30ـ نحو أسرة مسلمة: درِّبوا أولادكم على حبِّ خلق العطاء(2)

30ـ نحو أسرة مسلمة: درِّبوا أولادكم على حبِّ خلق العطاء(2)

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

خلاصة الدرس الماضي:

فقد قلنا في الدرس الماضي بأن الإسلام ربَّى أتباعه على أن المال وسيلة وليس بغاية، لأنه لو كان غاية لما تزوّج الإنسان به، ولما أكل منه، ولما تصدّق، فنعم المال الصالح للرجل الصالح.

وقلنا يجب علينا أن ندرِّب أبناءنا على خلق العطاء، لأن الله تعالى أمرنا بذلك في القرآن العظيم، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك بالحديث الشريف.

وعرفنا بعض فضائل الصدقة، ومنها:

1ـ الصدقة تطفئ غضب الرب جل جلاله.

2ـ الصدقة تمحو الخطايا.

3ـ الصدقة تظلل العبد في أرض المحشر.

4ـ الصدقة دواء لقسوة القلب.

5ـ الصدقة سبب لدعاء الملك لنا.

6ـ الصدقة سبب لدخول الجنة من بابها الخاص.

المال نعمة إن كان عندك العلم:

واليوم أيها الإخوة أتابع الحديث معكم في وجوب تعليم أبنائنا حب خلق العطاء، وأن نعلم ونعلِّمهم بأن المال نعمة إذا جمعنا معه العلم في كيفية التعامل معه، ويصبح المال والعلم بإذن الله سبباً لأن نكون في أعلى المنازل يوم القيامة، وإلا فهو نقمة إن وجد بدون علم.

ولنسمع ما يحدِّثنا به المصطفى صلى الله عليه وسلم، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الأَنْمَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (ثَلاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ، قَالَ: فَأَمَّا الثَّلاثُ الَّذِي أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ، فَإِنَّهُ مَا نَقَّصَ مَالَ عَبْدٍ صَدَقَةٌ، وَلا ظُلِمَ عَبْدٌ بِمَظْلَمَةٍ فَيَصْبِرُ عَلَيْهَا إِلا زَادَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا عِزًّا، وَلا يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلا فَتَحَ اللَّهُ لَهُ بَابَ فَقْرٍ. وَأَمَّا الَّذِي أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَالاً وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ حَقَّهُ، قَالَ: فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ. قَالَ: وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً، قَالَ: فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ عَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلانٍ، قَالَ: فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ. قَالَ: وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقَّهُ، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ. قَالَ: وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلا عِلْمًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلانٍ، قَالَ: هِيَ نِيَّتُهُ فَوِزْرُهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

أيها الإخوة: لنضع أنفسنا في هذا الميزان الدقيق الذي من خلاله يعرف الإنسان منزلته في الآخرة، فهل أنت ممن جمع بين المال والعلم، فحفظكَ العلمُ وأنت حفظتَ المالَ، فكان المال بين يديك نعمَ المال عندما كنتَ نعمَ العبد لله تعالى بالتزامك بأوامر الله عز وجل؟ فإن كنت كذلك فأنت بأفضل المنازل يوم القيامة، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

وأما إذا كنت لا قدر الله ممن آتاك الله المال ولم يؤتك العلم فاعلم أن المال صار وبالاً عليك، صار نقمة عوضاً عن النعمة، فما قيمته عندما كنزته في الدنيا ليكون المآل والمصير يوم القيامة كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُون}.

مما يجب أن نعلمه ونعلِّمه لأبنائنا:

أولاً: يجب أن يكون التصدّق بالمال الحلال لا الحرام:

يقول صلى الله عليه وسلم: (مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ - وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ - إِلاَّ أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو فِى كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ) رواه مسلم.

أيها الإخوة: الله تعالى لا ينظر إلى الكَمِّ، وإنما ينظر إلى النوع، فهل صدقتك من حلال؟ فإن كانت صدقتك من حلال ولو كانت صغيرة جداً فإنها تقيك من نار جهنم يوم القيامة، لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، أما المال الحرام والذي فيه شبهة فلا يتصدق به العبد، وإنما يتخلص منه بصرفه إلى الفقراء مع كثرة الاستغفار بعد الندم والتوبة الصادقة النصوح.

لذلك يقول ربنا جل جلاله: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}، فلا ينظر إلى الكَمِّ بل إلى النوع.

وتدبَّر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فَتَرْبُو فِى كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ)، فهل أسرعت في الصدقة حتى تُربَّى لك في يد الرحمن، أم أنَّك أخَّرتها إلى ما بعد موتك لتجعلها وصية، وأنت لا تدري هل ورثتك يخرجونها عنك أم لا؟

ثانياً: أن يكون التصدّق بالجيّد لا بالرديء:

يقول الله تعالى : {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيم}. هكذا كان السلف الصالح رضي الله عنهم، إذا أحبوا شيئاً جعلوه لله تعالى، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (لَمَّا نَزَلَتْ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ ـ قَالَ: وَكَانَتْ حَدِيقَةً كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَسْتَظِلُّ بِهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ـ فَهِيَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْجُو بِرَّهُ وَذُخْرَهُ، فَضَعْهَا ـ أَيْ رَسُولَ اللَّهِ ـ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَخْ يَا أَبَا طَلْحَةَ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، قَبِلْنَاهُ مِنْكَ وَرَدَدْنَاهُ عَلَيْكَ، فَاجْعَلْهُ فِي الأَقْرَبِينَ، فَتَصَدَّقَ بِهِ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى ذَوِي رَحِمِهِ) رواه البخاري.

أتدرون أيها الإخوة لماذا كانت بيرحاء أحبَّ أمواله إليه؟ لأنها كانت قبالة المسجد النبوي الشريف، وكان يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها وقت الظهيرة يستظل بظلال أشجارها ويشرب من مائها، لذلك كانت أحبَّ أمواله إليه، فتصدَّق بها لينال برَّها وذخرها عند الله تعالى.

وانظروا إلى فطانة أبي طلحة عندما قال لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضعها أي رسولَ الله حيث أراك الله، حيث خرج عن حظِّ نفسه، وحتى يعلم المُعطَى له أنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست من أبي طلحة، وهذا أكرم للآخذ.

ثالثاً: أن تكون الصدقة خفيّةً:

يقول صلى الله عليه وسلم: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) رواه البخاري.

يقول تعالى: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير}، ويقول صلى الله عليه وسلم: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن.

أيها الإخوة: من الصدقات ما لا يمكن إخفاؤها عن الآخرين مثل بناء المساجد والمستشفيات والمدارس وما شاكل ذلك، فهذه نعمّا الصدقة وإن بدت.

أما إذا كانت الصدقة للفقراء فلتكن سرّاً حتى لا تعلم شمالك ما تنفق يمينك، وتدبَّروا قول الله تعالى: {وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ}.

والخيريّة لك أيها المتصدق قبل أن تكون للفقير، لأن صدقة السر أقرب إلى الإخلاص منها إلى الرياء، وفيها إماتة لحظِّ النفس الأمَّارة بالسوء، ولا يقال فلان جواد كريم، فتتحرك النفس حباً للشهرة والسمعة فيحبط العمل، واسمع إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاثَةٌ: رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: وَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى قُتِلْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَيُسْحَبُ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ لِيُعَرِّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ فِيكَ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، فَقَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ لِيُقَالَ: هُوَ عَالِمٌ، فَقَدْ قِيلَ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَيُسْحَبُ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ ذَلِكَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَّادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَيُسْحَبُ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن.

فصدقة السرِّ أقرب إلى الإخلاص، وهذا أنفع لك، وهي كذلك أنفع للفقير، لأن هناك صنفاً من الفقراء قال الله تعالى فيهم: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}، فهم لا يشكون الله إلى خلق الله، هم راضون عن الله عز وجل في تقدير الرزق عليهم، فلا يشكون أمرهم إلا إلى الله، ويتظاهرون بالغنى وهذا من صدق إيمانهم بالله تعالى، فعندما تعطيه علانية تكسر قلبه، وكأنك هتكت الستر عنه، وربما أوقعته في الخجل أمام الآخرين، ويراه الناس أن يده السفلى ويدك العليا، فترتفع نفسُك وتذل الفقير الآخذ.

ولكن عندما تُخفيها تحفظ نفسك من شر نفسك، وتحفظ كرامة الفقير أمام الآخرين فيبقى في عزته.

رابعاً: أن تكون الصدقة في حالة الصحة والقوة:

سئل النبي صلى الله عليه وسلم أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ؟ فَقَالَ: (أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلاَ تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلاَنٍ كَذَا وَلِفُلاَنٍ كَذَا، أَلاَ وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ) رواه البخاري ومسلم.

أنت عندما تكون في حالة الصحة تطمع في زيادة المال قال صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ) رواه مسلم، تطمع في الزيادة، والنفس من طبيعتها الشحّ، فالصدقة في هذا الحال من أفضل الصدقات.

أما الصدقة في ساعة الشيخوخة أو المرض فإنها لا تكون مساوية للصدقة وأنت صحيح شحيح، لأن المريض والشيخ الفاني أيقن بأنه راحل من الدنيا، وتارك ما فيها لغيره، فعندها يريد أن يتصدّق، فإن كان مريضاً فإنه يتذكّر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، وأعدوا للبلاء الدعاء) رواه البيهقي والطبراني، وإن صار شيخاً عاجزاً ويئس من العودة إلى الحياة ينفق ويوصي من المال الشيء الكثير، لأنه صار على يقين بأنه سيغادر المال.

لذلك اجعل صدقتك في حال الصحة والقوة لا في حال العجز والشيخوخة والمرض، لأنها من خير الصدقات.

خامساً: الأضحية في يوم النحر:

وخاصة يجب علينا أن نعلم وأن نعلِّم أبناءنا بأن هذه الأيام التي نعيشها هي أيام عشر ذي الحجة، حيث اختصها الله عز وجل بخصوصية لم تكن في غيرها، قال صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ ـ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ ـ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا رَجُلاً خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْء) رواه البخاري والترمذي وأحمد واللفظ له.

فمن العمل الصالح الصيام والقيام، ومن العمل الصالح الكلمات الباقيات الصالحات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. ومن العمل الصالح في هذه الأيام الأضحية في اليوم العاشر منها.

يقول صلى الله عليه وسلم: (مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنْ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا) رواه الترمذي. فأحب الأعمال إلى الله تعالى في اليوم العاشر من ذي الحجة إراقة دم الأضاحي.

ويجب علينا أن نعلم بأن الأضحية واجبة في كل عام على من ملك النصاب، فلو كنت ممن ملك النصاب، وزوجتك ممن ملك النصاب، وولدك ممن ملك النصاب، وابنتك ممن ملكت النصاب، فإن الأضحية واجبة على كل واحد منكم.

والنصاب قدَّره العلماء إما على زون الذهب حيث يساوي (85)غ من الذهب، وإما على وزن الفضة وقدَّره العلماء بما يساوي (700)غ من الفضة.

أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن أخرج حبَّ الدنيا من قلبه ووضعها في يده أو في جيبه، وأسأله أن يختم بالباقيات الصالحات آجالنا وأعمالنا. آمين. وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

**     **     **

 

 2008-12-03
 1863
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  نحو أسرة مسلمة

28-01-2018 4034 مشاهدة
200ـ نحو أسرة مسلمة: اللَّهُمَّ فهمنيها

لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ في حَيَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ لَا بُدَّ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ تَعَامُلَاً صَحِيحَاً، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتِّلَاوَةِ مَعَ التَّدَبُّرِ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ... المزيد

 28-01-2018
 
 4034
21-01-2018 4866 مشاهدة
199ـ نحو أسرة مسلمة :مفتاح سعادتنا بأيدينا

كُلَّمَا تَذَكَّرْنَا يَوْمَ الحِسَابِ، يَوْمَ العَرْضِ عَلَى اللهِ تعالى، يَوْمَ نَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً، وَكُلَّمَا تَذَكَّرْنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَنَعِيمَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَعَذَابَ أَهْلِ النَّارِ، ... المزيد

 21-01-2018
 
 4866
14-01-2018 3481 مشاهدة
198ـنحو أسرة مسلمة : بعد كل امتحان ستعلن النتائج

صَلَاحُ أُسَرِنَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا عَرَفَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الغَايَةَ مِنْ وُجُودِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ الكَثِيرُ مِنَ الأَزْوَاجِ مِمَّنْ دَخَلَ الدُّنْيَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي وَلَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ... المزيد

 14-01-2018
 
 3481
08-01-2018 4073 مشاهدة
197ـنحو أسرة مسلمة: وصية الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لنا

القُرْآنُ العَظِيمُ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَاصْطَفَانَا لِوِرَاثَتِهِ هُوَ مَصْدَرُ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ ... المزيد

 08-01-2018
 
 4073
31-12-2017 4083 مشاهدة
196ـ نحو أسرة مسلمة :دمار الأسر بسبب الفسق والفجور

إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاءِ البُيُوتِ، وَكَثْرَةِ الخِلَافَاتِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، المَعَاصِيَ وَالمُنْكَرَاتِ، التي تُنَكِّسُ الرُّؤُوسَ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَالتي تُسْلِمُ إلى مُقَاسَاةِ العَذَابِ الأَلِيمِ في الدُّنْيَا قَبْلَ ... المزيد

 31-12-2017
 
 4083
24-12-2017 3860 مشاهدة
195ـنحو أسرة مسلمة : أين بيوتنا من تلاوة القرآن؟

سِرُّ سَعَادَتِنَا في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَحَوُّلِنَا مِنَ الشَّقَاءِ إلى السَّعَادَةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ هِدَايَتِنَا مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَمَاسُكِ أُسَرِنَا ... المزيد

 24-12-2017
 
 3860

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411926605
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :