أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

7946 - تعارض الحديث مع آية من كتاب الله عز وجل

03-04-2017 1946 مشاهدة
 السؤال :
يقول أحدهم: إذا تعارض حديث شريف مع آية من كتاب الله عز وجل يعتبر الحديث مكذوباً على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ولو كان الحديث في صحيح الإمام البخاري ومسلم، ويقول: حد الزاني الجلد فقط دون الرجم؛ فما رأيكم بذلك؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 7946
 2017-04-03

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: مُسْتَحِيلٌ وَأَلْفُ مُسْتَحِيلٍ أَنْ يَتَعَارَضَ الحَدِيثُ الـشَّرِيفُ مَعَ القُرْآنِ الكَرِيمِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُوتِيَ القُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه أبو داود عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ».

ثانياً: هُنَاكَ فِئَةٌ مِنَ النَّاسِ سَمُّوا أَنْفُسَهُمْ بِالْقُرْآنِيِّينَ، وَقَالُوا: إِنَّ أَمَامَنَا الْقُرْآنَ، نُحِلُّ حَلَالَهُ وَنُحَرِّمُ حَرَامَهُ، وَالسُّنَّةُ كَمَا يَزْعُمُونَ قَدْ دُسَّ فِيهَا أَحَادِيثُ مَكْذُوبَةٌ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ وَهَؤُلَاءِ امْتِدَادٌ لِقَوْمٍ آخَرِينَ نَبَّأَنَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَدْ رَوَى الإمام أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُوشِكُ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُلُ مُتَّكِئَاً عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُول اللهِ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللهُ».

وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا بِقُرْآنِيِّينَ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ أَوْجَبَ طَاعَةَ الرَّسُولِ فِيمَا يَقْرُبُ مِنْ مِائَةِ آيَةٍ، وَاعْتَبَرَ طَاعَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَل: ﴿مَنْ يُطِعْ الرَّسُول فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظَاً﴾.

بَلْ إِنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ الَّذِي يَدَّعُونَ التَّمَسُّكَ بِهِ نَفَى الإِيمَانَ عَمَّنْ رَفَضَ طَاعَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقْبَلْ حُكْمَهُ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجَاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً ﴾.

وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ السُّنَّةَ قَدْ دُسَّتْ فِيهَا أَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ مَرْدُودٌ بِأَنَّ عُلَمَاءَ هَذِهِ الأُمَّةِ عُنُوا أَشَدَّ العِنَايَةِ بِتَنْقِيَةِ السُّنَّةِ مِنْ كُلِّ دَخِيلٍ، وَاعْتَبَرُوا الشَّكَّ فِي صِدْقِ رَاوٍ مِنَ الرُّوَاةِ أَوِ احْتِمَالَ سَهْوِهِ رَادَّاً لِلْحَدِيثِ.

وَقَدْ شَهِدَ أَعْدَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ بِأَنَّهُ لَيْسَتْ هُنَاكَ أُمَّةٌ عُنِيَتْ بِالسَّنَدِ وَبِتَنْقِيحِ الأَخْبَارِ وَلَا سِيَّمَا المَرْوِيَّةَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَهَذِهِ الأُمَّةِ.

ثُمَّ نَسْأَلُ هَؤُلَاءِ: أَيْنَ هِيَ الآْيَاتُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَعَلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ المَفْرُوضَةَ خَمْسٌ، وَعَلَى أَنْصِبَةِ الزَّكَاةِ، وَعَلَى أَعْمَالِ الْحَجِّ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَحْكَامِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا إِلَّا مِنَ السُّنَّةِ.

ثالثاً: طَاعَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هِيَ عَيْنُ طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ تَضَافَرَتِ الأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ﴾. قَالَ تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾. قَالَ تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾.

قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: قَال المُفَسِّرُونَ وَالأَْئِمَّةُ: طَاعَةُ الرَّسُولِ الْتِزَامُ سُنَّتِهِ وَالتَّسْلِيمُ لِمَا جَاءَ بِهِ، وَمَا أَرْسَلَ اللهُ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا فَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ حَكَى اللهُ عَنِ الْكُفَّارِ فِي دَرَكَاتِ جَهَنَّمَ: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا﴾. فَتَمَنَّوْا طَاعَتَهُ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُمُ التَّمَنِّي.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ» رواه الشيخان.

وَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَل مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ، كَمَثَل رَجُلٍ أَتَى قَوْمَاً فَقَالَ: يَا قَوْمِ، إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنِي، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ (الذي تَجَرَّدَ مِنْ ثَوْبِهِ وَرَفَعَهُ بِيَدِهِ إِعْلَامَاً لِقَوْمِهِ بِالغَارَةِ عَلَيْهِمِ) فَالنَّجَاءَ (انْجُوا بِأَنْفُسِكُمْ وَأَسْرِعُوا بِالهَرَبِ) فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا (مِنَ الإِدْلَاجِ وَهُوَ السَّيْرُ في اللَّيْلِ أَو أَوَّلِهِ) فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ (تَأَنِّيهِمْ وَسَكِينَتِهِمْ) فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ (بَغْتَةً) فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ (اسْتَأْصَلَهُمْ وَأَهْلَكَهُمْ) فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وبناء على ذلك:

 فَطَاعَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِيمَا لَمْ يَرِدْ في القُرْآنِ العَظِيمِ وَاجِبَةٌ عَلَى الأُمَّةِ إِذَا ثَبَتَ الأَمْرُ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ؛ وَقَدْ ثَبَتَ في الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ قَدْ رُجِمَ الزَّانِي، بَلِ الأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اليَهُودَ في تَوْرَاتِهِمْ قَدْ ثَبَتَ رَجْمُ الزَّانِي المُحْصَنِ، وَلَكِنَّ اليَهُودَ حَاوَلُوا إِنْكَارَهُ؛ فَهَلْ يَأْتِي مُسْلِمٌ لِيُنْكِرَ هَذَا الذي أَنْكَرَهُ اليَهُودُ؟ هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
1946 مشاهدة