أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

1244 - وضعت كأساً من القطرونة في المطبخ فشربها ابنها فمات

15-07-2008 13666 مشاهدة
 السؤال :
أمٌّ وضعت كأساً من مادة القطرونة على مجلى المطبخ لمعالجة بعض المأكولات، فسمعت صوتاً من معتمد مادة الخبز ينادي، فخرجت لأخذ مادة الخبز، ثم عادت فوجدت ابنها الصغير البالغ أربع سنوات ونصف تقريباً قد تناول كأس القطرونة وشربه، فأسعفوه، وبعد معالجة طويلة وعمليات جراحية توفي الولد بعد سنة، وأثبت الأطباء أن الوفاة كانت بسبب المشروب (القطرونة). فيُرجى بيان ما يترتّب على والدته من أحكام وكفارات، مع العلم بأن أهل الطفل يهدِّدون الزوجة بالقتل.
 الاجابة :
رقم الفتوى : 1244
 2008-07-15

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

جاء في حاشية ابن عابدين رحمه الله تعالى: سقاه سماً حتى مات، إن دفعه إليه حتى أكله ولم يعلم به فمات لا قصاص عليه ولا دية، لكنه يُحبس ويعزَّر، ولو أوجره ـ أي صبّه في حلقه على كره ـ السمَّ إيجاراً تجب الدية على عاقلته، وإن دفعه له في شربة فشربه ومات به، فكالأول، لأنه شرب منه باختياره، إلا أن الدفع خدعة فلا يلزم إلا التعزير والاستغفار. اهـ.

وجاء في كتاب أحكام الصغار للإمام الأشروني الحنفي (2/146): ([إهمال الوالدين في الولد]: .... وذكر عن الفقيه أبي بكر والفقيه أبي القاسم ـ رحمهما الله تعالى ـ في الوالدين إذا لم يتعاهدا الصبي حتى سقط من سطح أو وقع في نار ومات، لا شيء عليهما إلا التوبة. واختار الفقيه أبو الليث ـ رحمه الله ـ أنه لا كفارة على أحدهما إلا أن يكون سقط من يده، لأن الكفارة على الإنسان إنما تجب إذا اتصل فعله بالمحل).

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية في مصطلح (سُم):

وقال الحنفية: لا قصاص في القتل بالسم مطلقاً، فإن قدَّم إلى إنسان طعاماً مسموماً فأكل منه ـ وهو لا يعلم أنه مسموم ـ فمات منه، فلا قصاص ولا دية، فيعزَّر بحبس ونحوه، وإن أوجره إيجاراً أو أكرهه على تناوله وجبت الدية على عاقلة الجاني. اهـ.

وجاء في كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي:

(القتل بالتسبب) (التسميم): تسبب لقتل النفس، فلا يوجب القصاص عند الحنفية. اهـ.

وبناء على ذلك:

فمن خلال النصوص المتقدِّمة لا شيء على الأمِّ في ذلك، فلا كفارة عليها ولا دية، ولكن عليها التوبة والاستغفار فقط، هذا إذا لم تكن مقصِّرة في حفظ مادة القطرونة بإبعادها عن ولدها.

أما إذا كانت مقصِّرة في حفظ هذه المادة، وتناولها ولدها فتكون متسبِّبة في قتله، وعلى عاقلتها الدية، ويجب عليها صيام شهرين متتابعين عند جمهور الفقهاء عدا الحنفية الذين لم يوجبوا الكفارة على المتسبِّب.

والحقيقةُ أن الحادثةَ مؤلمةٌ جداً للأم بحد ذاتها قبل غيرها، ومؤلمة لوالده ولأهله، وما ينبغي أن ننساق خلف الهوى والعصبية، لأنه من الواجب علينا أن نلجم أهواءنا وعصبيّتنا بلجام الأحكام الشرعية، ولتعلم الأم ووالد هذا الطفل وأهله وذووه قول الله عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 ـ 157].

وعليهم ألا يضيِّعوا أجر هذه المصيبة بارتكاب ما حرَّم الله عز وجل، فالحقُّ أحقُّ أن يُتَّبع، وعليهم أن يحتسبوا أجر مصيبتهم عند الله عز وجل، ويقولوا: اللهم أجرنا في مصيبتنا وعوِّضنا خيراً منها، وليتذكروا جميعاً قول الله عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: 112]، فلو شاء الله تعالى لحبس هذا الطفل عن هذه المادة، ولكن صدق الله القائل: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].

أسأل الله تعالى اللطف بنا جميعاً، وأن نكون وقَّافين عند حدود الشريعة. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
13666 مشاهدة