50ـ نحو أسرة مسلمة: هل يسلم المسلمون من لسانك؟

50ـ نحو أسرة مسلمة: هل يسلم المسلمون من لسانك؟

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

خلاصة الدرس السابق

فقد عرفنا في الدرس الماضي بأن الغيبة سبب من أسباب عذاب العبد في قبره، وهي كبيرة من الكبائر، وباجتنابها يكفِّر الله عز وجل عن العبد الصغائر، قال تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا}.

وعرفنا بأنه يجب على الإنسان المسلم أن يعلم حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) رواه مسلم.

فالغيبة ليست من صفات المؤمنين، والمؤمن لا يحكِّم من أبغضه بحسناته يوم القيامة.

{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}

لذلك جاء تحريم الغيبة بنص القرآن العظيم بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيم}.

فكِّر في هذا الخطاب وتساءل فيما بينك وبين نفسك، أين الأخوة الإنسانية بينك وبين الذي تغتابه؟ أين الأخوة الإيمان بينك وبينه؟ أين الإيمان بين جوانحك عندما تقع في الغيبة؟ بل أقول أين عقل الإنسان عندما يحكِّم من يبغض في حسناته؟ صدق الله تعالى القائل: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}؟

ليس الأمر هزلاً:

نعم يجب علينا أن نعلم بأن الأمر ليس هزلاً بل هو جدٌّ، فأعراض الناس لا سيما العلماء الصالحين ليست لعبة لللاعبين، ولا عبثاً للعابثين، فلا تجهل مع الجاهلين، وسوف ترى حقائق الأمور ونبأها بعد حين.

سوف ترى وينجلي الغبار *** أفرس تحتك أم حمار

قبر المغتاب:

نعم سوف يعلم المغتاب حقائق الأمور ابتداء من عالم البرزخ وما بعد، فقد روى ابن جرير الطبري عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيع الغرقد فوقف على قبرين ثريين.

يعني أن أصحابهما كان ثريين في الحياة الدنيا بمال وجاه ورياسة وريادة، ولكنهما فقيران في دينهما، وما ينفع غنى الدنيا، فمهما كنت غنياً في دنياك فليس لك منهما إلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، قَالَ: وَهَلْ لَكَ يَا بْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ)؟ رواه مسلم. فكن حريصاً على غنى الدين أكثر.

أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيع الغرقد فوقف على قبرين ثريين فقال : «أدفنتم هنا فلاناً وفلانة»؟ أو قال: «فلاناً وفلاناً»؟ فقالوا: نعم يا رسول الله، فقال: «قد أُقعد فلان الآن يضرب»، ثم قال: «والذي نفسي بيده، لقد ضرب ضربة ما بقي منه عضو إلا انقطع، ولقد تطاير قبره ناراً، ولقد صرخ صرخة سمعتها الخلائق إلا الثقلين من الجن والإنس، ولولا تمريج قلوبكم وتزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع»، ثم قال: «الآن يضرب هذا، الآن يضرب هذا»، ثم قال: «والذي نفسي بيده، لقد ضرب ضربة ما بقي منه عظم إلا انقطع، ولقد تطاير قبره ناراً، ولقد صرخ صرخة سمعها الخلائق إلا الثقلين من الجن والإنس، ولولا تمريج في قلوبكم وتزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع»، قالوا: يا رسول الله، ما ذنبهما؟ قال: «أما فلان، فإنه كان لا يستبرئ من البول، وأما فلان ـ أو فلانة ـ فإنه كان يأكل لحوم الناس».

فهل ترضى أن يكون قبرك حفرة من حفر النار؟ وقد ذكرت لك في الدرس الماضي الحديث المتفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ) ثُمَّ قَالَ: (بَلَى كَانَ أَحَدُهُمَا لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ).

مضارُّ الغيبة:

فالغيبة من القبائح الاجتماعية التي لا يليق بالإنسان المؤمن أن يرتكبها، وقد حرَّمها الله تعالى ونهى عنها لما فيها من تقطيع أواصر الأخوة الإيمانية، وإفساد ذات البين، وبذر بذور العداوات، لأن الغيبة في الغالب الأعم لا تبقى سراً، بل تُنقَل إلى من ذكر في غيبته، لأنه قلَّ في الناس من يكتم حديثاً.

والمغتاب ينشر في المجتمع المعايب، ويشيع النقائص، وهذا يؤدي إلى تشجيع الناس على الاستهانة بها وارتكاب مثلها أو أقبح منها، لا سيما إذا كان الحديث عن المعروف بالاستقامة، أو مستور الحال، أو ممن يشار إليه بالبنان، أو من الدعاة إلى الله عز وجل الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، أو ممن يقتدى بهم في سلوكهم.

نعم المنافق حريص كل الحرص على الغيبة وخاصة للمؤمنين وذلك لنشر الفساد في الأرض والتشجيع على ارتكاب الآثام والسيئات، لهذا قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الإِيمَانُ قَلْبَهُ لا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَةَ أَخِيهِ يَتَّبِعْ الله عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ) رواه الإمام أحمد.

تحذير سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغيبة:

ولهذا وردت أحاديث كثيرة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفِّر الإنسان المؤمن من الغيبة، وها أنا أذكر بعضها:

أولاً: روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاسْتِطَالَةُ فِي عِرْضِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ).

كلنا يعلم بأن الربا كبيرة من الكبائر، ومحرَّمة بنص القرآن الكريم بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ}. والنبي صلى الله عليه وسلم يبين في هذا الحديث الشريف أن الغيبة وبالها أكثر وأشد من وبال الربا، لأن العرض أعزُّ على النفس من المال.

ولذلك ربنا عز وجل أعلن حربه على صنفين من الناس، الأول: المرابين، وذلك بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ}. والصنف الثاني: من عادى أولياء الله عز وجل، يقول ربنا تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ) رواه البخاري.

والولي هو كما عرَّفه الله تعالى في القرآن العظيم: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُون}. فكل مؤمن تقي هو ولي لله تعالى، فكيف تغتابه بغير حق؟

ثانياً: روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اللهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ).

ثالثاً: روى الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْتَفَعَتْ رِيحُ جِيفَةٍ مُنْتِنَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ هَذِهِ رِيحُ الَّذِينَ يَغْتَابُونَ الْمُؤْمِنِينَ).

لماذا لا نجد هذه الريح المنتنة؟ نعم نحن لا نجد هذه الريح المنتنة بسبب كثرتها وعموم البلوى بها كمن أصبح وأمسى في مدبغة هل يشم رائحة الدباغة؟

هانت عندنا الغيبة حتى أصبحنا نراها كأنها من أصغر الصغائر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فعمَّت الغيبة الكبير والصغير والرجال والنساء، وقلَّما أن تجد جمعاً من الناس حافظوا على ألسنتهم من الغيبة.

رابعاً: أخرج أبو داود في سننه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا، تَعْنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ: (لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ)، قَالَتْ: وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا فَقَالَ: (مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا).

تدبَّروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ) والله إنه لأبلغ ذم في الغيبة عند من يعقل.

لو وقفنا أمام بحر عظيم وفكَّرنا فيه هل يستطيع أحدنا أن يمزج هذا البحر بشيء يغير فيه طعمه ولونه وريحه؟ البحر لا تعكِّره جيف كثيرة مهما عظمت، ولكن يغير لونه وطعمه وريحه غيبة تصدر من إنسان.

كلمة (حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ) كم تحتاج إلى ريق يكون في فم الإنسان حتى يقولها؟ قطرة واحدة من الريق تكون في فم الإنسان بها يقول هذه الكلمة، فهذه القطرة من الريق لو مزجت بماء البحر لغيرت طعمه ولونه وريحه، والعياذ بالله تعالى من هذه الكبيرة التي غفلنا عنها.

أما قول السيدة عائشة رضي الله عنها: (وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا) أي فعلت فعلاً مثل فعله تحقيراً له، وهذا من باب المحاكاة والتقليد، فأنكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم أشدَّ الإنكار، وأعلمها بأنه لو أعطي من الدنيا الشيء الكثير على أن يحاكي ـ يقلِّد ـ غيره تحقيراً له ما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

أين مراقبتنا لبيوتنا؟ المرأة تغتاب وتنم والرجل المسؤول لا يأبه، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون} ورسوله صلى الله عليه وسلم يقول: (أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري ومسلم. لماذا لا تغيِّر المنكر في بيتك؟

ليس من الأخلاق السامية السكوت عن المنكر، لذلك عندما قال رسول الله عليه وسلم: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي، لأن الإنسان قد يظن أن من الخلق الحسن أن يرى المنكر ويسكت عليه، فمن الأخلاق الحسنة إنكار المنكر على من تحب بأسلوب حسن، حتى لا تخسر من تحب يوم القيامة.

خامساً: جاء في مسند الإمام أحمد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْلَةً وَقَالَ: مَرَّةً أُكْلَةً فَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يُطْعِمُهُ مِثْلَهَا مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ اكْتَسَى بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ ثَوْبًا فَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَكْسُوهُ مِثْلَهُ مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ قَامَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ مَقَامَ سُمْعَةٍ فَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَقُومُ بِهِ مَقَامَ سُمْعَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

يعني من أكل لقمة من الطعام بسبب وقوعه في غيبة أطعمه الله من نار جهنم مثلها، ومن أخذ ثوباً بسبب الغيبة ألبسه الله ثوباً مثله من نار جهنم.

وما أكثر من يذهب إلى زيد من الناس ويقول له: اجعل لنا فنجاناً من القهوة، أو هيئ لنا طعاماً أريد أن أحدثك بحديث، ويقع في الغيبة والعياذ بالله تعالى.

وهناك من يقوم برجل مقام سمعة ورياء فيصفه بالصلاح والتقوى والاستقامة ويجعل من ذلك وسيلة لتحصيل عرض من أعراض الدنيا، فهذا العبد يكذبه الله تعالى يوم القيامة على رؤوس الأشهاد.

أو هناك من يقوم بالتظاهر بالتقوى وبالصلاح أمام عظيم من عظماء الدنيا ليأكل من حطام الدنيا بدينه حيث يتظاهر أمامه أنه من أهل التقوى ومن أهل الصلاح، وهذا العبد سيفضحه الله تعالى يوم القيامة إذا لم يتب إلى الله تعالى.

اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، واجعلنا يا ربنا من عبادك المخلِصين المخلَصين.

سادساً: وجاء في المعجم الكبير للطبراني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَكَلَ لَحْمَ أَخِيهِ فِي الدُّنْيَا، قُرِّبَ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: كُلُّهُ حَيًّا كَمَا أَكَلْتَهُ مَيِّتًا، فَيَأْكُلُهُ، وَيَكْلَحُ وَيَصِيحُ). ومعنى يكلح: يعبس وجهه ويقطب جبينه ويصيح مستنجداً، ولكن لا مغيث له والعياذ بالله تعالى.

سابعاً:) وجاء أيضاً في المعجم الكبير للطبراني عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ ذَكَرَ امْرَأً بِمَا لَيْسَ فِيهِ لِيَعِيبَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ حَبَسَهُ الله فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، حَتَّى يَأْتِيَ بنفَاذِ مَا قَالَ فِيهِ).

ثامناً: روى الحافظ أبو يعلى بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن ماعز بن مالك جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد زنيت، فأعرض عنه حتى قالها أربعاً، فلما كان في الخامسة قال: زنيت ؟ قال: «نعم». قال: «وتدري ما الزنى»؟ قال: نعم. أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً. قال: «ما تريد إلى هذا القول»؟ قال: أريد أن تطهرني. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدخلت ذلك منك في ذلك منها كما يغيب الميل في المكحلة والعصا في الشيء»؟ قال: نعم يا رسول الله. قال : فأمر برجمه فرُجم، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين يقول أحدهما لصاحبه: ألم تر إلى هذا، ستر الله عليه، فلم تدعه نفسه حتى رُجِمَ رَجْمَ الكلب ؟ فسار النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، ثم مرَّ بجيفة حمار، فقال: «أين فلان وفلان؟ انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار». قالا: غفر الله لك يا رسول الله وهل يؤكل هذا؟ قال: «فما نلتما من أخيكما آنفاً أشد أكلاً منه، والذي نفسي بيده إنه الآن في أنهار الجنة يتقمص فيها».

مكانة الإنسان المؤمن عند سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :

من خلال ما تقدم نعلم مكانة الإنسان المؤمن عند الله عز وجل وعند سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤكد هذا، ما رواه ابن ماجه عن عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ: (مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ الله حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلا خَيْرًا).

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

وأخيراً لنسأل أنفسنا هل يَسلَم المسلمون من لساننا؟ إذا سلم المسلمون من لساننا فنحن المسلمون، وإلا فلنبك على أنفسنا عوضاً من الدمع الدم، جاء في الحديث الصحيح: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) رواه البخاري ومسلم.

فالعاقل من يتدارك نفسه قبل فوات الأوان، جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ).

اللهم وفِّقنا لحفظ الرأس وما وعى والبطنِ وما حوى، وذكرِ الموت والبلى، ونسألك يا ربنا أن تعاملنا بفضلك لا بعدلك يا أرحم الراحمين. و صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

**     **     **

 

 2009-06-17
 2308
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  نحو أسرة مسلمة

28-01-2018 4087 مشاهدة
200ـ نحو أسرة مسلمة: اللَّهُمَّ فهمنيها

لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ في حَيَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ لَا بُدَّ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ تَعَامُلَاً صَحِيحَاً، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتِّلَاوَةِ مَعَ التَّدَبُّرِ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ... المزيد

 28-01-2018
 
 4087
21-01-2018 4928 مشاهدة
199ـ نحو أسرة مسلمة :مفتاح سعادتنا بأيدينا

كُلَّمَا تَذَكَّرْنَا يَوْمَ الحِسَابِ، يَوْمَ العَرْضِ عَلَى اللهِ تعالى، يَوْمَ نَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً، وَكُلَّمَا تَذَكَّرْنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَنَعِيمَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَعَذَابَ أَهْلِ النَّارِ، ... المزيد

 21-01-2018
 
 4928
14-01-2018 3528 مشاهدة
198ـنحو أسرة مسلمة : بعد كل امتحان ستعلن النتائج

صَلَاحُ أُسَرِنَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا عَرَفَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الغَايَةَ مِنْ وُجُودِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ الكَثِيرُ مِنَ الأَزْوَاجِ مِمَّنْ دَخَلَ الدُّنْيَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي وَلَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ... المزيد

 14-01-2018
 
 3528
08-01-2018 4126 مشاهدة
197ـنحو أسرة مسلمة: وصية الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لنا

القُرْآنُ العَظِيمُ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَاصْطَفَانَا لِوِرَاثَتِهِ هُوَ مَصْدَرُ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ ... المزيد

 08-01-2018
 
 4126
31-12-2017 4155 مشاهدة
196ـ نحو أسرة مسلمة :دمار الأسر بسبب الفسق والفجور

إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاءِ البُيُوتِ، وَكَثْرَةِ الخِلَافَاتِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، المَعَاصِيَ وَالمُنْكَرَاتِ، التي تُنَكِّسُ الرُّؤُوسَ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَالتي تُسْلِمُ إلى مُقَاسَاةِ العَذَابِ الأَلِيمِ في الدُّنْيَا قَبْلَ ... المزيد

 31-12-2017
 
 4155
24-12-2017 3925 مشاهدة
195ـنحو أسرة مسلمة : أين بيوتنا من تلاوة القرآن؟

سِرُّ سَعَادَتِنَا في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَحَوُّلِنَا مِنَ الشَّقَاءِ إلى السَّعَادَةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ هِدَايَتِنَا مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَمَاسُكِ أُسَرِنَا ... المزيد

 24-12-2017
 
 3925

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412428111
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :