أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

5169 - دعاء الزوجة الثانية على الزوجة الأولى

12-05-2012 2688 مشاهدة
 السؤال :
لقد تزوَّجت من رجل عنده زوجة، وبعد زواجي منه بمدَّة ضيَّقت عليه زوجته الأولى حتى طلَّقني، وأنا أدعو الله عزَّ وجلَّ عليها، فهل هناك حرجٌ شرعيٌّ عليَّ في الدعاء عليها؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 5169
 2012-05-12

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: يقولُ اللهُ تبارك وتعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَار * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء}. ويقول تعالى: {وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِين}. ويقول تعالى: {وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِين}.

وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.

وروى أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ).

ثانياً: رَخَّصَ اللهُ تعالى لِلمظلومِ أن يَنتصرَ ممَّن ظَلَمَهُ في الدُّنيا إن لم يَستطِعِ الصَّبرَ، قال تعالى: {لا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ القَوْلِ إِلا مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً}.

يقول سيدنا عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما في هذه الآية: لا يُحبُّ اللهُ أن يَدعُوَ أحدٌ على أحدٍ إلا أن يكونَ مَظلُوماً، فَإِنَّهُ قد أَرخَصَ لهُ أن يَدعُوَ على مَن ظَلَمَهُ، وذلك قوله تعالى: {إِلا مَن ظُلِمَ}. وإن صَبَرَ فهوَ خيرٌ له.

ودعاءُ المظلومِ مُستجابٌ عند الله تعالى، وَحَذَّرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الظَّالمين من دَعَوات المظلومين، فقد روى الحاكم عن ابنِ عمر رَضِيَ اللهُ عَنهُما قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (اِتَّقُوا دَعَوَاتِ المظلُومِ، فَإِنَّهَا تَصعَدُ إِلى السَّماءِ كَأَنَّها شَرَارٌ).

وروى الإمام البخاري عنْ جَابِر بن سمُرَةَ رضي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا، فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لَا تُحْسِنُ تُصَلِّي، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَمَّا أَنَا وَاللهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلاةَ العِشَاءِ، فَأَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ وَأُخِفُّ فِي الأُخْرَيَيْنِ، قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلاً ـ أَوْ رِجَالاً ـ إِلَى الكُوفَةِ، فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِداً إِلا سَأَلَ عَنْهُ، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفاً، حَتَّى دَخَلَ مَسْجِداً لِبَنِي عَبْسٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ: أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ، يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ، قَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا، فَإِنَّ سَعْداً كَانَ لا يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلا يَعْدِلُ فِي القَضِيَّةِ، قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللهِ لأَدْعُوَنَّ بِثَلاثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالفِتَنِ ـ وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ ـ.

قَالَ عَبْدُ المَلِكِ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ.

ثالثاً: رَغَّبَنَا الله تعالى في العفوِ بقوله عزَّ وجلَّ: {إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوَّاً قَدِيراً}. وبقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرين}. وبقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِين}. وبقوله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيم}.

وروى الإمام أحمد عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِفَوَاضِلِ الأَعْمَالِ، فَقَالَ: (يَا عُقْبَةُ! صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَأَعْرِضْ عَمَّنْ ظَلَمَكَ).

وبناء على ذلك:

فإن صَبَرتِ فهوَ خيرٌ لكِ، وإن دَعَوتِ اللهَ تعالى فليكُن دُعاؤكِ لها ولِزَوجِها، ولا يَكُن دُعاؤُكِ عليها، وإن كنتِ ولا بُدَّ داعيةً، فخيرُ دُعاءٍ يَدعوهُ المظلومُ هو ما جاء عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؛ روى الإمام البخاري في الأدب المفرد عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقول: (اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَيْنِ مِنِّي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَأَرِنِي مِنْهُ ثَأْرِي).

وروى الترمذي عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ لأَصْحَابِهِ: (اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لا يَرْحَمُنَا). هذا، والله تعالى أعلم.

 

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
2688 مشاهدة
الملف المرفق