْفِ اللَّيْلِ وفي وَقْتِ الأَسْحَارِ تَدْعُو عَلَيْهِمُ الوَاحِدَ القَهَّارَ، وَدَعَوَاتُهُم تَصْعَدُ إلى السَّمَاءِ كَأَنَّهَا شَرَارَةٌ من النَّارِ، لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ تعالى حِجَابٌ، وَإِذَا بِهِم يَسْمَعُونَ الخِطَابَ من العَزِيزِ الجَبَّارِ عَن طَرِيقِ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يَسْمَعُونَ خِطَابَ الفَرَجِ الذي يُخَالِطُ شِغَافَ قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ المُوقِنِينَ: «وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

هَلْ عَمِيَ بَصَرُكَ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: خَاطِبُوا كُلَّ ظَالِمٍ بِقَوْلِ القَائِلِ:

لَا تَظْلِمَنَّ إذَا مَا كُنْت مُقْتَدِرَاً    ***   فَـالظُّلْمُ آخِرُهُ يَأْتِيك بِالنَّدَمِ

تَـنَـامُ عَـيْـنَاكَ وَالْـمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ   ***   يَدْعُو عَلَيْك وَعَيْنُ اللهِ لَمْ تَنَمْ

لا شَكَّ دَعْوَةُ المَظْلُومِ يَحِلُّ بِهَا   ***   دَارُ الهَوَانِ وَدَارُ الذُّلِّ والنِّقَمِ

يَا عِبَادَ اللهِ: خَاطِبُوا كُلَّ ظَالِمٍ، وَقُولُوا لَهُ: هَلْ عَمِيَ بَصَرُكَ، وَطُمِسَتْ بَصِيرَتُكَ، فَلَمْ تَرَ مَا فَعَلَ اللهُ تعالى بالظَّالِمِينَ؟

اذْكُرْ يَا أَيُّهَا الظَّالِمُ، قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾.

اذْكُرْ أَيُّهَا الظَّالِمُ، يَا مَنْ فَرَّقْتَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، يَا مَنْ مَزَّقْتَ قُلُوبَ العِبَادِ بِسَبَبِ ظُلْمِكَ وَقَهْرِكَ، يَا مَنْ ضَيَّقْتَ على العِبَادِ، اذْكُرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾؟ غُرُورٌ وَجَهْلٌ وَحَمَاقَةٌ وَوَقَاحَةٌ.

اذْكُرْ أَيُّهَا الظَّالِمُ، رَدَّ اللهِ تعالى عَلَيْهِم: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾.

اذْكُرْ أَيُّهَا الظَّالِمُ، نَتِيجَةَ هؤلاءِ الذينَ قَالُوا مَا قَالُوا: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحَاً صَرْصَرَاً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ﴾. نَتِيجَةُ هؤلاءِ كَانَتْ كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومَاً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾.

 ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾؟

يَا عِبَادَ اللهِ: وَخَاطِبُوا كُلَّ مَظْلُومٍ مَقْهُورٍ مُضَيَّقٍ عَلَيْهِ: هَلْ سَمِعْتَ هذا السُّؤَالَ من اللهِ تعالى عَن الظَّالِمِينَ: ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾؟

أَيُّهَا المَظْلُومُ المَقْهُورُ، إِيَّاكَ أَنْ تَهْتَزَّ ثِقَتُكَ باللهِ تعالى، إِيَّاكَ أَنْ يَضْعُفَ إِيمَانُكَ بِرَبِّكِ القَائِلِ: ﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يا عباد الله: أَلَيْسَ الأَمْرُ للهِ تعالى من قَبْلُ ومن بَعْدُ؟

أَلَيْسَ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، وَكَفَى باللهِ حَسِيبَاً؟

أَلَيْسَ اللهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؟

أَلَيْسَ اللهُ عَالِمٌ بِمَكْرِ المَاكِرِينَ، وَبِإِجْرَامِ المُجْرِمِينَ؟

أَلَيْسَ اللهُ غَالِبٌ على أَمْرِهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ؟

فَلْنَثِقْ باللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾.

اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ للظَّالِمِينَ في أَبْدَانِنَا وَسْمَاً، ولا تَجْعَلْ لَهُمْ في أَمْوَالِنَا قِسْمَاً، ولا تَجْعَلْ لَنَا في دَوَاوِينِهِمُ اسْمَاً، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**      **      **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 12/ ربيع الثاني /1437هـ، الموافق: 22/كانون الثاني / 2016م

 2016-01-22
 1666
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

12-04-2024 619 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 619
09-04-2024 543 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 543
04-04-2024 676 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 676
28-03-2024 567 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 567
21-03-2024 996 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 996
14-03-2024 1817 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 1817

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412700151
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :