الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ رَوَى الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ عَنْ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا (أَيْ: أَصِلُهُمَا وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمَا) بِهِ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا؟
قَالَ: «نَعَمُ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا (أَيْ الدُّعَاءُ لَهُمَا بِالرَّحْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الصَّلَاةِ) وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا (أَيْ: طَلَبُ المَغْفرَةِ لَهُمَا) وَإِنْفَاذُ عُهُودِهِمَا (أَيْ: إِمْضَاءُ وَصِيَّتِهِمَا) وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ (أَيْ: الإِحْسَانُ إِلى الأَقَارِبِ) الَّذِي لَا رَحِمَ لَكَ إِلَّا مِنْ قِبَلِهِمَا» وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحُ.
وَرَوَى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلَاً مِنَ الْأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ، وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ، وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ.
فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: فَقُلْنَا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، إِنَّهُمُ الْأَعْرَابُ، وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ.
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدَّاً لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ».
وبناء على ذلك:
فَمِنْ حَقِّ الوَالِدَيْنِ عَلَى الوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا:
1ـ الدُّعَاءُ لَهُمَا وَالاسْتِغْفَارُ ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾. ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرَاً﴾. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
2ـ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِمَا وَعَهْدِهِمَا إِذَا عَهِدَا بِهِ.
3ـ صِلَةُ الرَّحِمِ الذي هُوَ مِنْ جِهَتِهِمَا.
4ـ إِِكْرَامُ أَصْدِقَاءِ الأَبَوَيْنِ: «إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ».
5ـ الصَّدَقَةُ بِنِيَّةِ أَنْ يَكُونَ أَجْرُهَا لَهُمَا، وَكَذَلِكَ تِلَاوَةُ القُرْآنِ الكَرِيمِ.
6ـ الصَّدَقَةُ الجَارِيَةُ، لِمَا رَوَى البَزَّارُ وَالبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ، وهُو فِي قَبْرِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمَاً، أَوْ كَرَى نَهْرَاً (أَيْ: حَفَرَهُ وَأَخْرَجَ طِينَهُ) أَوْ حَفَرَ بِئْرَاً، أَوْ غَرَسَ نَخْلَاً، أَوْ بَنَى مَسْجِدَاً، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفَاً، أَوْ تَرَكَ وَلَدَاً يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ».
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا بَرَرَةً بِآبَائِنَا أَحْيَاءً وَمَيْتِينَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |