14ـ الاستنجاء

14ـ الاستنجاء

14ـ الاستنجاء

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِبَارَاتُ الفُقَهَاءِ في تَعْرِيفِ الاسْتِنْجَاءِ تَلْتَقِي عَلَى أَنَّ الاسْتِنْجَاءَ هُوَ إِزَالَةُ مَا يَخْرُجُ مِنَ السَّبِيلَيْنِ، سَوَاءٌ بِالغَسْلِ أَو المَسْحِ بِالحِجَارَةِ وَنَحْوِهَا عَنْ مَوْضِعِ الخُرُوجِ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ.

وَكَلِمَةُ الاسْتِبْرَاءِ تُفِيدُ مَعْنَى الاسْتِنْجَاءِ، إِذِ الاسْتِبْرَاءُ هُوَ إِزَالَةُ مَا بِالمَخْرَجَيْنِ مِنَ الأَذَى.

وَكَلِمَةُ الاسْتِنْزَاهِ قَرِيبَةٌ مِنْ هَذَا المَعْنَى، فَالاسْتِنْزَاهُ هُوَ التَّبَاعُدُ عَنِ الأَقْذَارِ، وَفي حَدِيثِ المُعَذَّبِ في قَبْرِهِ كَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ بَوْلِهِ، أَيْ: لَا يَسْتَبْرِئُ، وَلَا يَتَطَهَّرُ، وَلَا يَبْتَعِدُ عَنْهُ.

فَالاسْتِنْجَاءُ أَو الاسْتِبْرَاءُ أَو الاسْتِنْزَاهُ مَطْلُوبٌ شَرْعَاً، فَلَا يَصِحُّ الوُضُوءُ حَتَّى يَطْمَئِنَّ الإِنْسَانُ مِنْ إِزَالَةِ النَّجَسِ عَنِ السَّبِيلَيْنِ.

حُكْمُ الاسْتِنْجَاءِ:

يَكُونُ الاسْتِنْجَاءُ سُنَّةً في الأَحْوَالِ العَادِيَّةِ مِنْ نَجَسٍ يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِ السَّبِيليْنِ إِذَا لَمْ تَتَجَاوَزِ النَّجَاسَةُ المَخْرَجَ، للرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ تَرْكِهِ أَحْيَانَاً.

وَيَكُونُ الاسْتِنْجَاءُ وَاجِبَاً إِذَا جَاوَزَتِ النَّجَاسَةُ مَخْرَجَهَا، وَكَانَ المُتَجَاوَزُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ أَو قَدْرَ مُقَعَّرِ الكَفِّ في النَّجَاسَةِ المَائِعَةِ.

وَيَكُونُ فَرْضَاً إِنْ زَادَ المُتَجَاوَزُ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ في الجَامِدَةِ، أَو زَادَ عَلَى قَدْرِ مُقَعَّرِ الكَفِّ في النَّجَاسَةِ المَائِعَةِ.

وَسَائِلُهُ:

يَكُونُ بِالمَاءِ وَبِغَيْرِهِ مِنَ الجَمَادَاتِ مِثْلَ الوَرَقِ، وَالحَجَرِ وَالخُرَقِ، إِلَّا أَنَّهُ في الحَالَةِ الأُولَى، أَي حِينَمَا يَكُونُ سُنَّةً يَصِحُّ الاسْتِنْجَاءُ بِالمَاءِ وَبِكُلِّ جَامِدٍ قَالِعٍ كَالوَرَقِ أَو الحَجَرِ أَو الخُرَقِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الإِنْقَاءُ، وَإِنْ كَانَ الغَسْلُ بِالمَاءِ أَفْضَلَ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ في النَّظَافَةِ.

وَفي الحَالَتَيْنِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ أَي حِينَمَا يَكُونُ وَاجِبَاً أَو فَرْضَاً، فَلَا بُدَّ مِنَ المَاءِ، وَلَا يَجُوزُ الاكْتِفَاءُ بِالمَسْحِ.

وَالأَفْضَلُ في كُلِّ الحَالَاتِ الجَمْعُ بَيْنَ المَسْحِ بِالوَرَقِ وَنَحْوِهِ، وَالغَسْلُ بِالمَاءِ، وَالاقْتِصَارُ عَلَى المَاءِ أَفْضَلُ مِنَ الاقْتِصَارِ عَلَى الوَرَقِ وَنَحْوِهِ.

وَفي الحَدِيثِ لَمَا نَزَلَتْ: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ، فَمَا طُهُورُكُمْ؟».

قَالُوا: نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، وَنَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَنَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَهُوَ ذَاكَ، فَعَلَيْكُمُوهُ» رواه ابن ماجه عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.

سُنَنُ الاسْتِنْجَاءِ وَمُسْتَحَبَّاتُهُ:

قَرَّرَ الشَّارِعُ أُمُورَاً بَعْضُهَا وَاجِبٌ وَبَعْضُهَا سُنَّةٌ وَبَعْضُهَا مَنْدُوبٌ، نَذْكُرُ أَهَمَّهَا:

1ـ يُسَنُّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِمُنَقٍّ، بِأَنْ لَا يَكُونَ خَشِنَاً كَالآجِرِ، وَلَا أَمْلَسَ كَالعَقِيقِ، لِأَنَّ الإِنْقَاءَ هُوَ المَقْصُودُ، فَلَا يُسْتَنْجَى بِمُلَوِّثٍ كَالفَحْمِ، وَلَا بِمَا يَضُرُّ كَالزُّجَاجِ، وَلَا بِشَيْءٍ مُحْتَرَمٍ كَخِرْقَةِ دِيبَاجٍ لِإِتْلَافِ المَالِ.

2ـ يُنْدَبُ التَّثْلِيثُ بِاسْتِعْمَالِ الوَرَقِ وَنَحْوِهِ.

3ـ أَلَّا يَسْتَنْجِيَ بِيَمِينِهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ، وَإِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمْسَحْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا تَمَسَّحَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَحَمَلَ الفُقَهَاءُ هَذَا النَّهْيَ عَلَى الكَرَاهَةِ، وَهِيَ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، وَكُلُّ هَذَا في غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ أَو الحَاجَةِ، للقَاعِدَةِ المَعْرُوفَةِ: الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ المَحْظُورَاتِ؛ وَيَجُوزُ الاسْتِعَانَةُ بِاليَمِينِ في صَبِّ المَاءِ، وَلَيْسَ هَذَا اسْتِنْجَاءً بِاليَمِينِ، بَلِ المَقْصُودُ مِنْهُ مُجَرَّدُ إِعَانَةِ اليَسَارِ.

4ـ أَلَّا يَسْتَنْجِيَ بِطَعَامٍ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِضَاعَةِ المَالِ وَالاسْتِخْفَافِ بِالنِّعَمِ.

5ـ أَلَّا يَسْتَنْجِيَ بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثٍ، لما روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِدَاوَةً لِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَتْبَعُهُ بِهَا، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟».

فَقَالَ: أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ.

فَقَالَ: «ابْغِنِي أَحْجَارَاً أَسْتَنْفِضْ بِهَا، وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ».

فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ أَحْمِلُهَا فِي طَرَفِ ثَوْبِي، حَتَّى وَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مَشَيْتُ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ العَظْمِ وَالرَّوْثَةِ؟

قَالَ: «هُمَا مِنْ طَعَامِ الجِنِّ».

6ـ يَجِبُ الاسْتِتَارُ، وَأَلَّا يَكْشِفَ عَوْرَتَهُ للاسْتِنْجَاءِ، لِحُرْمَتِهِ، فَلَا يَرْتَكِبُهُ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ (وَهِيَ الاسْتِنْجَاءُ) وَيَحْتَالُ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ للعَوْرَةِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُفَقِّهَنَا في دِينِنَا. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 7/ ربيع الأول /1441هـ، الموافق: 4/تشرين الثاني / 2019م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  الفقه الإسلامي

26-10-2020 1104 مشاهدة
32ـ نواقض الوضوء (1)

النَّوَاقِضُ جَمْعُ نَاقِضٍ أَو نَاقِضَةٍ. يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ في الأَجْسَامِ، وَفي المَعَانِي، فَإِذَا اسْتُعْمِلَ في الأَجْسَامِ فَالمُرَادُ بِهِ: إِبْطَالُ تَأْلِيفِهَا، كَنَقْضِ الحَائِطِ. وَإِذَا اسْتُعْمِلَ في المَعَانِي كَانَ ... المزيد

 26-10-2020
 
 1104
19-10-2020 6088 مشاهدة
31ـ مكروهات الوضوء

مَكْرُوهَاتُ الوُضُوءِ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ نَوْعَانِ، مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَهُوَ مَا كَانَ إلى الحَرَامِ أَقْرَبَ، وَتَرْكُهُ وَاجِبٌ، وَهُوَ المُرَادُ عِنْدَهُمْ حَالَةَ الإِطْلَاقِ. وَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، وَهُوَ مَا كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى ... المزيد

 19-10-2020
 
 6088
12-10-2020 857 مشاهدة
30ـ الحكم التكليفي وأقسامه

الحُكْمَ التَّكْلِيفِيَّ يَنْقَسِمُ إلى أَنْوَاعٍ خَمْسَةٍ: الأَوَّلُ: الفَرْضُ: هُوَ مَا طَلَبَ الشَّارِعُ فِعْلَهُ مِنَ المُكَلَّفِ طَلَبًا حَتْمًا وَمُلْزِمًا، وَيَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِ الإِتْيَانُ بِهِ، وَيُثَابُ فَاعِلُهُ، وَيُعَاقَبُ ... المزيد

 12-10-2020
 
 857
05-10-2020 655 مشاهدة
29ـ سنن الوضوء (6)

لَقَدْ تَقَدَّمَ مَعَنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ بَعْضًا مِنْ سُنَنِ الوُضُوءِ، وَهِيَ النِّيَّةُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، ثُمَّ التَّسْمِيَةُ، ثُمَّ غَسْلُ اليَدَيْنِ إلى الرُّسْغَيْنِ، ثُمَّ المَضْمَضَةُ، ثُمَّ الاسْتِنْشاقُ، ثُمَّ الاسْتِنْثَارُ، ... المزيد

 05-10-2020
 
 655
22-09-2020 775 مشاهدة
28ـ سنن الوضوء (5)

قَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ بَعْضًا مِنْ سُنَنِ الوُضُوءِ، وَهِيَ النِّيَّةُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، ثُمَّ التَّسْمِيَةُ، ثُمَّ غَسْلُ اليَدَيْنِ إلى الرُّسْغَيْنِ، ثُمَّ المَضْمَضَةُ، ثُمَّ الاسْتِنْشاقُ، ثُمَّ الاسْتِنْثَارُ، ... المزيد

 22-09-2020
 
 775
11-06-2020 1341 مشاهدة
27ـ سنن الوضوء (4)

لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ بَعْضًا مِنْ سُنَنِ الوُضُوءِ، وَهِيَ النِّيَّةُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، ثُمَّ التَّسْمِيَةُ، ثُمَّ غَسْلُ اليَدَيْنِ إلى الرُّسْغَيْنِ، ثُمَّ المَضْمَضَةُ، ثُمَّ الاسْتِنْشاقُ، ثُمَّ الاسْتِنْثَارُ، ... المزيد

 11-06-2020
 
 1341

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412418351
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :