136ـ كلمة شهر جمادى الثانية 1439: الوفاء بالعهد

136ـ كلمة شهر جمادى الثانية 1439: الوفاء بالعهد

 

136ـ كلمة شهر جمادى الثانية 1439: الوفاء بالعهد

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى تَدَبُّرِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولَاً نَبِيَّاً﴾. لَقَدْ قَدَّمَ اللهُ تعالى وَصْفَ صِدْقِ الوَعْدِ عَلَى وَصْفِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِيَلْفِتَ النَّظَرَ إلى شَرَفِ هَذِهِ الخَصْلَةِ وَسُمُوِّ هَذَا الخُلُقِ.

الخُلُقُ الحَسَنُ يُزَيِّنُ الإِنْسَانَ وَيُجَمِّلُهُ، وَيَرْفَعُ قَدْرَهُ؛ وَعَلَى رَأْسِ الأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ صِدْقُ الوَعْدِ، فَهُوَ مِنْ أَجَلِّ وَأَعْظَمِ الصِّفَاتِ التي يَتَحَلَّى بِهَا الإِنْسَانُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الوَفَاءَ بِالعَهْدِ مَحْمُودٌ، وَمُرَغَّبٌ بِهِ في شَرِيعَتِنَا، الوَفَاءُ بِالعَهْدِ وَالوَعْدِ خُلُقٌ مَحْمُودٌ، وَإِخْلَافُ الوَعْدِ وَالعَهْدِ وَعَدَمُ الوَفَاءِ بِهِمَا خُلُقٌ مَذْمُومٌ، أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتَاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾؟

أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقَاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾؟

أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا ذَكَرَ صِفَاتِ المُنَافِقِينَ: «وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ»؟ رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

الوَقْتُ رَأْسُ مَالِ العَبْدِ المُؤْمِنِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ عَدَمَ الصِّدْقِ في الوَعْدِ فِيهِ اسْتِخْفَافٌ بِحُرْمَةِ المَوْعُودِ، وَإِهْدَارٌ لِجُزْءٍ مِنْهُ، وَلِمَ لَا، وَالوَقْتُ رَأْسُ مَالِ الإِنْسَانِ؟ وَفِيهِ أَيْضَاً كُفْرٌ بِنِعْمَةِ الوَقْتِ الذي غُبِنَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ.

وَصَدَقَ مَنْ قَالَ في حَقِّ هَؤُلَاءِ الذينَ يُخْلِفُونَ الوُعُودَ:

وَالْوَقْتُ أَنْفَسُ مَا عُنِيتَ بِحِفْظِهِ   ***   وَأَرَاهُ أَسْهَلَ مَا عَلَيْك يَضِيعُ

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الوَقْتَ رَأْسُ مَالِ الإِنْسَانِ المُسْلِمِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَاللهِ هُوَ أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالدَّرَاهِمِ، لِأَنَّ الأَمْوَالَ تَذْهَبُ وَتَعُودُ، وَأَمَّا الوَقْتُ فَهُوَ يَذْهَبُ بِلَا عَوْدَةَ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ حَذَّرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ ضَيَاعِ الوَقْتِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اغْتَنِمْ خَمْسَاً قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» رواه الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَمَنْ وَعَدَ وَأَخْلَفَ في الوَعْدِ أَضَرَّ بِالآخَرِينَ الذينَ هُمْ حَرِيصُونَ عَلَى أَوْقَاتِهِمْ مِنَ الضَّيَاعِ بِدُونِ فَائِدَةٍ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الصِّدْقُ في الوَعْدِ، وَالوَفَاءُ بِهِ، نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الصِّدْقِ الذي يَتَّصِفُ بِهِ المُؤْمِنُ وَيَتَحَرَّاهُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقَاً؛ فَالكَاذِبُ لَا يَفِي بِوَعْدِهِ، وَالصَّادِقُ لَا يُخْلِفُ بِوَعْدِهِ.

بِكُلِّ أَسَفٍ أَكْثَرُنَا لَا يَضْبِطُونَ حَيَاتَهُمْ في هَذَا الأَمْرِ، يَعِدُونَ وَيُخْلِفُونَ، وَالأَمْرُ طَبِيعِيٌّ عِنْدَهُمْ، بَلْ يَغْضَبُونَ إِنْ عَاتَبْتَهُمْ في ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَدَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ وَأَخْلَاقِ المُنَافِقِينَ.

لِنَحْرِصْ عَلَى الانْضِبَاطِ بِالوَعْدِ، وَعَارٌ عَلَيْنَا أَنْ نُوصَفَ بِصِفَةِ الخُلْفِ في الوَعْدِ، لِأَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ المُنَافِقِينَ، الخُلْفُ في الوَعْدِ صِفَةُ الكَاذِبِينَ، صِفَةُ الخَائِنِينَ لِقِيمَةِ الوَقْتِ، عَارٌ عَلَيْنَا أَنْ نَسْمَعَ مَنْ يَقُولُ: نُرِيدُ وَعْدَاً انجليزيَّاً، لَا وَعْدَاً عَرَبِيَّاً.

يَا طَالِبَ العِلْمِ، كُنْ قُدْوَةً في الوَفَاءِ بِالوَعْدِ المُحَدَّدِ.

يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ، كُنْ قُدْوَةً في الوَفَاءِ بِالوَعْدِ المُحَدَّدِ.

يَا أَيَّتُهَا المَرْأَةُ، كُونِي قُدْوَةً في الوَفَاءِ بِالوَعْدِ المُحَدَّدِ.

يَا أَيُّهَا المُوَظَّفُ، كُنْ قُدْوَةً في الوَفَاءِ بِالوَعْدِ المُحَدَّدِ.

يَا أَيُّهَا المَسْؤُولُ، كُنْ قُدْوَةً في الوَفَاءِ بِالوَعْدِ المُحَدَّدِ.

يَا أَيَّتُهَا الأُمَّةُ، اتَّصِفِي بِصِفَةِ الوَفَاءِ بِالوَعْدِ، فَهُوَ وَصْفُ النَّبِيِّينَ وَالمُرْسَلِينَ، وَاحْذَرِي مِنَ الخُلْفِ في الوَعْدِ فَإِنَّهُ وَصْفُ المُنَافِقِينَ. يَا رَبِّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

السبت: 1/ جمادى الثانية /1439هـ ، الموافق: 17/شباط / 2018م

 2018-02-17
 1997
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

13-03-2024 134 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 134
09-02-2024 442 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 442
13-01-2024 279 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 279
14-12-2023 386 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 386
16-11-2023 500 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 500
16-09-2023 526 مشاهدة
205ـ كيف لا نحب الحبيب صلى الله عليه وسلم!

مَا أَجْمَلَ شَهْرَ الرَّبِيعِ الذي وُلِدَ فِيهِ الحَبِيبُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟! حَيْثُ إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ يُذَكِّرُنَا بِفَصْلِ الرَّبِيعِ الذي فِيهِ تَتَفَتَّحُ الأَزْهَارُ، وَتُغَرِّدُ ... المزيد

 16-09-2023
 
 526

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411933593
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :