30ـ آداب الصائم: الأدب السادس: الدعاء (7)

30ـ آداب الصائم: الأدب السادس: الدعاء (7)

 

مقدمة الدرس

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد انتهينا في الدروس الماضية إلى معرفة واجبات وشروط صحة الدعاء، الذي هو عبادة لله عز وجل، وهو غاية وليس وسيلة، وأؤكد على ذلك بأن العبادة مقصودة لذاتها، وهي ليست وسيلة لغاية نريد أن نحقِّقها، وما كانت العبادة في يوم من الأيام وسيلة لتحقيق غرض دنيوي.

نَعَمْ، اللهُ عز وجل رتَّب على العبادة الحياةَ الطيبة، ورتَّب عليها قضاء الحوائج، ورتَّب على تلك العبادة ثمرات كثيرة وكثيرة جداً، على سبيل المثال رتب الله تعالى على عبادة الاستغفار ثمرات كثيرة، قال تعالى عنها مخبراً عما قاله سيدنا نوح لقومه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا * مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}.

اعبد الله لله، فإن أعطاك أعطاك بالفضل، وإن منعك فبالعدل، وربما أن يكون المنع هو عين العطاء، اعبد الله مخلصاً له الدين، كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة}. لا تعبد لمصلحة دنيوية فالدعاء عبادة مقصودة بحدِّ ذاته، فمن تركها فقد ترك نوعاً من أنواع العبادات، والله تعالى يقول:{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين}.

وأما بالنسبة لآداب الدعاء وثمراته فنذكر منها:

أولاً: آداب الدعاء:

الدعاء له آداب يستحب للداعي مراعاتها حتى يكون أقرب للاستجابة بإذن الله تعالى، وآداب الدعاء كثيرة من أهمها:

1ـ استقبال القبلة ورفع اليدين:

من آداب الدعاء استقبال القبلة ورفع اليدين بحيث يُرى بياض إبطيه، روى الإمام البخاري عن عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى يُصَلِّي، وَأَنَّهُ لَمَّا دَعَا أَوْ أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ).

فمن آداب الدعاء استقبال القبلة، وليس من شروط صحة الدعاء استقبال القبلة، الصلاة من شروط صحتها استقبال القبلة، فمن صلى ولم يستقبل القبلة ما صحَّت صلاته، ولا أحد يستطيع أن يقول: إذا دعوت الله تعالى ولم تستقبل القبلة لا يستجيب الله لدعائك، الله تعالى يقول: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ}. ادع الله تعالى وأنت متَّجه إلى أيِّ جهة كانت، ولكن الأولى أن تستقبل القبلة، كما كان يفعل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأضف إلى استقبال القبلة رفع اليدين أثناء الدعاء، كما ورد عنْ سيدنا أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: (رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ) رواه مسلم.

فاسْتَقْبِلِ القبلة إن دعوت الله عز وجل إلا في المواجهة الشريفة، فاسْتَقْبِلْ قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جاء في كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم للقاضي عياض رحمه الله تعالى، فصل في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، بإسناد صحيح قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فإن الله تعالى أدَّب قوماً فقال: {لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الآية، ومدح قوماً فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ الله} الآية، وذمَّ قوماً فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ} الآية، وإنَّ حرمته ميتاً كحرمته حياً، فاستكان لها أبو جعفر وقال: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ الله تَوَّابًا رَّحِيمًا}.

2ـ افتتح الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

افتتح الدعاء بالبسملة ثم بالحمدلة ثم بذكر الله تعالى، ثم بالصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أخرج أبو داود عن فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ صَاحِبَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُالُ: (سَمِعَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ الله تَعَالَى، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجِلَ هَذَا؟ ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ).

وفي حديث آخر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجعلوني كقدح الراكب، فإن الراكب إذا أراد أن ينطلق علق معالقه، وملأ قدحاً ماء، فإن كانت له حاجة في أن يتوضأ توضأ، وأن يشرب شرب، وإلا أهراق، فاجعلوني في وسط الدعاء، وفي أوله، وفي آخره) رواه عبد الرزاق في مصنفه والبيهقي في شعب الإيمان. ومعنى كَقَدَح الراكب: أي لا تؤخروني في الذكر، لأن الراكب يعلق قدحه في آخر رحله عند فراغه من ترحاله ويجعله خلفه.

ويقول سيدنا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: (إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه الترمذي.

وقال أبو سليمان الداراني: (من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل الله حاجته، ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يردَّ ما بينهما).

إذاً من آداب الدعاء افتتاحه بالبسملة ثم بالحمدلة ثم بالصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما أشار إليه القرآن العظيم بقوله: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}.

فصلِّ على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الدعاء ووسطه وآخره، لأنه صلى الله عليه وسلم واسطة عِقْدِ المحبة، ووسيلة العبادة والمعرفة صلى الله عليه وسلم.

3ـ اجتنب السَّجْع في الدعاء:

إذا دعوت الله تعالى فلا تتكلَّف السجع في الدعاء وهو الكلام المقفى، فإن حال الداعي ينبغي أن يكون حال متضرِّع والتكلُّف لا يناسبه.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّهُ قَالَ لعكرمة رضي الله عنه: (حَدِّثِ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ أَكْثَرْتَ فَثَلاَثَ مِرَارٍ، وَلاَ تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ، وَلاَ أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِي الْقَوْمَ وَهُمْ في حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ، فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ، وَلَكِنْ أَنْصِتْ، فَإِذَا أَمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ، فَانْظُرِ السَّجْعَ مِنْ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ، فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ لاَ يَفْعَلُونَ إِلاَّ ذَلِكَ. يَعْنِى لاَ يَفْعَلُونَ إِلاَّ ذَلِكَ الاِجْتِنَابَ) رواه البخاري.

هذا هو الأدب الرفيع الذي ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتباعه، حيث كان صلى الله عليه وسلم يتخوَّل الصحابة رضي الله عنهم بالموعظة، عَنْ شَقِيقٍ أَبِي وَائِلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّرُنَا كُلَّ يَوْمِ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّا نُحِبُّ حَدِيثَكَ وَنَشْتَهِيهِ وَلَوَدِدْنَا أَنَّكَ حَدَّثْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ: مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ إِلا كَرَاهِيَةُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ، كَرَاهِيَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا) رواه مسلم.

وهذا ما تناصح به الصحابة رضي الله عنهم فيما بينهم، فهذا سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما ينصح عكرمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن لا يكثر على الناس الحديث حتى لا يملُّوا، وأن لا يحدِّثهم إن كانوا منشغلين في حديثٍ بينهم، لأن المشغول لا يُشغَل، ولأن نشر الحكمة والعلم والتحديث بهما لمن لا يحرص على سماعهما وتعلُّمِهما إذلالٌ للعلم، وقد رفع الله عز وجل قدر العلم والعلماء، قال تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.

التكلُّف بكل صوره وأشكاله ممقوت حتى في الدعاء، فإذا دعوت الله عز وجل فادعه واجتنب السجع فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اجتنبوا ذلك.

4تعميم الدعاء:

إذا دعوت الله عز وجل فعمِّم الدعاء، جاء في كشاف القناع: أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لِعَلِيٍّ: (يَا عَلِيُّ عَمِّمْ).

وروي: (كل صلاة لا يدعى فيها للمؤمنين والمؤمنات فهي خداج) رواه أبو الشيخ.

وجاء في حاشية ابن عابدين: (أَنَّهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ: اللهمَّ اغْفِرْ لِي، فَقَالَ: وَيْحَك لَوْ عَمَّمْت لَاسْتُجِيبَ لَك).

وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه واللفظ له عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يَؤُمُّ عَبْدٌ فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ).

فمن آداب الدعاء التعميم، وإذا خصَّ الإنسان نفسه في الدعاء فلا حرج عليه، ودليل ذلك أن بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أفردوا الدعاء ولم يعمِّموه، فهذا سيدنا موسى عليه السلام يدعو فيقول: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي}. وهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يدعو فيقول: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِين * وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيم}. وهذا سيدنا يوسف عليه السلام يدعو فيقول: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِين}. فعل ذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفعله كذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كما جاء في صحيح البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: (رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

وجاء في سنن أبي داود عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو: (رَبِّ أَعِنِّي وَلا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ هُدَايَ إِلَيَّ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي لَكَ شَاكِرًا، لَكَ ذَاكِرًا، لَكَ رَاهِبًا، لَكَ مِطْوَاعًا، إِلَيْكَ مُخْبِتًا أَوْ مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي وَاغْسِلْ حَوْبَتِي وَأَجِبْ دَعْوَتِي وَثَبِّتْ حُجَّتِي وَاهْدِ قَلْبِي وَسَدِّدْ لِسَانِي وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي).

نعم لقد فعل ذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ليعلِّموا الأمة على جواز هذا الفعل، فدعا كل واحد منهم لنفسه، كما عمَّموا الدعاء، وهذا كذلك علَّمنا إياه القرآن العظيم حيث نقول في كل يوم مرات {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم}. فمن آداب الدعاء التعميم.

5ـ مسح الوجه آخر الدعاء:

إذا دعوت الله عز وجل وانتهيت من الدعاء فامسح بيديك وجهك، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَرُدَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ) رواه الترمذي.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (كان صلى الله عليه وسلم إذا دعا ضمَّ كفيه وجعل بطونهما مما يلي وجهه) رواه الطبراني.

6ـ عدم رفع الصوت بالدعاء:

إذا دعوت الله عز وجل فلا ترفع صوتك في الدعاء حتى يصل إلى درجة الصياح، فقد أخرج البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلا غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، وَهُوَ مَعَكُمْ)، قَالَ: وَأَنَا خَلْفَهُ وَأَنَا أَقُولُ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِالله، فَقَالَ: يَا عَبْدَ الله بْنَ قَيْسٍ: (أَلا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ)؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: (قُلْ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِالله).

وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}. أي بدعائك، وقد أثنى الله عز وجل على نبيه زكريا عليه السلام حيث قال: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}.

7ـ لا تدع على نفسك بالموت:

إذا نزل بك ضُرٌّ فلا تدع على نفسك بالموت، فقد جاء في الحديث الشريف الذي يرويه الإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: اللهمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي).

وفي حديث آخر للبخاري: عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقَالَ (لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ وَلَا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلا خَيْرًا).

وانظر إلى سيدنا خباب بن الأرت رضي الله عنه، وَقَدْ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ فِي بَطْنِهِ فَقَالَ: (لَوْ مَا أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ) رواه مسلم.

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

فلنلتزم الدعاء الذي هو عبادة لله عز وجل، ولنلزم الواجبات والشروط التي شُرعت لنا في هذه العبادة، ولنلزم آداب الدعاء، ثم لننظر إلى ثمرة هذا الدعاء في الدرس القادم إن أحيانا الله عز وجل. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

**     **     **

هل أنا أستغفر الله عز وجل لتحقيق هذه الأغراض الخمسة المذكورة في هذه الآية الكريمة؟ قطعاً لا، أنا أستغفر الله عز وجل لأن الله أمرني، أنا أستغفر الله عز وجل لأنه عبادة لله عز وجل، وما خلقت إلا للعبادة، أنا أستغفر الله تعالى إن وجد ذنب أم لم يوجد، وإن أعطاني ربي ثمرة هذا الاستغفار أم لم يعطيني.

 2011-08-18
 24290
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 320 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 320
26-05-2022 692 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 692
26-05-2022 513 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 513
29-04-2022 384 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 384
29-04-2022 816 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 816
29-04-2022 915 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 915

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412611962
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :