1ـ مقدمة الكتاب

1ـ مقدمة الكتاب

الإيمان بعوالم الآخرة ومواقفها

1ـ مقدمة الكتاب

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمْ مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُصَدِّقٍ وَمُقِرٍّ بِالعَرْضِ عَلَى اللهِ تعالى الدَّيَّانِ الذي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، وَيَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، وَهُوَ مُرْتَكِبٌ للقَبَائِحِ، يَزْحَفُ إلى الطَّاعَاتِ زَحْفَاً بَطِيئَاً، وَيَجْرِي إلى المَعْصِيَةِ جَرْيَاً حَثِيثَاً، وَيَنْسَى قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثَاً﴾؟

أَقُولُ لِنَفْسِي، وَلِكُلٍّ عَاصٍ: مَنْ كَانَ مِنَ المُصَدِّقِينَ بِيَوْمِ القِيَامَةِ كَانَ مِنْ أَهْوَالِهِ خَائِفَاً، وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَ السَّلَامَةِ لَمْ يَكُنْ للأَمْرِ مُخَالِفَاً، وَمَنْ رَغِبَ فِيمَا أَعَدَّ اللهُ تعالى لِأَوْلِيَائِهِ مِنَ الكَرَامَةِ لَمْ يَزَلْ في العُبُودِيَّةِ مُتَحَقِّقَاً.

هَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَرْجُو الإِنْسَانُ رَجَاءً طَيِّبَاً، وَيَعْمَلَ عَمَلَاً خَبِيثَاً؟

السَّعِيدُ المُوَفَّقُ مَنْ عَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الترمذي عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَالعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ خِلَالِ هَذِهِ المُقَدِّمَةِ عَزَمْتُ بَعْدَ الاسْتِخَارَةِ عَلَى قِرَاءَةِ كِتَابِ (الإِيمَانُ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا) لِسَيِّدِي الشَّيْخِ عَبْدِ اللهِ سِرَاجِ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى؛ لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُكْرِمَنَا بِاسْتِحْضَارِ الآخِرَةِ عِنْدَ جَمِيعِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا، لَعَلَّنَا أَنْ نَفُوزَ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ تعالى.

هَذَا الكِتَابُ المُبَارَكُ الذي جَمَعَهُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى مِنْ خَيْرِ مَا كُتِبَ عَنْ عَالَمِ الآخِرَةِ.

وَكُلُّنَا يَعْلَمُ بِأَنَّ الشَّيْخَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى وُلِدَ في بَيْتٍ عُرِفَ بِبَيْتِ الفَضْلِ وَالكَرَمِ وَالعِلْمِ، وُلِدَ مِنْ شَيْخٍ عَارِفٍ بِاللهِ تعالى، أَلَا وَهُوَ سَيِّدِي الشَّيْخُ مُحَمَّد نَجِيب رَحِمَهُ اللهُ تعالى، الذي عُرِفَ بِعُلُوِّ مَكَانَتِهِ وَقَدْرِهِ، وَوُدِّهِ في قُلُوبِ أَهْلِ عَصْرِهِ.

هَذَا الكِتَابُ المُبَارَكُ الذي جَمَعَهُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، هَذَا العَالِمُ الجَلِيلُ الذي تَلَقَّى عِلْمَهُ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ وَمَشَايِخِ عَصْرِهِ، كَسَيِّدِي الشَّيْخِ مُحَمَّد سَعِيد الإِدلبِيِّ، وَسَيِّدِي الشَّيْخِ إِبْرَاهِيم السَّلْقِينِيِّ الكَبِيرِ، وَسَيِّدِي الشَّيْخِ أَحْمَد الحَجِّي الكُرْدِيِّ، وَسَيِّدِي الشَّيْخِ عِيسَى البَيَانُونِيِّ، وَسَيِّدِي الشَّيْخِ فَيْضُ اللهِ الكُرْدِيِّ، وَسَيِّدِي الشَّيْخِ عُمَر مَارْتِينِيِّ، وَسَيِّدِي الشَّيْخِ رَاغِب طَبَاخٍ؛ رَحِمَهُمُ اللهُ تعالى أَجْمَعِينَ.

مقدمة الكتاب:

يَقُولُ سَيِّدِي العَارِفُ بِاللهِ تعالى الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في مُقَدِّمَةِ هَذَا الكِتَابِ:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَكْمَلُ التَّسْلِيمِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَعَلَى سَائِرِ إِخْوَانِهِ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالمُرْسَلِينَ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

اللَّهُمَّ سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ.

وَبَعْدُ:

فَهَذِهِ نَمَاذِجُ مُخْتَصَرَةٌ، وَفُصُولٌ مُقْتَصَرَةٌ، تَرْسُمُ في صَفَحَاتِ قَلْبِ القَارِئِ الكَرِيمِ صُوَرَاً عِلْمِيَّةً مِنْ صُوَرِ عَوَالِمِ الآخِرَةِ وَبَرَازِخِهَا وَمَوَاقِفِهَا، وَتَعْرِضُهَا عَلَيْهِ عَرْضَاً مُتَنَاسِقَاً مُتَسَلْسِلَاً، تَتَجَلَّى في ذَلِكَ حَقَائِقُ الإِيمَانِ بِاليَوْمِ الآخِرِ، الذي هُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ العَقَائِدِ الإِيمَانِيَّةِ، المَذْكُورَةِ في جَمِيعِ الكُتُبِ الإِلَهِيَّةِ السَّمَاوِيَّةِ.

وَإِنَّ كَثِيرَاً مِنْ شَبَابِ المُسْلِمِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِنَ الآخِرَةِ غَيْرَ اسْمِهَا، بَلْ رُبَّمَا يَرَى بَعْضُهُمْ أَنَّ البَحْثَ فِيهَا أَبْسَطُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلى جَمِيعِ مَا هُنَالِكَ.

فَلِذَا أَرَدْتُ ـ وَاللهُ المُسْتَعَانُ ـ أَنْ أُرِيَهُمْ قَبَسَاً مِنْ أَنْوَارِ الآيَاتِ القُرْآنِيَّةِ الحَكِيمَةِ، وَالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الكَرِيمَةِ، عَسَاهَا تُشْرِقُ عَلَى قُلُوبِهِمْ؛ فَتَطْرُدُ ظُلْمَةَ جَهْلِهِمْ بِآخِرَتِهِمْ، التي سَيَنْقَلِبُونَ إِلَيْهَا مَهْمَا طَالَ بِهِمُ العُمُرُ، وَإِنَّ كُلَّ آتٍ قَرِيبٌ، وَإِنَّمَا البَعِيدُ مَا لَيْسَ بِآتٍ، وَحِينَذَاكَ يُكْشَفُ عَنْهُمُ الغِطَاءُ، وَيَتَحَقَّقُ اللِّقَاءُ، وَتَذْهَبُ الغَفَلَاتُ، وَتَتَوَالَى عَلَيْهِمُ الحَسَرَاتُ وَالوَيْلَاتُ، رُحْمَاكَ رُحْمَاكَ يَا رَبَّ البَرِيَّاتِ.

وَمَنْ تَدَبَّرَ كَلَامَ رَبِّ العَالَمِينَ سُبْحَانَهُ، عَلِمَ أَنَّهُ كَثِيرُ التَّنْبِيهِ، شَدِيدُ التَّحْرِيضِ عَلَى ادِّكَارِ الآخِرَةِ، وَالاسْتِعْدَادِ المَطْلُوبِ لَهَا؛ فَمَا يَمُرُّ القَارِئُ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ آيَاتِ اللهِ تعالى البَيِّنَاتِ إِلَّا وَفِيهَا تَصْرِيحٌ بِأَمْرِ الآخِرَةِ أَو تَلْوِيحٌ.

كَمَا أَنَّ مَنْ قَرَأَ أَحَادِيثَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَآهَا كَثِيرَةَ التَّذْكِيرِ بِأَمْرِ الآخِرَةِ، عَظِيمَةَ التَّحْذِيرِ مِنْ أَهْوَالِهَا وَمَوَاقِفِهَا، قَوِيَّةَ التَّنْبِيهِ إلى السَّعْيِ لَهَا؛ وَالاسْتْعِدَادِ إِلَيْهَا.

لَا رَيْبَ إِذَاً أَنَّ هَذَا كُلَّهُ يُنْبِئُنَا عَنْ خُطُورَةِ ذَلِكَ العَالَمِ الأُخْرَوِيِّ، وَشِدَّةِ هَوْلِهِ، وَعِظَمِ أَمْرِهِ، وَوُجُوبِ الاهْتِمَامِ بِشَأْنِهِ.

فَجَدِيرٌ بِنَا كُلَّ الجَدَارَةِ أَنْ نَتَحَدَّثَ عَنِ اليَوْمِ الآخِرِ، وَبَعْضِ أَحْكَامِهِ، وَأَطْوَارِهِ وَأَحْوَالِهِ، مُتَّبِعِينَ في ذَلِكَ كِتَابَ اللهِ تعالى، وَأَحَادِيثَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، رَاجِينَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتعالى إِخْلَاصَاً في القَصْدِ، وَصِدْقَاً في العَمَلِ، وَسَدَادَاً في القَوْلِ، إِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 16/ شوال /1440هـ، الموافق: 20/حزيران / 2019م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  الإيمان بعوالم الآخرة ومواقفها

11-01-2024 168 مشاهدة
60ـ يستقبل أمته على الحوض

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْبِلُ أُمَّتَهُ عَلَى الحَوْضِ وَيَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ: ... المزيد

 11-01-2024
 
 168
29-12-2023 165 مشاهدة
59ـ ينتظر الواردين من أمته

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى المَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ، ... المزيد

 29-12-2023
 
 165
14-12-2023 173 مشاهدة
58ـ عالم الحوض

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾. في هَذِهِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ يَذْكُرُ اللهُ تعالى فَضْلَهُ العَظِيمَ عَلَى رَسُولِهِ الكَرِيمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى ... المزيد

 14-12-2023
 
 173
28-09-2023 493 مشاهدة
57ـ لواء الحمد

لَقَدْ ثَبَتَ بِالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِوَاءً عَالِيًا عَلَى جَمِيعِ أَلْوِيَةِ الشَّرَفِ وَالكَرَامَةِ، وَاسِعًا كُلَّ السَّعَةِ، يَأْوِي ... المزيد

 28-09-2023
 
 493
16-09-2023 460 مشاهدة
56ـ حشر كل إنسان مع محبوبه

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 16-09-2023
 
 460
25-07-2023 268 مشاهدة
55ـ طول الموقف يوم القيامة

قَالَ تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * ... المزيد

 25-07-2023
 
 268

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413216184
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :