أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

4114 - هل الكبائر تنقض الإيمان؟

30-07-2011 18633 مشاهدة
 السؤال :
رجل مبتلى بفعل الكبائر، فقال له بعضهم: إن إصرارك على الكبائر يخرجك عن دائرة الإيمان، فهل صحيح بأن الكبائر تنقض الإيمان؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 4114
 2011-07-30

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: العبد لا يخرج عن دائرة الإيمان إلا بالكفر الصريح، أو بتحليل الحرام، أو بتحريم الحلال، أو برفض الدين والإيمان بالعلمانية، وما شاكل ذلك.

ثانياً: المعاصي والكبائر التي يقع فيها العبد بدون استحلال لا يكون بها كافراً، بل عاصياً، ولو أصرَّ عليها، ولو كانت الكبائر تُخرج العبد عن دائرة الإيمان لكان كلُّ عاصٍ مرتداً، وكان الارتداد عن دين الله والمعصية واحداً، وفي هذه الحالة يجب أن يعاقب مرتكب الكبيرة كعقاب المرتد، ألا وهو القتل، وهذا لم يقل به أحد من الفقهاء.

ثالثاً: وقد ثبت في القرآن الكريم عكس ذلك تماماً، فالقتل كبيرة من الكبائر، والله تعالى ما نفى الإيمان عن القاتل، قال تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} إلى أن قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} [الحجرات: 9ـ10].

وسيدنا حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه عندما ارتكب خطيئة إبلاغ أهل مكة بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يجهِّز جيشاً لفتح مكة، فلم يُعتبر عمله ناقلاً له من الإيمان إلى الكفر، مع عظم هذا الفعل، بل قال الله تعالى في حقه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل}.

وقصة شارب الخمر ـ وشرب الخمر كبيرة من الكبائر ـ معروفة، فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: (أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، قَالَ: اضْرِبُوهُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللهُ، قَالَ: لا تَقُولُوا هَكَذَا، لا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ) رواه البخاري، وفي رواية للإمام أحمد والبيهقي: (وَلَكِنْ قُولُوا رَحِمَكَ اللهُ).

وروى البخاري عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، (أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ).

وبناء على ذلك:

فهذا المبتلى بارتكاب الكبائر بدون استحلال لها ليس بكافر، ولا مرتد عن دين الله عز وجل، بل هو عاصٍ لله عز وجل، ويجب أن نكون عوناً له على نفسه وشيطانه، وأن لا نكون عوناً للشيطان عليه، بأن نصدر عليه الحكم بأنه مرتدٌّ عن دين الله عز وجل، لأن الله تعالى فتح باب التوبة أمام أصحاب الكبائر بقوله: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 68ـ71].

نسأل الله تعالى لنا وله الهداية، وأن يحبِّب إلينا وإليه الإيمان، ويزينه في قلوبنا، وأن يكرِّه إلينا وإليه الكفر والفسوق والعصيان، وأن يجعلنا جميعاً من عباده الراشدين. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
18633 مشاهدة