5ـ ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ ﴾: احذر أن يلعب بك الشيطان

5ـ ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ ﴾: احذر أن يلعب بك الشيطان

 

﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ﴾

5ـ احذر أن يلعب بك الشيطان

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ العِبَرِ التي نَسْتَفِيدُهَا مِنْ قِصَّةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعَ إِخْوَتِهِ، أَنْ نَكُونَ عَلَى حَذَرٍ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ وَمِنْ غِوَايَتِهِ، وَمِنْ أَنْ يَلْعَبَ بِنَا وَيَعِدَنَا وَيُمَنِّيَنَا، قَالَ تعالى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورَاً﴾.

الشَّيْطَانُ لَهُ أَسَالِيبُ كَثِيرَةٌ في إِغْوَاءِ بَنِي آدَمَ، وَلَهُ خِبْرَةٌ وَبَاعٌ طَوِيلٌ في إِضْلَالِ البَشَرِيَّةِ، فَمُنْذُ أَنْ خَلَقَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُوَ يَتَفَنَّنُ في إِضْلَالِ العِبَادِ.

مِنْ أَسَالِيبِهِ إِظْهَارُ النُّصْحِ وَهُوَ الكَذُوبُ، كَمَا قَالَ لِسَيِّدِنَا آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ وَهُوَ كَاذِبٌ.

وَمِنْ أَسَالِيبِهِ أَنَّهُ يَتَدَرَّجَ في الإِضْلَالِ مَعَ العَبْدِ تَدَرُّجَاً حَتَّى يُوقِعَهُ في أَكْبَرِ الكَبَائِرِ، كَمَا حَصَلَ مَعَ إِخْوَةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَسْوَسَ إِلَيْهِمْ، وَمَنَّاهُمْ وَحَرَّضَهُمْ وَأَغْوَاهُمْ حَتَّى قَالُوا: ﴿لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضَاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمَاً صَالِحِينَ﴾. فَالتَّوْبَةُ المُسْبَقَةُ هُنَا جُزْءٌ مِنْ مُخَطَّطِ الجَرِيمَةِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: فَكِّرُوا في قَوْلِ إِخْوَةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمَاً صَالِحِينَ﴾. أَيْنَ تَوْبَتُهُمْ بَعْدَ إِلْقَاءِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في الجُبِّ؟

عِنْدَمَا فَقَدَ سَيِّدُنَا يَعْقُوبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَدَهُ الثَّانِي بَعْدَ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَالَ تعالى عَنْهُ: ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضَاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ﴾. أَيْنَ تَوْبَتُهُمْ؟ أَيْنَ اعْتِرَافُهُمْ؟ أَيْنَ اعْتِذَارُهُمْ؟ أَيْنَ طَلَبُ الاسْتِغْفَارِ مِنْ أَبِيهِمْ؟

وَعِنْدَمَا أَرْسَلَ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَمِيصَهُ لِأَبِيهِ، قَالَ تعالى عَنْ هَذَا المَوْقِفِ: ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ العِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ القَدِيمِ﴾.

أَيْنَ هُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ: ﴿وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمَاً صَالِحِينَ﴾. هَلْ مِنَ الصَّلَاحِ وَالتَّوْبَةِ أَنْ يُخَاطِبُوا أَبَاهُمْ: ﴿تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ القَدِيمِ﴾.

وَعِنْدَمَا وَقَفُوا أَمَامَ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ، قَالَ تعالى عَنْهُمْ: ﴿ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا العِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ * قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ المَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ * قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ * قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ * فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ المَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ * قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ﴾. أَيْنَ تَوْبَتُهُمْ؟

الحِقْدُ مَا زَالَ يَمْلَأُ قُلُوبَهُمْ، وَكَذَبُوا عَلَيْهِ بَعْدَ فَقْدِهِ بِسَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِهِمْ يَقُولُ: إِنَّ السَّرِقَةَ عَرِيقَةٌ فِينَا: ﴿إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ﴾.

فَالتَّوْبَةُ المُسْبَقَةُ قَبْلَ الوُقُوعِ في الجَرِيمَةِ، مَا هِيَ إِلَّا جُزْءٌ مِنْ مُخَطَّطِ ارْتِكَابِ الجَرِيمَةِ، وَهَذَا مَا حَصَلَ مَعَ إِخْوَةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

التَّسْوِيفُ مِنْ لُعْبَةِ الشَّيْطَانِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَتَعَلَّمْ هَذَا الدَّرْسَ مِنْ إِخْوَةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَقَدْ خَطَّطُوا لِارْتِكَابِ الجَرِيمَةِ، وَمِنْ لُعْبَةِ الشَّيْطَانِ بِهِمْ أَنَّهُمْ نَوَوُا التَّوْبَةَ وَلَكِنْ بَعْدَ ارْتِكَابِ الجَرِيمَةِ.

مَنْ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ ارْتِكَابَ الجَرِيمَةِ أَوَّلَاً ثُمَّ التَّوْبَةَ بَعْدَهَا مُبَاشَرَةً، لِيُفَكِّرْ هَلْ يَضْمَنُ لِنَفْسِهِ حَيَاةً بَعْدَ المَعْصِيَةِ وَالجَرِيمَةِ؛ مَنْ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ هَذَا فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مُتَهَاوِنٌ غَيْرُ مُبَالٍ بِمَا يَجْرِي مِنْهُ مِنْ مَعْصِيَةٍ للهِ تعالى، كَمَا فَعَلَ إِخْوَةُ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ارْتَكَبُوا الجَرِيمَةَ، وَأَصَرُّوا وَمَا فَكَّرُوا في التَّوْبَةِ بَعْدَ ارْتِكَابِ الجَرِيمَةِ.

تَصَوَّرُوا لَو أَنَّ الحَيَاةَ انْتَهَتْ بَعْدَ ارْتِكَابِ الجَرِيمَةِ وَبِدُونِ تَوْبَةٍ، مَا الذي سَيَكُونُ لِهَذَا العَبْدِ، تَدَبَّرُوا قَوْلَهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾. جَهْلَاً مِنْهُ بِالحُكْمِ، جَهْلَاً مِنْهُ بِالعَاقِبَةِ، جَهْلَاً مِنْهُ بِالنَّتَائِجِ، جَهْلَاً مِنْهُ أَنَّهَا مِنْ غِوَايَةِ الشَّيْطَانِ ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمَاً حَكِيمَاً﴾. هَؤُلَاءِ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ، وَمِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ الإِقْلَاعُ عَنِ الجَرِيمَةِ، وَإِذَا وَقَعَتْ أَعَادَ الحُقُوقَ لِأَصْحَابِهَا.

أَمَّا أَنْ يُخَطِّطَ لِارْتِكَابِ الجَرِيمَةِ، فَهَذَا لَيْسَ بِجَاهِلٍ لِمَا سَيَفْعَلُ، وَهَذَا لَيْسَ مُخْطِئَاً بَلْ هُوَ خَاطِئٌ، يَعْرِفُ الحَرَامَ حَرَامَاً وَيَأْتِيهِ، وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، ثُمَّ يَقُولُ: أَكُونُ بَعْدَ الجَرِيمَةِ مِنَ الصَّالِحِينَ.

أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ لَا يُوَفَّقُونَ للتَّوْبَةِ، حَتَّى يَنْكَشِفَ لَهُمُ الغِطَاءِ، إِمَّا عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ، وَإِمَّا عِنْدَمَا يُهْتَكُ السِّتْرُ عَنْهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا حَتَّى يَقَعُوا في سَكَرَاتِ المَوْتِ فَالطَّامَّةُ صَارَتْ كُبْرَى؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ﴾.

وَإِمَا عِنْدَ هَتْكِ السِّتْرِ عَنْهُمْ فَمَا هُوَ مَوْقِفُهُمْ؟ لَقَدْ عَرَفْنَا مَوْقِفَ إِخْوَةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ أَخِيهِمْ، عِنْدَمَا قَالُوا لِأَخِيهِمْ يُوسُفَ: ﴿أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.

وَانْظُرُوا إلى مَوْقِفِهِمْ مِنْ أَبِيهِمْ عِنْدَمَا قَالُوا لَهُ بَعْدَ الفَضِيحَةِ: ﴿يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

هَلْ يَضْمَنُ المُجْرِمُ بَعْدَ ارْتِكَابِ الجَرِيمَةِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ المَجْنِيُّ عَلَيْهِ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ أَنْ يُسَوِّلَ للعَبْدِ ارْتِكَابَ المَعْصِيَةِ، وَيَقُولَ لَهُ: افْعَلِ المُنْكَرَاتِ، ثُمَّ تُبْ بَعْدَ ذَلِكَ إلى اللهِ تعالى، فَاللهُ تعالى يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَاسِعَةٌ، اسْرِقْ وَتُبْ إلى اللهِ تعالى، ازْنِ وَتُبْ إلى اللهِ تعالى، وَاقْطَعِ الرَّحِمَ وَتُبْ إلى اللهِ تعالى، وَتَعَامَلْ بِالرِّبَا وَتُبْ إلى اللهِ تعالى، وَادْخُلْ عَلَى النِّسَاءِ وَتُبْ إلى اللهِ تعالى، افْعَلِ المَعَاصِي وَتُبْ إلى اللهِ تعالى، وَاللهِ مَا هِيَ إِلَّا لُعْبَةُ شَيْطَانٍ.

وَمَن اسْتَجَابَ لِذَلِكَ، فَقَدْ لَعِبَ بِهِ الشَّيْطَانُ، وَلَو قَوِيَ إِيمَانُهُ لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ، أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

فَلَو كَانَ الإِيمَانُ كَامِلَاً، وَصَاحِبُهُ دَاخِلٌ مَقَامَ الإِحْسَانِ لمَا اجْتَرَأَ عَلَى ذَلِكَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِخْوَةُ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ـ وَهُم لَيْسُوا أَنْبِيَاءَ كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ كَثِيْرٌ مِنَ الُمفَسِرِينَ ـ عَزَمُوا مِنْ بِدَايَةِ الأَمْرِ عَلَى الذَّنْبِ وَارْتِكَابِ الجَرِيمَةِ ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضَاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾.

ثُمَّ عَزَمُوا عَلَى التَّوْبَةِ بَعْدَ الجَرِيمَةِ ﴿وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمَاً صَالِحِينَ﴾.

وَلَكِنْ وَبِكُلِّ أَسَفٍ لَمْ يُرْزَقُوا التَّوْبَةَ، وَأَصَرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا سَنَوَاتٍ طِوَالٍ، وَلَمْ يَنْكَسِرُوا إلى اللهِ تعالى، وَلَمْ يَعْتَذِرُوا إلى أَبِيهِمْ، وَلَمْ يَطْلُبُوا مِنْهُ الاسْتِغْفَارَ حَتَّى انْكَشَفَ حَالُهُمْ أَمَامَ أَبِيهِمْ وَأَخِيهِمْ، فَقَالُوا لِسَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾.

وَقَالُوا لِأَبِيهِمْ: ﴿يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ عَدَاوَةَ الشَّيْطَانِ للإِنْسَانِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾. يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُصَدِّقَ الخَبَرَ: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾. كَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَزِمَ الأَمْرَ: ﴿فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً﴾.

وَلَا تَكُونُ عَدَاوَتُنَا لَهُ إِلَّا إِذَا اجْتَنَبْنَا خُطُوَاتِهِ، وَسَمِعْنَا قَوْلَهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ﴾. ثُمَّ اجْتَنَبْنَا شَيَاطِينَ الإِنْسِ الذينَ هُمْ شُرَكَاءُ مَعَهُ ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ﴾.

اللَّهُمَّ وقفنا لذلك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 9/ جمادى الآخر /1440 هـ، الموافق: 14/ شباط / 2019م

الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ ﴾

15-01-2024 335 مشاهدة
85ـ وقفات مع سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه

الحَدِيثُ عَنِ الخَلِيفَةِ التَّابِعِيِّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ ذُو شُجُونٍ، فَأَنْتَ لَا تَكَادُ تُلِمُّ بِصُورَةٍ مِنْ صُوَرِ حَيَاتِهِ الفَذَّةِ حَتَّى تُسْلِمَكَ إِلى أُخْرَى أَكْثرَ بَهَاءً، وَأَغْنَى رَوَاءً، وَأَبْعَدَ تَأْثِيرًا. ... المزيد

 15-01-2024
 
 335
31-07-2023 366 مشاهدة
84ـ عروة بن الزبير رضي الله عنه

مَا كَادَتْ شَمْسُ الأَصِيلِ تُلَمْلِمُ خُيُوطَهَا الذَّهَبِيَّةَ عَنْ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، وَتَأْذَنُ للنَّسَمَاتِ النَّدِيَّةِ بِأَنْ تَتَرَدَّدَ في رِحَابِهِ الطَّاهِرَةِ، حَتَّى شَرَعَ الطَّائِفُونَ بِالبَيْتِ مِنْ بَقيةِ صَحَابَةِ ... المزيد

 31-07-2023
 
 366
08-05-2023 595 مشاهدة
83ـ شريح القاضي

ابْتَاعَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَرَسًا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الأَعْرَابِ وَنَقَدَهُ ثَمَنَهُ، ثُمَّ امْتَطَى صَهْوَتَهُ وَمَضَى بِهِ. لَكِنَّهُ مَا كَادَ يَبْتَعِدُ بِالفَرَسِ طَوِيلًا حَتَّى ظَهَرَ فِيهِ ... المزيد

 08-05-2023
 
 595
19-04-2023 455 مشاهدة
82ـ امرؤ سريرته كعلانيته (الحسن البصري)

حَدَّثَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ قَالَ: لَقِيتُ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ في الحِيْرَةِ فَقَالَ لِي: أَخْبِرْنِي عَنْ حَسَنِ البَصْرَةِ، فَإِنَّي أَظُنُّ أَنَّكَ تَعْرِفُ مِنْ أَمْرِهِ مَا لَا يَعْرِفُ سِوَاكَ. فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيرَ، ... المزيد

 19-04-2023
 
 455
14-04-2023 335 مشاهدة
81ـ أتحلف من أجل درهمين

وُلِدَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَرُبِّيَ في بَيْتٍ يَتَضَوَّعُ الوَرَعَ وَالتُّقَى (يَنْتَشِرُ انْتِشَارَ المِسْكِ) مِنْ كُلِّ رُكْنٍ مِنْ ... المزيد

 14-04-2023
 
 335
11-04-2023 410 مشاهدة
80ـ حتى لا يتثاقل مظلوم عن رفع ظلامته

يَرْوِي قَاضِي المُوصِلِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الغَسَّانِيُّ فَيَقُولُ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَطُوفُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي أَسْوَاقِ حِمْصَ لِيَتَفَقَّدَ البَاعَةَ وَيَتَعَرَّفَ عَلَى الأَسْعَارِ، إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ عَلَيْهِ ... المزيد

 11-04-2023
 
 410

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413557124
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :