507ـ خطبة الجمعة: الأعمال الصالحة، وما أدراك ما الأعمال الصالحة؟

507ـ خطبة الجمعة: الأعمال الصالحة، وما أدراك ما الأعمال الصالحة؟

.

507ـ خطبة الجمعة: الأعمال الصالحة، وما أدراك ما الأعمال الصالحة؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدَاً مِنْ عِبَادِهِ شَرَحَ صَدْرَهُ للإِسْلَامِ وَالطَاعَةِ وَالإِكْثَارِ مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُتَمِّمَ عَلَيْهِ نِعْمَتَهُ، وَأَنْ يُكْمِلَ عَلَيْهِ مِنَّتَهُ، تَمَّمَ لَهُ ذَلِكَ وَكَمَّلَهُ بِمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ، فَإِذَا بِكَ تَرَى هَذَا العَبْدَ سَبَّاقَاً للخَيْرَاتِ، وَتَوَّاقَاً وَمُشْتَاقَاً لِطَاعَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَرَاهُ مِفْتَاحَاً مِنْ مَفَاتِيحِ الخَيْرَاتِ، وَسَبَبَاً مِنْ أَسْبَابِ الرَّحَمَاتِ، بِهِ يُفَرِّجُ اللهُ تعالى هُمُومَ المُسْلِمِينَ وَغُمُومَهُمْ، وَبِهِ يُفَرِّجُ كُرُبَاتِ المَكْرُوبِينَ، وَبِهِ يَرْحَمُ اللهُ تعالى المُعَذَّبِينَ، وَبِهِ يُغْنِي الفُقَرَاءَ وَالبَائِسِينَ، وَيَجْعَلُهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ رَحْمَةً مِنْ رَحَمَاتِهِ، حِينَ يَمْلَأُ قَلْبَهُ عَطْفَاً وَرَحْمَةً وَشَفَقَةً على المُسْلِمِينَ، وَرَحْمَةً بِهِمْ وَمُوَاسَاةً للمُحْتَاجِينَ.

خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا وَاللهُ تعالى رَاضٍ عَنْهُمْ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أَهْلُ الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ هُمْ عِبَادٌ اصْطَفَاهُمُ اللهُ تعالى وَاخْتَارَهُمْ على مَرِّ العُصُورِ وَالدُّهُورِ أَجْيَالَاً، يَوْمَ جَعَلَهُمْ مَفَاتِيحَ الخَيْرَاتِ وَالرَّحَمَاتِ، فَعَاشُوا في هَذِهِ الحَيَاةِ بِالذِّكْرِ الجَمِيلِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ الجَلِيلِ، وَخَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا وَاللهُ تعالى رَاضٍ عَنْهُمْ غَيْرُ غَضْبَانَ، يَوْمَ أَصْبَحُوا نِعْمَةً على البِلَادِ وَالعِبَادِ لَا نِقْمَةً عَلَيْهِمْ، يَوْمَ أَصْبَحَ الوَاحِدُ مِنْهُمْ عَبْدَاً مُسْلِمَاً مُنْقَادَاً مُطِيعَاً مُسْتَسْلِمَاً، مَا إِنْ يَسْمَعُ رَحْمَةً مِنَ الرَّحَمَاتِ، وَلَا بَابَاً مِنْ أَبْوَابِ الخَيْرَاتِ إلا كَانَ إِلَيْهِ سَبَّاقَاً طَالِبَاً لَهُ وَمُشْتَاقَاً.

أَهْلُ الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ هُمُ الذينَ أَسْكَنَ اللهُ تعالى الرَّحْمَةَ في قُلُوبِهِمْ، فَصَارُوا رُحَمَاءَ، وَمَنْ دَخَلَتِ الرَّحْمَةُ قَلْبَهُ أَهَّلَهُ اللهُ تعالى لِرَحْمَتِهِ، فَاللهُ تعالى يَرْحَمُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ، وَاللهُ تعالى يَحْلُمُ على عِبَادِهِ الحُلَمَاءَ، وَيُيَسِّرُ حِسَابَ مَنْ يَسَّرَ على عِبَادِهِ، وَيَرْفُقُ بِمَنْ رَفَقَ بِخَلْقِهِ وَعَبِيدِهِ.

أَكْثِرُوا مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ في هَذِهِ الأَيَّامِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَا هِيَ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةَ قَدْ أَقْبَلَتْ، حَيْثُ جَعَلَهَا اللهُ تعالى مَيْدَانَاً لِتَنَافُسِ المُتَنَافِسِينَ فِيهَا ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْـمُتَنَافِسُونَ﴾.

هَا هِيَ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةَ قَدْ أَقْبَلَتْ، واللهُ تعالى يُحِبُّ فِيهَا العَمَلَ الصَّالِحَ، روى الترمذي عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ».

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ».

على رَأْسِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ إِصْلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ، قَالَ تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرَاً عَظِيمَاً﴾.

على رَأْسِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ إِطْفَاءُ نَارِ الحَرْبِ التي سَفَكَتِ الدِّمَاءَ، وَخَرَّبَتِ الدِّيَارَ، وَيَتَّمَتِ الأَطْفَالَ، وَرَمَّلَتِ النِّسَاءَ، وَعَطَّلَتْ مَرَافِقَ الحَيَاةِ بِكُلِّ صُوَرِهَا وَأَشْكَالِهَا.

على رَأْسِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ أَنْ تَمْسَحَ دُمُوعَ اليَتَامَى وَالأَرَامِلِ وَالمُحْتَاجِينَ وَتُكَفْكِفَهَا، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُكَفْكِفَ دُمُوعَكَ يَوْمَ القِيَامَةِ في أَرْضِ المَحْشَرِ.

على رَأْسِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ أَنْ تُفَرِّجَ كُرْبَةَ مَكْرُوبٍ بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ وَدَوَاءٍ وَلِبَاسٍ وَسَكَنٍ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُفَرِّجَ عَنْكَ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الدِّينِ، في يَوْمٍ شَدِيدِ الأَهْوَالِ، في يَوْمٍ تَشِيبُ مِنْهُ الوِلْدَانُ، في يَوْمٍ تَضَعُ فِيهِ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَمَا أَدْرَاكُمْ مَا الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، حِينَ يَرَاهَا العَبْدُ في دِيوَانِ حَسَنَاتِهِ العَظِيمَةِ؟!

عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَمَا أَدْرَاكُمْ مَا الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، التي يَغْفِرُ اللهُ تعالى بِهَا الذُّنُوبَ، وَيَسْتُرُ بِهَا العُيُوبَ، وَيُفَرِّجُ بِهَا الهُمُومَ وَالغُمُومَ وَالكُرُوبَ، فَيَا للهِ مِنْ أَقْوَامٍ عَامَلُوا اللهَ تعالى بِهَذِهِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا وَقَدْ مُلِئَتْ دَوَاوِينُ أَعْمَالِهِمْ بِالحَسَنَاتِ البَاقِيَةَ، إِنَّهُ الأَجْرُ الذي يَتَقَدَّمُ الإِنْسَانَ إلى الدَّارِ الآخِرَةِ، وَإِنَّهُ الحَصَادُ الذي يَحْصُدُهُ الإِنْسَانُ في يَوْمٍ لَا يَنْفَعُ فِيهِ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إلا مَنْ أَتَى اللهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَنْظُرْ في كِتَابِ اللهِ تعالى، وَفِي سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَفِي سِيرَتِهِ العَطِرَةِ، لِنَجِدَ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ التي نَدَبَنَا إِلَيْهَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ، ثمَّ قَالَ لَنَا: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾.

فَأَيْنَ المُتَسَابِقُونَ في الخَيْرَاتِ؟ وَأَيْنَ المُتَسَابِقُونَ بِإِعْلَانِ التَّوْبَةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّا اقْتَرَفَتْ أَيَادِيهِمْ مِنْ آثَامٍ في هَذَا البَلَدِ؟ وَأَيْنَ المُتَسَابِقُونَ في الإِصْلَاحِ، وَفِي إِعَادَةِ الأَمْنِ وَالأَمَانِ وَالسِّلْمِ وَالسَّلَامِ؟

أَيْنَ المُتَسَابِقُونَ في الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِتَرْمِيمِ مَا أَفْسَدَتْهُ هَذِهِ الحَرْبُ في بِلَادِنَا؟

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 1/ ذو الحجة /1437هـ، الموافق: 2/أيلول / 2016م

 2016-09-02
 9765
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-03-2024 152 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 152
21-03-2024 659 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 659
14-03-2024 1012 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 1012
08-03-2024 873 مشاهدة
903ـ خطبة الجمعة: استقبل شهر رمضان بالأمور الآتية

هَا نَحْنُ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ الصَّوْمِ، وَأَنْعِمْ بِالصَّوْمِ عِبَادَةً، بِهِ رَفْعُ الدَّرَجَاتُ، وَتَكْفِيرُ الخَطِيئَاتِ، وَكَسْرُ الشَّهَوَاتِ، وَتَكْثِيرُ الصَّدَقَاتِ، وَوَفْرَةِ الطَّاعَاتِ، وَشُكْرُ عَالِمِ الخَفِيَّاتِ، وَالانْزِجَارُ ... المزيد

 08-03-2024
 
 873
09-02-2024 2560 مشاهدة
902ـ خطبة الجمعة: حاله صلى الله عليه وسلم في شعبان

إِنَّ المُؤْمِنَ لَيَتَقَلَّبُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَمُدُّ اللهُ تعالى لَهُ في أَجَلِهِ، وَكُلَّ يَوْمٍ يَبْقَاهُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا هُوَ غَنِيمَةٌ لَهُ لِيَتَزَوَّدَ مِنْهُ لِآخِرَتِهِ، وَيَحْرُثَ فِيهِ مَا اسْتَطَاعَ، ... المزيد

 09-02-2024
 
 2560
02-02-2024 2279 مشاهدة
901ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾

لِنَكنْ جَمِيعًا عَلَى يَقِينٍ أَنَّنَا سَنَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾. أَلَا وَإِنَّ الخَيْرَ كُلَّ الخَيْرِ في الجَنَّةِ، وَإِنَّ الشَّرَّ كُلَّ ... المزيد

 02-02-2024
 
 2279

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412049006
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :