658ـ خطبة الجمعة: سلام الله على شهر الصيام

658ـ خطبة الجمعة: سلام الله على شهر الصيام

658ـ خطبة الجمعة: سلام الله على شهر الصيام

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ مَضَى شَهْرُ رَمَضَانَ وَرَحَلَ مَعَ الرَّاحِلِينَ، وَرَحِيلُهُ خَيْرُ شَاهِدٍ عَلَى أَنَّ اللهَ تعالى يَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَهُوَ خَيْرُ الوَارِثِينَ، وَخَيْرُ شَاهِدٍ عَلَى أَنَّهُ مَهْمَا طَالَ اللَّيْلُ لَا بُدَّ مِنَ الفَجْرِ، وَمَهْمَا طَالَ العُمُرُ لَا بُدَّ مِنَ القَبْرِ، وَخَيْرُ شَاهِدٍ عَلَى أَنَّ مَا كَانَتْ لَهُ بِدَايَةٌ فَلَهُ نِهَايَةٌ، فَهَنِيئَاً لِمَنْ كَانَتْ نِهَايَتُهُ طَيِّبَةً.

لَقَدْ مَضَى هَذَا الشَّهْرُ العَظِيمُ المُبَارَكُ، وَقَدْ أَحْسَنَ فِيهِ أُنَاسٌ وَأَسَاءَ فِيهِ آخَرُونَ، لَقَدْ مَضَى هَذَا الشَّهْرُ فَكَانَ شَاهِدَاً للمُشَمِّرِ بِصِيَامِهِ وَقِيَامِهِ، وَكَانَ شَاهِدَاً عَلَى المُقَصِّرِ بِغَفْلَتِهِ وَإِعْرَاضِهِ، وَلَا نَدْرِي هَلْ سَنُدْرِكُهَ مَرَّةً أُخْرَى، أَمْ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ هَاذِمُ اللَّذَّاتِ، وَمُفَرِّقُ الجَمَاعَاتِ؟

فَسَلَامُ اللهِ عَلَى شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، لَقَدْ مَرَّ عَلَيْنَا كَلَمْحَةِ بَرْقٍ، أَو غَمْضَةِ عَيْنٍ، مَرَّ عَلَيْنَا هَذَا الشَّهْرُ الذي كَانَ مِضْمَارَاً يَتَنَافَسُ فِيهِ المُتَنَافِسُونَ، فَكَمْ مِنْ أَكُفٍّ ضَارِعَةٍ رُفِعَتْ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ وَكَمْ مِنْ دُمُوعٍ سَاخِنَةٍ ذُرِفَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ تعالى؟

الثَّبَاتَ الثَّبَاتَ بَعْدَ رَمَضَانَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنِ اسْتَجَبْتُمْ لِأَمْرِ رَبِّكُمْ في شَهْرِ رَمَضَانَ، اسْتَجِيبُوا لَهُ في سَائِرِ الأَيَّامِ ﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ﴾. وَاسْتَجِيبُوا لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.

لَا يَكُنْ لِعَمَلِنَا أَجَلٌ دُونَ المَوْتِ، تَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾.

سُئِلَ بِشْرُ الحَافِي رَحِمَهُ اللهُ تعالى عَنْ أُنَاسٍ يَتَعَبَّدُونَ في رَمَضَانَ وَيَجْتَهِدُونَ، فَإِذَا انْسَلَخَ رَمَضَانَ تَرَكُوا، فَقَالَ: بِئْسَ القَوْمُ، لَا يَعْرِفُونَ اللهَ إِلَّا في رَمَضَانَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: قُولُوا لِمَنْ عَادَ إلى المَعَاصِي الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، لَا يَا عَبْدَ اللهِ، مَا أَقْبَحَ المَعْصِيَةَ بَعْدَ الطَّاعَةِ، وَمَا أَقْبَحَ الظُّلْمَةَ بَعْدَ النُّورِ، وَمَا أَقْبَحَ الإِعْرَاضَ بَعْدَ الإِقْبَالِ، وَمَا أَقْبَحَ القَطِيعَةَ بَعْدَ الوَصْلِ.

يَقُولُ كَعْبٌ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ إِذَا أَفْطَرَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَعْصِ اللهَ دَخَلَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا حِسَابٍ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ إِذَا أَفْطَرَ عَصَى رَبَّهُ فَصِيَامُهُ عَلَيْهِ مَرْدُودٌ.

يَا عِبَادَ اللهِ: أُنَاشِدُكُمُ اللهَ وَأُنَاشِدُ نَفْسِي أَنْ لَا نَهْدِمَ مَا بَنَيْنَاهُ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ في شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ رَمَضَانَ.

فَيَا مَنْ عَزَمَ عَلَى المَعَاصِي وَعَادَ إِلَيْهَا بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، اعْلَمْ بِأَنَّ رَبَّ الشُّهُورِ وَاحِدٌ، وَهُوَ رَقِيبٌ عَلَيْنَا مَشَاهِدٌ ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً﴾.

يَا مَنْ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ المَعَاصِي بَعْدَ رَمَضَانَ، اعْلَمْ بِأَنَّ المَوْتَ يَأْتِي بَغْتَةً، وَمَا مُرُورُ الأَعْوَامِ وَالسَّنَوَاتِ إِلَّا مُذَكِّرٌ بِتَـصَرُّمِ الأَعْمَارِ وَانْتِهَاءِ الآجَالِ، وَالقُدُومِ عَلَى الكَبِيرِ المُتَعَالِ؛ وَالأُمُورُ بِخَوَاتِيمِهَا ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: الطَّاعَاتُ التي فَرَضَهَا اللهُ تعالى عَلَيْنَا هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْنَا في كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَأَمَّا المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتُ التي حَرَّمَهَا اللهُ تعالى عَلَيْنَا، فَهِيَ حَرَامٌ عَلَيْنَا في كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ؛ فَلَا نَكُنْ مِمَّن قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في حَقِّهِمْ: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثَاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلَاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾. نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ (يَعْنِي النُّقْصَانَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ).

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنُرَاقِبِ اللهَ تعالى القَائِلَ: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾. لِنُرَاقِبِ اللهَ تعالى القَائِلَ: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾. لِنُرَاقِبِ اللهَ تعالى القَائِلَ: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى﴾. لِنُرَاقِبِ اللهَ تعالى القَائِلَ: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾. لِنُرَاقِبِ اللهَ تعالى القَائِلَ: ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. لِنُرَاقِبِ اللهَ تعالى القَائِلَ: ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ﴾.

أَجَارَنَا اللهُ تعالى وَإِيَّاكُمْ مِنَ الغَفْلَةِ عَنْ يَوْمٍ قَالَ فِيهِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 10/ شوال /1440هـ، الموافق: 14/حزيران / 2019م

 2019-06-14
 1247
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

12-04-2024 542 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 542
09-04-2024 541 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 541
04-04-2024 672 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 672
28-03-2024 563 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 563
21-03-2024 993 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 993
14-03-2024 1787 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 1787

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412668157
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :