22ـ كلمة شهر ذي الحجة1429هـ: لا يا مريد الحج!!

22ـ كلمة شهر ذي الحجة1429هـ: لا يا مريد الحج!!

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فالحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام الأساسية، وهو جامع لما تضمنته الأركان الأخرى، فهو عبادة بدنية كالصلاة والصيام، وعبادة ماليّة يشبه الزكاة لما يتطلبه من الإنفاق في سبيل الله، وهو كالجهاد في سبيل الله لما فيه من مجاهدة النفس.

والحج فرض علينا بنص القرآن العظيم، قال تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين}، وبنصِّ السنَّة المشرّفة، كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) رواه البخاري ومسلم.

الحج فرض علينا في العام مرة واحدة، كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا) فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ)، ثُمَّ قَالَ: (ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ) رواه مسلم.

ويقول صلى الله عليه وسلم في حقِّ المتهاون فيه: (مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ، فَلا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}) رواه الترمذي.

فالحجّ شكر لله تعالى على نعمة سلامة البدن، وشكر على نعمة المال، وشكر على نعمة الأمن، وهو يحيي في القلب ذكريات تغرس في النفس روح العبودية الكاملة، والخضوع لأوامر الله تعالى، عندما يتذكّر الحاجّ سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما وضع زوجته هاجر وولده إسماعيل في واد غير ذي زرع، وتقول الزوجة لزوجها: (أَاللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لا يُضَيِّعُنَا) رواه البخاري.

فالحج من أعظم العبادات التي يتقرّب بها إلى الله تعالى ومن أفضلها، يقول صلى الله عليه وسلم: (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ) رواه البخاري ومسلم. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: (إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (حَجٌّ مَبْرُورٌ) رواه البخاري.

فهو فريضة واجبة على كل مسلم قادر قدرةً ماديّة، وقدرة بدنية، مع وجود أمن الطريق، فمن أدَّاها مرة واحدة فقد أدى الفريضة التي عليه، ومن زاد على الفريضة فهو متنفِّل.

معلومات يجب علينا أن نتعرَّف عليها:

أولاً: الحج زمانه محدود، قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}، وهي شهر شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة.

ثانياً: الحج مكانه محدود، طواف حول الكعبة المشرَّفة، وسعي بين الصفا والمروة، ووقوف في أرض عرفة، ومبيت في المزدلفة، ورمي الجمار في منى، فمناسك الحج يجب أن تؤدَّى في المكان المحدَّد والزمان المحدَّد.

ثالثاً: لو حجَّ عن كل مئة إنسان مسلم في العالم واحد لكان عدد الحجاج في العالم أكثر من ثلاثة عشر مليون حاج. ولو حجَّ عن كل ألف مسلم في العالم واحد لتجاوز العدد مليوني حاج.

رابعاً: شدَّة الزحام، واختلاط الرجال بالنساء والأطفال مع الجهل في الأحكام يُفقِد الحجَّ روحانيَّته وقدسيَّته، ويجعل من الحج فترة عراك وجدل وتخاصم ورفث وفسوق، كم سمعنا بأن المئات يموتون وهم مُحرِمون تحت أقدام المُحرِمين.

ندائي لكل من أراد الحج:

وأنا أنادي كلَّ من أراد الحج ـ وخاصة حجَّ النافلة ـ: يا أخي الحبيب، تساءل فيما بينك وبين نفسك هذه الأسئلة:

أولاً: طاعة ولي الأمر واجبة أم لا في غير معصيةٍ لله عز وجل؟ وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}، فإذا نظَّم أولياء الأمور الحجَّ أليس من الواجب على الأمَّة الطاعة؟ لأنَّ كلَّ جماعة إن لم يكن لها أمير فاشلة، وطاعة الأمير في غير معصيةٍ من طاعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطاعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هي طاعة لله عز وجل.

ثانياً: هل يجوز للمسلم أن يأتي بتصريح كاذب؟ عندما يأتي أحدهم بتصريح كاذب على أنَّه صاحب مهنة كذا، وهو ليس كذلك، أليس هذا التصريح بمنزلة شهادة الزور؟

ثالثاً: هل يجوز للمسلم أن يطعم المسلم مالاً حراماً بغير حق؟ هل الأموال التي تُدفع لتأمين الغير هل هي حقٌّ أم باطل؟

رابعاً: هل يجوز للمسلم أن يكذب؟ عندما يُسأل عند الحواجز: هل تريد الحج أم العمل؟

خامساً: هل يجوز أن تتجاوز الميقات بغير إحرام إذا كان قصدُك الأوليُّ الحج؟

سادساً: هل يجوز للرجل أن يعقد عقد زواج على امرأة ليكون مَحْرَماً لها، وتشترط عليه الطلاق بعد عودتها؟ زواج صوري.

لذلك أقول: يا مريد الحج:

لا تبدأ حجَّك بمخالفة أمر الله في مخالفتك لأمر وليِّ الأمر.

لا تبدأ حجَّك بمعصية الكذب وشهادة الزور وإطعام المال الحرام.

لا تتجاوز الميقات بغير إحرام ما دمت قاصداً البيتَ بنُسُك.

لا تسافري بدون مَحْرَمٍ حقيقي.

وأخيراً تذكَّر يا أخي الحاج:

تذكَّر يا أخي قولَ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا عمر رضي الله عنهما: (يَا عُمَرُ إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِىٌّ لاَ تُؤْذِ الضَّعِيفَ، إِذَا أَرَدْتَ اسْتِلاَمَ الْحَجَرِ فَإِنْ خَلاَ لَكَ فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلاَّ فَاسْتَقْبِلْهُ وَكَبِّرْ) رواه البيهقي وأحمد.

وتذكَّر قول ابن عباس رضي الله عنهما: إِذَا وَجَدْتَ عَلَى الرُّكْنِ زِحَامًا فَانْصَرِفْ وَلاَ تَقِفْ. رواه البيهقي.

وتذكَّر قول سعيد بن عبيد الطائي: رأيت الحسن أتى الحجر فرأى زحاماً، فلم يستلمه فدعا، ثم أتى المقام فصلى عنده ركعتين. رواه ابن أبي شيبة.

وأما أنت يا أختاه:

صون المرأة مقدَّم على سنن الحج، تقول عائشة بنت سعد بن أبي وقّاص: كان أبي يقول لنا: إِذَا وَجَدْتُنَّ فُرْجَةً مِنَ النَّاسِ فَاسْتَلِمْنَ، وَإِلاَّ فَكَبِّرْنَ وَامْضِينَ. رواه البيهقي.

وعن عائشة رضي الله عنها أنها دَخَلَتْ عَلَيْهَا مَوْلاَةٌ لَهَا فَقَالَتْ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ طُفْتُ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَاسْتَلَمْتُ الرُّكْنَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لاَ آجَرَكِ اللَّهُ! لاَ آجَرَكِ اللَّهُ! تُدَافِعِينَ الرِّجَالَ؟! أَلاَ كَبَّرْتِ وَمَرَرْتِ؟! رواه البيهقي.

أسأل الله تعالى أن يكرمنا بالاتباع لحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بأقوالنا وأفعالنا وأخلاقنا وأحوالنا. آمين. والحمد لله رب العالمين.

**     **     **

 

 2008-12-01
 4712
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 

التعليقات [ 1 ]

د عمار الناشد-السعودية
 2008-12-30

جزاكم الله عنا كل خير لما في هذه الكلمات من فائدة.

 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

09-04-2024 82 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 82
13-03-2024 250 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 250
09-02-2024 501 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 501
13-01-2024 298 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 298
14-12-2023 436 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 436
16-11-2023 539 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 539

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412830290
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :