أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

2577 - هل ثبت رجم الزاني المحصن في الشرع؟

31-12-2009 16856 مشاهدة
 السؤال :
لقد سمعت من بعض العلماء على قناة فضائية بأن الرجم للزاني المُحصَن ما ثبت في الشرع، بل ثبت في القرآن العظيم الجلد فقط، بدليل قول الله عز وجل في حقِّ الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}، وقال: أيُّهما يُنَصَّف، الجَلد أم الرجم؟ فما رأيكم في ذلك؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 2577
 2009-12-31

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد اتفق الفقهاء على أن حدَّ الزاني الحر المُحْصَن الرجمُ حتى الموت رجلاً كان أو امرأة، وحدُّ الزاني الحر غير المحصن مئة جلدة رجلاً كان أو امرأة.

أما حدُّ العبد أو الأمة الزاني فخمسون جلدة، سواء كانا بكرين أو ثيبيتن، وذلك لقوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}، والمقصود بالمُحْصنات هنا هن المحصِّنات أنفسهنَّ، يعني الطاهرات العفيفات الأحرار، وليس المقصود منهنَّ المحصنات يعني المتزوجات، لأن الله عز وجل قال في صدر الآية: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}، فهل المقصود الحرة أما المتزوِّجة؟ قطعاً المقصود بهنَّ الحرائر العفيفات.

فكلمة المحصَنات قد يراد بها المتزوجات، وقد يراد بها الحرائر، ويفهم هذا من سياق الآية الكريمة.

وقد تمَّ الإجماع على ذلك من عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال البهوتي: وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم بقوله وفعله في أخبار تشبه التواتر، وقد أنزله الله تعالى في كتابه، ثم نُسِخ رَسْمُه وبقي حكمه، لما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا، فَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَإِنَّ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الاعْتِرَافُ).

وزاد في رواية للبخاري ومالك واللفظ له: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: زَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَتَبْتُهَا: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ، فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا).

وما خالف في ذلك أحد إلا الخوارج الذين قالوا: إن القرآن لا يوجد فيه رجم، واكتفوا بجلد الزانية المحصنة المتزوجة الحرة مئة جلدة، اعتماداً على هذه الآية: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}، وقالوا: الرجم لا يُنَصَّف، إنما يُنَصَّف الجلد، وهذا استدلال باطل، لأن صدر الآية كما قلت تتحدث عن الحرائر لا عن المتزوِّجات، وذلك بقوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}.

والذين يقولون: نريد دليلاً من القرآن الكريم على مشروعية الرجم، فإنا نقول لهم: من الذي قال لكم إن القرآن الكريم جامع لكل الأحكام الشرعية التفصيلية؟ نقول لهم: القرآن أمرنا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت، فهل فصَّل القرآن الكريم هذه العبادات؟

إن الذي فصَّل ذلك هو الذي أُنزل عليه القرآن صلى الله عليه وسلم، هو الذي أمرنا الله بطاعته وأن نأخذ منه ما آتانا، قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}.

ونحن نسأل هؤلاء، ونسأل هذا الذي يقول بأن الرجم ما ثبت بنص القرآن الكريم: هل رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لم يرجم؟ فإن قالوا: رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقول لهم: إذاً علينا أن نأخذ هذا منه، لأن الله تعالى يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}، وإن قالوا: لم يرجم، فنقول: قد وقعوا في تكذيب إجماع الصحابة، ووقعوا في تكذيب الأحاديث الصحيحة، وهذا يترتب عليه من المخاطر ما لا يعلمه إلا الله تعالى.

ونقول لهؤلاء كذلك: كيف تسوون بين المُحصَن وغير المُحصَن في الحد؟ كيف تسوون بينهما في الحكم وعلى أي أساس؟

وبناء على ذلك:

فالرجم ثبت بالسنة المطهَّرة بشكل متواتر، وأجمعت عليه الصحابة رضوان الله عليهم، وأجمع عليه الفقهاء، وما خالف في ذلك إلا الخوارج.

والاستدلال بالآية الكريمة غير صحيح، لأن الآية تتحدث عن الحرائر لا عن المتزوجات.

وأجمع الفقهاء على أنَّ حدَّ العبد والأمة إذا زنيا خمسون جلدة، سواء كان محصَنين أم غير محصَنين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
16856 مشاهدة