69-مع الصحابة وآل البيت:سيدنا معاذ رَضِيَ اللهُ عَنهُ جمع بين الذكر والعلم

69-مع الصحابة وآل البيت:سيدنا معاذ رَضِيَ اللهُ عَنهُ جمع بين الذكر والعلم

.

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

69ـ سيدنا معاذ رَضِيَ اللهُ عَنهُ جمع بين الذكر والعلم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الحُبُّ الحَقِيقِيُّ يَعْنِي البَذْلَ وَالعَطَاءَ، وَكُلُّنَا يَدَّعِي حُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى قَالَ: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْـمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾. فَمَنْ صَدَقَ في مَحَبَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْذُلَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ في سَبِيلِ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ كَانَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كَثِيرَاً مَا يَقُولُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَيْ: أَفْدِيكَ بِأَبِي وَأُمِّي، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى أَفْدِيكَ بِنَفْسِي.

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ: «إِنَّ عَبْدَاً خَيَّرَهُ اللهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ».

فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا؛ فَعَجِبْنَا لَهُ، وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا.

فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ المُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا بِهِ.

هَذَا هُوَ صِدْقُ الحُبِّ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِذَلِكَ اسْتَحَقَّ تِلْكَ الشَّهَادَةَ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَاً خَلِيلَاً مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، إِلَّا خُلَّةَ الإِسْلَامِ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَأَمْرٌ طَبِيعِيٌّ أَنْ يَكُونَ المُحِبُّ مَحْبُوبَاً.

صِدْقُ مَحَبَّةِ سَيِّدِنَا مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: حَدِيثُنَا اليَوْمَ عَنْ شَخْصِيَّةٍ عَظِيمَةٍ أَحَبَّهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِصِدْقِ مَحَبَّتِهَا للهِ تعالى، وَلِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هَذِهِ الشَّخْصِيَّةُ هِيَ شَخْصِيَّةُ سَيِّدِنَا مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرْضَاهُ، الذي عَرَفَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَحَبَّهُ كُلَّ الحُبِّ، خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَشَبَّكَ يَدَهُ الشَّرِيفَةَ الطَّاهِرَةَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، التي مَا سَفَكَتْ دَمَاً حَرَامَاً، وَلَا أَخَذَتْ مَالَاً حَرَامَاً، وَلَا مَسَّتْ جَسَدَاً حَرَامَاً، وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَاذُ، وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ».

ثمَّ قَالَ لَهُ: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ، لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» رواه أبو داود عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

هَذِهِ هِيَ الحَقِيقَةُ؛ إِذَا لَمْ يُعِنَّا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ على الطَّاعَةِ وَتَرْكِ المَعْصِيَةِ وَكَثْرَةِ ذِكْرِهِ تعالى، فَمَنْ يُعِينُنَا؟

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: بِبَرَكَةِ هَذَا الدُّعَاءِ قَوِيَ إِيمَانُ سَيِّدِنَا مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَقَوِيَ على الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَزَهِدَ في الدُّنْيَا؛ جَاءَ في حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا مُعَاذُ؟».

قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنَاً بِاللهِ تَعَالَى.

قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ مِصْدَاقَاً، وَلِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةٌ، فَمَا مِصْدَاقُ مَا تَقُولُ؟».

قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَا أَصْبَحْتُ صَبَاحَاً قَطُّ إِلَّا ظَنَنْتُ أَنِّي لَا أُمْسِي، وَمَا أَمْسَيْتُ مَسَاءً قَطُّ إِلَّا ظَنَنْتُ أَنِّي لَا أُصْبِحُ، وَلَا خَطَوْتُ خُطْوَةً إِلَّا ظَنَنْتُ أَنِّي لَا أُتْبِعُهَا أُخْرَى، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى كُلِّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا مَعَهَا نَبِيُّهَا وَأَوْثَانُهَا الَّتِي كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عُقُوبَةِ أَهْلِ النَّارِ وَثَوَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

قَالَ: «عَرَفْتَ فَالْزَمْ».

لُزُومُهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ للوَصِيَّةِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: انْظُرُوا إلى صِدْقِ المَحَبَّةِ مِنْ سَيِّدِنَا مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مِنْ خِلَالِ الْتِزَامِهِ بِوَصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَقَدْ كَانَ حَرِيصَاً على زِيَادَةِ إِيمَانِهِ، وَعلى زِيَادَةِ عِبَادَتِهِ، وَزِيَادَةِ ذِكْرِهِ للهِ وَشُكْرِهِ، لَقَدْ كَانَ حَرِيصَاً على زِيَادَةِ إِيمَانِهِ بِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ.

فقَدْ كَانَ مِنْ دُعَائِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: اللَّهُمَّ قَدْ نَامَتِ الْعُيُونُ، وَغَارَتِ النُّجُومُ، وَأَنْتَ حَيٌّ قَيُّومٌ، اللَّهُمَّ طَلَبِي لِلْجَنَّةِ بَطِيءٌ، وَهَرَبِي مِنَ النَّارِ ضَعِيفٌ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي عِنْدَكَ هُدَىً تَرُدُّهُ إِلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.

وَيَقُولُ الْأَسْوَدُ بْنُ هِلَالٍ الْـمُحَارِبِيُّ: قَالَ لِي مُعَاذٌ: اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً. رواه الإمام البخاري.

ذِكْرٌ وَعِلْمٌ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَدْ عَلَّمَ سَيِّدُنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ الأُمَّةَ كَيْفَ يَكُونُ الحُبُّ الصَّادِقُ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ كَانَ مُتَّبِعَاً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَثِيرَ الذِّكْرِ للهِ تعالى، كَثِيرَ العِلْمِ، حَيْثُ جَمَعَ بَيْنَ الذِّكْرِ وَالعِلْمِ، لِأَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ، ذِكْرٌ بِدُونِ عِلْمٍ لَا يَكْفِي، وَعِلْمٌ بِدُونِ ذِكْرٍ لا يَكْفِي.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَدْ جَمَعَ سَيِّدُنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَعَ الذِّكْرِ العِلْمَ، حَتَّى شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

لَقَدْ تَعَلَّمَ العِلْمَ أَوَّلَاً، ثمَّ نَقَلَهُ للآخَرِينَ، وَهَذا شَأْنُ المُحِبِّ الصَّادِقِ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ الأُمَّةَ.

روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ حِمْصَ فَإِذَا فِيهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كَهْلَاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا فِيهِمْ شَابٌّ أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ، بَرَّاقُ الثَّنَايَا سَاكِتٌ، فَإِذَا امْتَرَى الْقَوْمُ (اخْتَلَفُوا) فِي شَيْءٍ أَقْبَلُوا عَلَيْهِ فَسَأَلُوهُ.

فَقُلْتُ لِجَلِيسٍ لِي: مَنْ هَذَا؟

قَالَ: هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ؛ فَوَقَعَ لَهُ فِي نَفْسِي حُبٌّ، فَكُنْتُ مَعَهُمْ حَتَّى تَفَرَّقُوا، ثُمَّ هَجَّرْتُ إِلَى الْـمَسْجِدِ، فَإِذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ قَائِمٌ يُصَلِّي إِلَى سَارِيَةٍ، فَسَكَتَ لَا يُكَلِّمُنِي فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ جَلَسْتُ فَاحْتَبَيْتُ بِرِدَائِي، ثُمَّ جَلَسَ فَسَكَتَ لَا يُكَلِّمُنِي، وَسَكَتُّ لَا أُكَلِّمُهُ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ.

قَالَ: فِيمَ تُحِبُّنِي؟

قَالَ: قُلْتُ: فِي اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

فَأَخَذَ بِحُبْوَتِي فَجَرَّنِي إِلَيْهِ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَالَ: أَبْشِرْ إِنْ كُنْتَ صَادِقَاً، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْـمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّنَا يَدَّعِي المَحَبَّةَ للهِ تعالى، وَلِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ نَمَاذِجِ الصَّادِقِينَ في المَحَبَّةِ كَسَيِّدِنَا مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ؟

اسْمَعُوا في الخِتَامِ إلى مَا رواه الحاكم عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَصْحَابُهُ مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَتَأْذَنُ لِي فِي أَنْ أَتَقَدَّمَ إِلَيْكَ عَلَى طِيبَةِ نَفْسٍ؟

قَالَ: «نَعَمْ».

فَاقْتَرَبَ مُعَاذٌ إِلَيْهِ فَسَارَا جَمِيعَاً، فَقَالَ مُعَاذٌ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْ يَجْعَلَ يَوْمَنَا قَبْلَ يَوْمِكَ، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ شَيْءٌ وَلَا نَرَى شَيْئَاً إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى فَأَيُّ الْأَعْمَالِ نَعْمَلَهَا بَعْدَكَ؟

فَصَمَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ».

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الشَّيْءُ الْجِهَادُ، وَالَّذِي بِالنَّاسِ أَمْلَكُ مِنْ ذَلِكَ فَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ».

قَالَ: «نِعْمَ الشَّيْءُ الصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ».

فَذَكَرَ مُعَاذٌ كُلَّ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ ابْنُ آدَمَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَعَادَ (وَرَجَعَ) بِالنَّاسِ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ».

قَالَ: فَمَاذَا ـ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ـ عَادَ  بِالنَّاسِ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟

قَالَ: فَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى فِيهِ قَالَ: «الصَّمْتُ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ».

قَالَ: وَهَلْ نُؤَاخَذُ بِمَا تَكَلَّمَتْ بِهِ أَلْسِنَتُنَا؟

قَالَ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَخِذَ مُعَاذٍ، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ـ أَوْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ ـ وَهَلْ يُكَبَّ النَّاسِ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ إِلَّا مَا نَطَقَتْ بِهِ أَلْسِنَتُهُمْ، فَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرَاً أَوْ لِيَسْكُتْ عَنْ شَرٍّ، قُولُوا خَيْرَاً تَغْنَمُوا، وَاسْكُتُوا عَنْ شَرٍّ تَسْلَمُوا».

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا صِدْقَ المَحَبَّةِ وَالاتِّبَاعِ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 1/ ذو القعدة /1437هـ، الموافق: 4/آب / 2016م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم

13-03-2020 1395 مشاهدة
170ـ موقف الفاروق رضي الله عنه من شارب الخمر

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد

 13-03-2020
 
 1395
13-02-2020 1951 مشاهدة
169ـ هكذا كان أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد

 13-02-2020
 
 1951
23-01-2020 2585 مشاهدة
168ـ إسلام أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد

 23-01-2020
 
 2585
16-01-2020 990 مشاهدة
167ـ الزبير نموذج للغني المسلم

لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد

 16-01-2020
 
 990
09-01-2020 1327 مشاهدة
166ـ حب سيدنا الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد

 09-01-2020
 
 1327
03-01-2020 1023 مشاهدة
165ـ صاحب رسول الله منذ أن بعث

زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد

 03-01-2020
 
 1023

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412787058
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :