127- نحو أسرة مسلمة: «بَارَكَ اللهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا»

127- نحو أسرة مسلمة: «بَارَكَ اللهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا»

نحو أسرة مسلمة

127ـ «بَارَكَ اللهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مَنْ سَمِعَ قَوْلَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ صَاحِبَ دِينٍ وَخُلُقٍ، وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِوَلِيِّ الفَتَاةِ الذي سَمِعَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ رَبَّى ابْنَتَهُ على الدِّينِ وَالخُلُقِ؛ فَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنَ الخَاطِبِ وَالمَخْطُوبَةِ قَدْ تَرَبَّيَا على الدِّينِ وَالخُلُقِ، ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَعَادَةَ نَفْسِهِ وَسَعَادَةَ زَوْجِهِ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مُشْكِلَتُنَا اليَوْمَ أَنْ تَرَى البَعْضَ مَا تَرَبَّى وَلَدُهُ على الدِّينِ وَالخُلُقِ، وَهُوَ حَرِيصٌ كُلَّ الحِرْصِ على أَنْ يُزَوِّجَ وَلَدَهُ صَاحِبَةَ الدِّينِ وَالخُلُقِ، وَهَذَا لَا شَكَّ بِأَنَّهُ شَيْءٌ حَسَنٌ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ صَرِيحَاً مَعَ وَلِيِّ الفَتَاةِ عَنْ سُلُوكِ وَأَخْلَاقِ وَلَدِهِ، وَإِلَّا كَانَ غَاشَّاً لِوَلِيِّ الفَتَاةِ.

وَكَذَلِكَ نَرَى البَعْضَ ابْنَتُهُ مَا تَرَبَّتْ على الدِّينِ وَالخُلُقِ، وَهُوَ حَرِيصٌ كُلَّ الحِرْصِ على أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ صَاحِبَ دِينٍ وَخُلُقٍ، وَهَذَا شَيْءٌ حَسَنٌ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ صَرِيحَاً مَعَ الشَّابِّ الخَاطِبِ أَو مَعَ وَلِيِّهِ عَنْ سُلُوكِ وَأَخْلَاقِ ابْنَتِهِ، وَإِلَّا كَانَ غَاشَّاً للشَّابِّ أَو لِوَلِيِّهِ.

فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ صَادِقَاً وَصَرِيحَاً مَعَ الطَّرَفِ الآخَرِ، فَإِنَّ الحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا لَا تَسْتَقِيمُ؛ وَطَبْعَاً أَنَا لَا أَقْصِدُ مِنْ هَذَا الكَلَامِ أَنْ يَتَحَدَّثَ كُلٌّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ عَنْ مَاضِيهِمَا إِذَا كَانَ فِيهِ مُخَالَفَاتٌ شَرْعِيَّةٌ، وَتَابَا إلى اللهِ تعالى مِنْهَا، بَلْ أَقْصِدُ السُّلُوكَ العَمَلِيَّ الذي عَلَيْهِ كُلٌّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ.

فَيَا مَنْ أَنْتَ حَرِيصٌ على الزَّوَاجِ مِنْ صَاحِبَةِ الدِّينِ وَالخُلُقِ، كُنْ أَنْتَ أَوَّلَاً مِمَّنِ الْتَزَمَ الدِّينَ وَالخُلُقَ، وَيَا مَنْ لَا يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ إِلَّا على الدِّينِ وَالخُلُقِ، كُنْ حَرِيصَاً أَنْتَ أَوَّلَاً على تَرْبِيَةِ ابْنَتِكَ على الدِّينِ وَالخُلُقِ، فَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنَ الخَاطِبِ وَالمَخْطُوبَةِ قَدْ رُبِّيَا على الدِّينِ وَالخُلُقِ، فَلْيَسْمَعْ وَلِيُّ الفَتَاةِ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾. وَلَا تَهْتَمَّ وَلا تُفَكِّرْ في المَهْرِ أَبَدَاً، لأَنَّ سَعَادَةَ ابْنَتِكَ صَاحِبَةِ الدِّينِ وَالخُلُقِ مُتَحَقِّقٌ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى مَعَ صَاحِبِ الدِّينِ وَالخُلُقِ، الذي إِذَا أَحَبَّ ابْنَتَكَ أَكْرَمَهَا، وَإِذَا كَرِهَهَا لَمْ يَظْلِمْهَا، وَهَذِهِ هِيَ السَّعَادَةُ الحَقِيقِيَّةُ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مَا عَرَفَتِ الدُّنْيَا مَهْرَاً أَكْرَمَ مِنْ مَهْرِ أُمِّ سُلَيْمٍ، الرُّمَيْصَاءِ بِنْتِ مِلْحَانَ النَّجَّارِيَّةِ، رَضِيَ اللهُ عَنهَا وَأَرْضَاهَا، التي كَانَ مَهْرُهَا إِسْلَامَ زَوْجِهَا أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيِّ زَيْدِ بْنِ سَهْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرْضَاهُ؛ مَا كَانَتْ رَضِيَ اللهُ عَنهَا تَنْظُرُ إلى الأَصْفَرِ وَالأَحْمَرِ، بَلْ كَانَتْ تَنْظُرُ إلى الدِّينِ وَالخُلُقِ، فَعِنْدَمَا تَحَقَّقَ هَذَا في كُلٍّ مِنْهُمَا، كَانَتْ حَيَاتُهُمَا رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا سَعِيدَةً، وَكَانُوا مِنْ أَسْعَدِ النَّاسِ بِبَرَكَةِ الدِّينِ وَالخُلُقِ الحَسَنِ.

أَثَرُ هَذَا المَهْرِ في حَيَاتِهِمَا:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لِنَنْظُرْ إلى أَثَرِ هَذَا المَهْرِ في حَيَاةِ أَبِي طَلْحَةَ وَأُمِّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، بَلْ لِنَنْظُرْ إلى أَثَرِ الدِّينِ وَالخُلُقِ في حَيَاةِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ.

إيمانٌ وَصَبْرٌ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ بَيْتُ أَبِي طَلْحَةَ وَأُمِّ سُلَيْمٍ بَيْتَاً في ذُرْوَةِ الإِيمَانِ وَالصَّبْرِ على المَصَائِبِ وَالابْتِلَاءَاتِ، لَقَدِ امْتُحِنَا بِفَقْدِ وَلَدِهِمَا الأَوَّلِ، وَقَد كَانَ يَمْلَأُ عَلَيْهِمَا حَيَاتَهُمَا سَعَادَةً وَسُرُورَاً، كَمَا كَانَ يَمْلَأُ بَيْتَهُمَا نَشَاطَاً وَلَعِبَاً وَحَيَوِيَّةً، روى الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، وَلَهَا ابْنٌ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ يُكْنَى: أَبَا عُمَيْرٍ، وَكَانَ يُمَازِحُهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَرَآهُ حَزِينَاً.

فَقَالَ: «مَالِي أَرَى أَبَا عُمَيْرٍ حَزِينَاً».

فَقَالُوا: مَاتَ نُغَرُهُ الَّذِي كَانَ يَلْعَبُ بِهِ.

قَالَ: فَجَعَلَ يَقُولُ: «أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ».

مَرِضَ أَبُو عُمَيْرٍ وَوَالِدُهُ أَبُو طَلْحَةَ غَائِبٌ في بَعْضِ بَسَاتِينِهِ وَأَرَاضِيهِ الزِّرَاعِيَّةِ، وَشَاءَ اللهُ تعالى أَنْ يَمُوتَ أَبُو عُمَيْرٍ أَثْنَاءَ غِيَابِ وَالِدِهِ أَبِي طَلْحَةَ.

روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: مَاتَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ لِأَهْلِهَا: لَا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ.

قَالَ: فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً، فَأَكَلَ وَشَرِبَ.

فَقَالَ: ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَوَقَعَ بِهَا.

فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وَأَصَابَ مِنْهَا قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمَاً أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ، فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ، أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟

قَالَ: لَا.

قَالَتْ: فَاحْتَسِبِ ابْنَكَ.

قَالَ: فَغَضِبَ؛ وَقَالَ: تَرَكْتِنِي حَتَّى تَلَطَّخْتُ، ثُمَّ أَخْبَرْتِنِي بِابْنِي.

«بَارَكَ اللهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا»:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مَنْ رَضِيَ عَنِ اللهِ تعالى في قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، حَاشَاهُ تعالى أَنْ لَا يُرْضي هَذَا العَبْدَ، عِنْدَمَا احْتَسَبَ أَبُو طَلْحَةَ وَلَدَهُ عِنْدَ اللهِ تعالى، وَرَضِيَ بِقَضَاءِ اللهِ تعالى وَقَدَرِهِ كَمَا رَضِيَتْ زَوْجَتُهُ أُمُ سُلَيْمٍ، انْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَرْضَى مَا يَكُونُ، وَأَسْعَدَ مَا يَكُونُ بِصَنِيعِ الأُمِّ الثَّكْلَى وَصَبْرِهَا، وَأَدَائِهَا حَقَّ زَوْجِهَا في تِلْكَ السَّاعَاتِ الحَزِينَةِ؛ فَدَعَا لَهُمَا وَقَالَ لِأَبِي طَلْحَةَ: «بَارَكَ اللهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا (مَا مَضَى مِنْهَا)» رواه الإمام مسلم.

«انْظُرُوا إِلَى حُبِّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ»:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: أَجَابَ اللهُ تعالى دَعْوَةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَحَمَلَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ.

يَقُولُ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، وَهِيَ مَعَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَى الْـمَدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ لَا يَطْرُقُهَا طُرُوقَاً (أَيْ: لَا يَدْخُلُهَا فِي اللَّيْلِ).

فَدَنَوْا مِنَ الْـمَدِينَةِ، فَضَرَبَهَا الْـمَخَاضُ، فَاحْتُبِسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ، وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

يَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ إِنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ أَخْرُجَ مَعَ رَسُولِكَ إِذَا خَرَجَ، وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ، وَقَدِ احْتَبَسْتُ بِمَا تَرَى.

قَالَ: تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، مَا أَجِدُ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ، انْطَلِقْ؛ فَانْطَلَقْنَا.

قَالَ: وَضَرَبَهَا الْـمَخَاضُ حِينَ قَدِمَا.

فَوَلَدَتْ غُلَامَاً، فَقَالَتْ لِي أُمِّي: يَا أَنَسُ، لَا يُرْضِعُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ فَلَمَّا أَصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ.

فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: «لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ؟».

قُلْتُ: نَعَمْ؛ فَوَضَعَ الْمِيسَمَ؛ وَجِئْتُ بِهِ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِعَجْوَةٍ مِنْ عَجْوَةِ الْـمَدِينَةِ، فَلَاكَهَا فِي فِيهِ، حَتَّى ذَابَتْ، ثُمَّ قَذَفَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ؛ فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهَا.

قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «انْظُرُوا إِلَى حُبِّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ». فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ. رواه الإمام مسلم.

وَحَقَّاً؛ فَقَد كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ شَابَّاً مُبَارَكَاً بِدَعْوَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَد رَزَقَهُ اللهُ تعالى تِسْعَةً مِنَ الوَلَدِ، كُلُّهُم كَانُوا مِنَ العُلَمَاءِ وَالقُرَّاءِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: وَعْدُ اللهِ تعالى لا يُخْلَفُ، قَالَ تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرَاً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾. وَمِنْ جُمْلَةِ الهُدَى الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ قَوْلُهُ تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: عَلَيْنَا أَنْ لَا نُخَالِفَ أَمْرَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَدْنَا سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، لِتَكُنْ صَالِحَاً يَا أَيُّهَا الخَاطِبُ، وَاطْلُبِ المَرْأَةَ الصَّالِحَةَ، وَلْتَكُونِي صَالِحَةً يَا أَيَّتُهَا المَخْطُوبَةُ، وَاطْلُبِي الرَّجُلَ الصَّالِحَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 16/ رجب /1437هـ، الموافق: 24/ نيسان/ 2016م

 2016-04-24
 1171
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  نحو أسرة مسلمة

28-01-2018 4039 مشاهدة
200ـ نحو أسرة مسلمة: اللَّهُمَّ فهمنيها

لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ في حَيَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ لَا بُدَّ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ تَعَامُلَاً صَحِيحَاً، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتِّلَاوَةِ مَعَ التَّدَبُّرِ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ... المزيد

 28-01-2018
 
 4039
21-01-2018 4869 مشاهدة
199ـ نحو أسرة مسلمة :مفتاح سعادتنا بأيدينا

كُلَّمَا تَذَكَّرْنَا يَوْمَ الحِسَابِ، يَوْمَ العَرْضِ عَلَى اللهِ تعالى، يَوْمَ نَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً، وَكُلَّمَا تَذَكَّرْنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَنَعِيمَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَعَذَابَ أَهْلِ النَّارِ، ... المزيد

 21-01-2018
 
 4869
14-01-2018 3487 مشاهدة
198ـنحو أسرة مسلمة : بعد كل امتحان ستعلن النتائج

صَلَاحُ أُسَرِنَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا عَرَفَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الغَايَةَ مِنْ وُجُودِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ الكَثِيرُ مِنَ الأَزْوَاجِ مِمَّنْ دَخَلَ الدُّنْيَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي وَلَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ... المزيد

 14-01-2018
 
 3487
08-01-2018 4080 مشاهدة
197ـنحو أسرة مسلمة: وصية الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لنا

القُرْآنُ العَظِيمُ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَاصْطَفَانَا لِوِرَاثَتِهِ هُوَ مَصْدَرُ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ ... المزيد

 08-01-2018
 
 4080
31-12-2017 4094 مشاهدة
196ـ نحو أسرة مسلمة :دمار الأسر بسبب الفسق والفجور

إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاءِ البُيُوتِ، وَكَثْرَةِ الخِلَافَاتِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، المَعَاصِيَ وَالمُنْكَرَاتِ، التي تُنَكِّسُ الرُّؤُوسَ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَالتي تُسْلِمُ إلى مُقَاسَاةِ العَذَابِ الأَلِيمِ في الدُّنْيَا قَبْلَ ... المزيد

 31-12-2017
 
 4094
24-12-2017 3869 مشاهدة
195ـنحو أسرة مسلمة : أين بيوتنا من تلاوة القرآن؟

سِرُّ سَعَادَتِنَا في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَحَوُّلِنَا مِنَ الشَّقَاءِ إلى السَّعَادَةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ هِدَايَتِنَا مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَمَاسُكِ أُسَرِنَا ... المزيد

 24-12-2017
 
 3869

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411957325
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :