59ـ كلمة شهر محرم 1433هـ: حب الله ورسوله كان الدافع لأم سلمة رضي الله عنها...

59ـ كلمة شهر محرم 1433هـ: حب الله ورسوله كان الدافع لأم سلمة رضي الله عنها...

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا أيُّها الإخوة الكرام:

لقد استقبلنا عاماً هجرياً جديداً، أرجو الله تعالى أن يجعله عامَ خيرٍ وبركة على أمَّة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأن يُحقِّقَ لها النصر على عدوِّها، وأن يحقن دماءها، وأن يستر أعراضها، وأن يؤمِّن روعاتها.

أيها الإخوة الكرام: الهجرة هي تركُ الرخيص وطلب الغالي، وتركُ الفاني وطَلَبُ الباقي.

ومن النماذج الفريدة أم سلمة رضي الله عنها:

كان أوَّل المهاجرين إلى يثرب (المدينة المنورة فيما بعد) من المسلمين، أبو سلمة المخزومي رضي الله عنه، ومعه زوجه أم سلمة رضي الله عنها وولده سلمة، ولما رآه بنو المغيرة رَهَطُ زوجه، قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيتُك صاحبتك هذه؟ علام نتركك تسير بها في البلاد؟ ونزعوا خِطام البعير من يده وأخذوا أمَّ سلمة منه.

وعند ذلك غضب بنو عبد الأسد رَهَطُ أبي سلمة، وقالوا: لا والله، لا نترك ابننا عندها إذ انتزعتموها من صاحبنا، وأخذ الفريقان يتجاذبان سلمة حتى خلعوا يده، وقلبُ أم سلمة رضي الله عنها أخذ يتحرَّق على ولدها حزناً وكمداً.

فهاجر أبو سلمة رضي الله عنه صابراً محتسباً فراق زوجه وولده وما لحق به من ضرٍّ.

أمَّا أمُّ سلمة رضي الله عنها فظلَّت تبكي فراق زوجها وولدها حتى رقَّ بنو المغيرة لحالها، فأذنوا لها بالهجرة، وردَّ بنو عبد الأسد إليها ولدها.

أيها الإخوة:

إنَّ حبَّ الله تعالى، ورسولِهِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، كان الدافع لأمِّ سلمة رضي الله عنها لتحمُّلِ فراقِ زوجها وولدها الذي فقد ذراعه، فأين نحن من هذه الصحابية الجليلة رضي الله عنها؟

أيها الإخوة:

هل بوسعنا ونحن نستقبل هذا العام الهجريَّ أن يغلب حبُّ الله تعالى وحبُّ رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على جميع المخالفات الشرعية التي وقعنا فيها، حتى جَرَّت إلينا بلاءً لا قدرة لنا عليه؟

لنسمع أيها الإخوة الكرام حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (المُهَاجِرَ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ) رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

فهلَّا هجرنا الأمور التالية:

أولاً: ألفاظ الكفر التي تفشَّت في المجتمع، هذه الكلمات التي تُحبِطُ العمل، وتُخرجُ العبد عن دائرة الإيمان، وتُدخِلُهُ دائرةَ الرِدَّة والعياذ بالله تعالى، وتفسخ عقد الزواج.

ثانياً: الربا الذي تفشَّى في المجتمع، هذا الربا الذي يستوجب الحرب من الله تعالى، ومن رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ}. ويستوجب اللعنة للآكلِ والمؤكلِ والكاتبِ والشاهدِ والكفيلِ.

ثالثاً:إيذاء المسلمين الذي تفشَّى في المجتمع، الذي يحمِّل العبدَ الإثمَ، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}.

رابعاً: الغيبة تفشَّت في المجتمع، والتي كانت سبباً لتمزيق الأمة، والتي حذَّرَنا منها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بقوله: (أَتَدْرُونَ مَا الغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ) رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

خامساً: تَتَبُّعُ عوراتِ المسلمين الذي تفشَّى في المجتمع، والذي أوقع الضغينة في النفوس، وقطع أواصر المودَّة والرحمة، والذي حذَّرنا منه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بقوله: (يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ، وَلا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ) رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما.

أسأل الله تعالى أن يغلب حبُّ الله تعالى ورسُوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على جميع المخالفات الشرعية التي تحكَّمت فينا إلا من رحم الله تعالى، عسى أن يكون ذلك سبباً لكشف الغمَّة عن الأمة. اللهم وفِّقنا لذلك، يا أرحم الراحمين.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة بظهر الغيب

**      **      **

 2011-11-26
 39836
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

09-04-2024 74 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 74
13-03-2024 244 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 244
09-02-2024 497 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 497
13-01-2024 296 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 296
14-12-2023 433 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 433
16-11-2023 535 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 535

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412526566
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :