154ـ كلمة شهر ذي الحجة 1440: وقفة مع عشر ذي الحجة

154ـ كلمة شهر ذي الحجة 1440: وقفة مع عشر ذي الحجة

154ـ كلمة شهر ذي الحجة 1440: وقفة مع عشر ذي الحجة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ قَدْ أَقْبَلَت ْعَلَيْنَا بِفَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَهَا فَضْلٌ عَظِيمٌ، فَهِيَ مِنْ مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ وَالخَيْرَاتِ وَالقُرُبَاتِ، بَلْ إِنَّهَا أَفْضَلُ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ تعالى، وَقَدْ أَقْسَمَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى بِهَا، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾.

وَالمَقْصُودُ بِاللَّيَالِي العَشْرِ هِيَ عَشْرُ ذِي الحِجَّةِ، وَمِنْ هُنَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: إِنَّ عَـشْرَ ذِي الحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ.

وَالحَقِيقَةُ أنَّ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ أَفْضَلُ، وَلَيَالِي عَشْرِ رَمَضَانَ أَفْضَلُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ في لَيَالِي رَمَضَانَ لَيْلَةُ القَدْرِ وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وَفِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى.

العَشْرُ مِنْ ذِي الحِجَّةِ مَوْسِمٌ للطَّاعَاتِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: العَشْرُ الأُوَلُ مِنْ ذِي الحِجَّةِ مَوْسِمٌ مِنْ مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ التي يَنْبَغِي للإِنْسَانِ أَنْ يَغْتَنِمَهَا، وَيَحْرِصَ عَلَى أَنْ يَعْمُرَهَا بِذِكْرِ اللهِ تعالى، وَالتَّبْكِيرِ إلى المَسَاجِدِ، وَكَثْرَةِ الصَّلَاةِ، وَكَثْرَةِ الاسْتِغْفَارِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ، وَالتَّسْبِيحِ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ وَالصِّيَامِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فُرْصَةً للتَّوْبَةِ؛ فَإِنَّ التَّوْبَةَ مِنْ أَعْظَمِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَالمَغْبُونُ مَنْ غُبِنَ في هَذِهِ العَشْرِ، وَالمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَهَا، وَهَذِهِ فُرْصَةٌ وَمَوَاسِمُ يَنْبَغِي للعَبْدِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى التَّقَرُّبِ فِيهَا إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

العَمَلُ الصَّالِحُ في عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: جَاءَ في صَحِيحِ الإمام البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟».

قَالُوا: وَلَا الجِهَادُ؟

قَالَ: «وَلَا الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ».

وفي رِوَايَةٍ للترمذي: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ».

وروى البَزَّارُ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ» ـ يَعْنِي عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ ـ.

قِيلَ: وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللهِ؟

قَالَ: «وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ عَفَّرَ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ».

وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «العَمَلُ الصَّالِحُ» يَشْمَلُ كُلَّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الأَعْمَالِ وَالأَقْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ، فَإِنَّ العَمَلَ الصَّالِحَ هُوَ مَا كَانَ خَالِصَاً صَوَابَاً، فَمَا كَانَ مِنَ الأَعْمَالِ التي أَمَرَ اللهُ تعالى بِهَا في كِتَابِهِ، أَو أَمَرَ بِهَا رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في سُنَّتِهِ الصَّحِيحَةِ، مِنْ قَوْلٍ أَو فِعْلٍ أَو اعْتِقَادٍ؛ فَهُوَ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ المَحْبُوبَةِ إلى اللهِ تعالى في كُلِّ وَقْتٍ، وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهَا في هَذِهِ العَشْرِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ قِرَاءَةُ القُرْآنِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الصِّيَامُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَسْبَابِ فَضِيلَةِ هَذِهِ العَشْرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ أَنَّ فِيهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَهُوَ يَوْمٌ مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى أَفْضَلَ مِنْهُ، وَفِيهِ تَكْفِيرٌ للذُّنُوبِ، وَمَغْفِرَةٌ للخَطَايَا، وَسَتْرٌ للعُيُوبِ، وَفِي صَحِيحِ الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدَاً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ المَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟»

كَذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ فَضِيلَةِ العَشْرِ أَنَّ فِيهَا يَوْمَ النَّحْرِ، وَهُوَ اليَوْمُ العَاشِرُ، وَهُوَ يَوْمُ العِيدِ، يَأْتِي العِيدُ وَأَوَّلُ أَيَّامِهِ اليَوْمُ العَاشِرُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَمَا قَدِمَ المَدِينَةَ، فَوَجَدَ للأَنْصَارِ يَوْمَيْنِ يَلْعَبُونَ فِيْهِمَا؛ قَالَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرَاً مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ» رواه أبو داود عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» رواه أبو داود عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَيَوْمُ عِيدِ الأَضْحَى هُوَ مِنَ الأَيَّامِ التي تُعْتَبَرُ شَعَائِرَ يَفْرَحُ بِهَا المُسْلِمُونَ وَيُـسَرُّونَ، وَهُوَ يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ، كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾.

فَأَذَّنَ المُسْلِمُونَ ـ أَيْ فَأَعْلَمَ الـمُسْلِمُونَ النَّاسَ بِبَرَاءَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ مِنَ الـمُشْرِكِينَ ـ بِهَذَا في يَوْمِ العِيدِ، يَوَمِ الحَجِّ الأَكْبَرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ أَفْضَلُ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ تعالى عَلَى الإِطْلَاقِ، كَمَا في صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمُ الْقَرِّ».

وَلِذَلِكَ فَلَا غَرَابَةَ أَنْ تَكُونَ أَيَّامُ العَشْرِ هِيَ أَفْضَلُ الأَيَّامِ، حَيْثُ احْتَوَتْ عَلَى هَذَيْنِ اليَوْمَيْنِ الفَاضِلَيْنِ العَظِيمَيْنِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَوْمِ النَّحْرِ، يَوْمِ الحَجِّ الأَكْبَرِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 1/ ذو الحجة /1440هـ، الموافق: 2/ آب / 2019م

 2019-08-01
 874
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

09-04-2024 83 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 83
13-03-2024 251 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 251
09-02-2024 501 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 501
13-01-2024 298 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 298
14-12-2023 436 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 436
16-11-2023 539 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 539

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412871090
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :