23ـ ترجمة الإمام مالك رَحِمَهُ اللهُ تعالى

23ـ ترجمة الإمام مالك رَحِمَهُ اللهُ تعالى

23ـ ترجمة الإمام مالك رَحِمَهُ اللهُ تعالى

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

اسْمُهُ وَنَسَبُهُ وَنَشْأَتُهُ:

مَالِكٌ هُوَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ نِسْبَةً إلَى ذِي أَصْبَحَ بَطْنٌ مِنْ حِمْيَرَ.

وُلِدَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ مِنْ هِجْرَةِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، وَقَدْ رَأَى آثَارَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، كَمَا رَأَى وَعَايَنَ قَبْرَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ بِنُورِ الحَيَاةِ، فَوَجَدَ التَّقْدِيسَ للمَدِينَةِ وَمَا بِهَا، وَكَانَتْ مَهْدَ العِلْمِ، وَمَبْعَثَ النُّورِ، وَمَنْهَلَ العِرْفَانِ، فَانْطَبَعَ في نَفْسِهِ تَقْدِيسُهَا، وَلَازَمَهُ ذَلِكَ التَّقْدِيسُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ تعالى.

نَشَأَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في بَيْتٍ اشْتَغَلَ بِعِلْمِ الأَثَرِ وَالحَدِيثِ، فَجَدُّهُ مَالِكٌ بْنُ أَبِي عَامِرٍ كَانَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَعُلَمَائِهِمْ، وَقَدْ حَفِظَ الإِمَامُ مَالِكٌ القُرْآنَ الكَرِيمَ في صَدْرِ حَيَاتِهِ، كَمَا هُوَ الشَّأْنُ في أَكْثَرِ الأُسَرِ الإِسْلَامِيَّةِ التي يَتَرَبَّى أَبْنَاؤُهَا تَرْبِيَةً إِسْلَامِيَّةً؛ وَتَوَجَّهَ بَعْدَ ذَلِكَ إلى حِفْظِ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ.

الإِمَامُ مَالِكٌ إمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ وَعَالِمُ الْمَدِينَةِ وَأَحَدُ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعَةِ وَهُوَ مِنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ.

كَانَ فَقِيهًا وَفَضَائِلُهُ وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُورَةٌ دُوِّنَتْ بِهَا الدَّوَاوِينُ، وَمِنْ أَعْظَمِهَا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ، وَقَدْ تَأَوَّلَ الأَئِمَّةُ الحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَلَا يَجِدُونَ أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ».

وَالذي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِلَفْظِ: «يُوشَكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَلَا يَجِدُونَ عَالِمَاً أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ».

وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا تَنْقَضِي السَّاعَةُ حَتَّى يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ إلَى عَالِمِ الْمَدِينَةِ يَطْلُبُونَ عِلْمَهُ». عَلَى الإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حَتَّى إِذَا قِيلَ: هَذَا قَوْلُ عَالِمِ الْمَدِينَةِ، عُلِمَ أَنَّ المُرَادَ هُوَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى.

جُلُوسُهُ للدَّرْسِ وَالإِفْتَاءِ:

وَبَعْدَ أَنِ اكْتَمَلَتْ دِرَاسَةُ الإِمَامِ مَالِكٍ للآثَارِ وَالفُتْيَا، اتَّخَذَ لَهُ مَجْلِسَاً في المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ للدَرْسِ وَالإِفْتَاءِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الذي يَجْلِسُ في مَجْلِسِ هَؤُلَاءِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ الذينَ كَانُوا يُقْصَدُونَ مِنْ مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظٍّ كَبِيرٍ مِنَ العِلْمِ، وَفي حَالٍ مِنَ الإِجْلَالِ وَالاحْتِرَامِ وَالتَّوْقِيرِ تَسْمَحُ لَهُ بِأَنْ يَكُونَ مَقْصِدَ طُلَّابِ الفِقْهِ وَالمُسْتَفْتِينَ، وَمَوْضِعَ ثِقَتِهِمْ، وَيَكُونَ لِكَلَامِهِ مَكَانٌ مِنَ الاعْتِبَارِ.

عِنْدَمَا قَصَدَ إلى الدَّرْسِ وَالإِفْتَاءِ، كَانَ يُحَاوِلُ أَنْ يَسْتَوْثِقَ مِنْ رَأْيِ شُيُوخِهِ فِيهِ وَإِقْرَارِهِمْ بِأَنَّهُ لِذَلِكَ أَهْلٌ، وَقَدْ كَانَتْ تَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ تِلْكَ الكَلِمَةُ الرَّائِعَةُ: لَا خَيْرَ فِيمَنْ يَرَى نَفْسَهُ في حَالٍ لَا يَرَاهُ النَّاسُ لَهَا أَهْلَاً.

وَلَقَدْ قَالَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في هَذَا المَقَامِ وَفي بَيَانِ حَالِهِ عِنْدَمَا نَزَعَتْ نَفْسُهُ إلى الدَّرْسِ وَالإِفْتَاءِ: لَيْسَ كُلُّ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ في المَسْجِدِ للحَدِيثِ وَالفُتْيَا جَلَسَ حَتَّى يُشَاوِرَ فِيهِ أَهْلَ الصَّلَاحِ وَالفَضْلِ وَالجِهَةِ مِنَ المَسْجِدِ، فَإِنْ رَأَوْهُ لِذَلِكَ أَهْلَاً جَلَسَ، وَمَا جَلَسْتُ حَتَّى شَهِدَ لِي سَبْعُونَ شَيْخَاً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ أَنِّي مَوْضِعٌ لِذَلِكَ.

جَلَسَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى للتَّعْلِيمِ بَعْدَ أَنْ نَضَجَ وَاسْتَوَتْ رُجُولَتُهُ في مَسْجِدِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُفْتِي، وَيَرْوِي طُلَّابُ الحَدِيثِ عَنْهُ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مَجْلِسُهُ في المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ هُوَ المَكَانَ الذي كَانَ يَجْلِسُ فِيهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ بَعْدِهِ كَانَ يَجْلِسُ فِيهِ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ للشُّورَى، وَالحُكْمِ وَالقَضَاءِ، وَكَأَنَّ مَالِكَاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ ذَلِكَ المَجْلِسَ يَتَأَثَّرُ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ بَعْدِهِ بِسَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في جُلُوسِهِ.

كَمَا تَأَثَّرَ في فَتَاوِيهِ التي رَوَاهَا ابْنُ المُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنَ التَّابِعِينَ، وَكَأَنَّ تِلْكَ الحَالَ الحِسِّيَّةَ تُوحِي إِلَيْهِ دَائِمَاً بِالأَمْرِ المَعْنَوِيِّ.

وَكَذَلِكَ فَعَلَ في مَسْكَنِهِ، فَقَدْ كَانَ يَسْكُنُ في دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ فَقَدْ جَاءَ في المَدَارِكِ: كَانَتْ دَارُ مَالِكِ ابْنِ أَنَسٍ التي كَانَ يَنْزِلُ بِهَا بِالمَدِينَةِ دَارَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، لِيَقْتَفِيَ بِذَلِكَ أَثَرَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، كَمَا كَانَ يَجْلِسُ في المَسْجِدِ في مَجْلِسِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَارُهُ وَسَكِينَتُهُ أَثْنَاءَ دُرُوسِهِ:

وَقَدِ الْتَزَمَ مَالِكٌ في دَرْسِهِ الوَقَارَ وَالسَّكِينَةَ، وَالابْتِعَادَ عَنْ لَغْوِ القَوْلِ وَمَا لَا يُحْسَنُ بِمِثْلِهِ، وَكَانَ يَرَى ذَلِكَ لَازِمَاً لِطَالِبِ العِلْمِ.

يُرْوَى أَنَّهُ نَصَحَ بَعْضَ أَوْلَادِ أَخِيهِ، فَقَالَ لَهُ: تَعَلَّم لِذَلِكَ العِلْمِ الذي عَلِمْتَهُ السَّكِينَةَ وَالحِلْمَ وَالوَقَارَ.

وَكَانَ يَقُولُ: حَقٌّ عَلَى مَنْ طَلَبَ العِلْمَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ وَخَشْيَةٌ، أَنْ يَكُونَ مُتَّبِعَاً لِآثَارِ مَنْ مَضَى، وَيَنْبَغِي لِأَهْلِ العِلْمِ أَنْ يُخَلُّوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ المُزَاحِ، وَبِخَاصَّةٍ إِذَا ذَكَرُوا العِلْمَ، وَكَانَ يَقُولُ: مِنْ آدَابِ العَالِمِ أَلَّا يَضْحَكَ إِلَّا تَبَسُّمَاً.

وَقَدْ أَخَذَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ أَخْذَاً شَدِيدَاً، حَتَّى أَنَّهُ مَكَثَ يُلْقِي دُرُوسَاً، وَيَرْوِي أَحَادِيثَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ سَنَةٍ، فَمَا عُدَّتْ لَهُ إِلَّا ضِحْكَةٌ أَو ضِحْكَتَانِ، أَو نَحْوُ ذَلِكَ، فَكَانَ لَهُ بِهَذَا السَّمْتِ وَالوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ وَالخَشْيَةِ طَوَالَ تِلْكَ السِّنِينَ، وَلَمْ يَأْخُذْ عَلَيْهِ أَحَدٌ لَغْوَاً في قَوْلٍ، أَو مَزْحَةٍ، أَو تَنَدُّرَاً بِنَادِرَةٍ، بَلْ في كَانَ في دَرْسِهِ، الجِدُّ كُلُّهُ، وَالهُدُوءُ، وَالسُّكُونُ.

وَمَا كَانَ ذَلِكَ فِيهِ لِجَفْوَةٍ في نَفْسِهِ، أَو خُشُونَةٍ في طَبْعِهِ، بَلْ كَانَ يَأْخُذُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ احْتِرَامَاً للدَّرْسِ وَالحَدِيثِ، قَالَ بَعْضُ تَلَامِيذِهِ: كَانَ مَالِكٌ إِذَا جَلَسَ مَعَنَا كَأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنَّا، يَنْبَسِطُ مَعَنَا في الحَدِيثِ، وَهُوَ أَشَدُّ تَوَاضُعَاً مِنَّا لَهُ، فَإِذَا أَخَذَ في الحَدِيثِ ـ أَيْ: حَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ تَهَيَّبْنَا كَلَامَهُ، كَأَنَّهُ مَا عَرَفَنَا وَلَا عَرَفْنَاهُ.

وَلِأَجْلِ ذَلِكَ السَّمْتِ الحَسَنِ، وَلِخَشْيَةِ اللهِ وَإِخْلَاصِهِ في طَلَبِ العِلْمِ وَتَعْلِيمِهِ، وَتقْوَاهُ وَوَرَعِهِ، وَلِبُعْدِهِ عَنِ اللَّغْوِ وَالتَّأْثِيمِ، وَلِمَا خَصَّهُ اللهُ تعالى بِهِ مِنْ قُوَّةِ الرُّوحِ وَعِزَّةِ النَّفْسِ كَانَ ذَا هَيْبَةٍ شَدِيدَةٍ، إِذَا تَكَلَّمَ لَا يُرَاجَعُ، وَإِذَا أَفْتَى لَا يُسْأَلُ مِنْ أَيْنَ هَذَا؟

قَالَ الوَاقِدِيُّ في مَجْلِسِ دَرْسِهِ: كَانَ مَجْلِسُهُ مَجْلِسَ وَقَارٍ وَعِلْمٍ، كَانَ رَجُلَاً مَهِيبَاً نَبِيلَاً، لَيْسَ في مَجْلِسِهِ شَيْءٌ مِنَ المِرَاءِ وَاللَّغَطِ، وَلَا رَفْعِ صَوْتٍ، وَإِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ، فَأَجَابَ سَائِلَهُ، لَمْ يُقَلْ لَهُ: مِنْ أَيْنَ هَذَا؟

تَعْظِيمُهُ للحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

وَكَانَ مَعَ أَنَّهُ النَّبِيلُ ذُو سَمْتٍ حَسَنٍ في عَامَّةِ أَحْوَالِهِ في دَرْسِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ للإِفْتَاءِ في المَسَائِلِ، أَمِ الحَدِيثِ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُعْطِي نَفْسَهُ عِنْدَ التَّحْدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ سَمْتٍ وَأَرْوَعَ مَظْهَرٍ، فَكَانَ إِذَا حَدَّثَ تَوَضَّأَ وَتَهَيَّأَ، وَلَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، وَلَمْ يَكُنْ يَجْلِسُ عَلَى المِنَصَّةِ إِلَّا إِذَا حَدَّثَ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَيَحْكِي تِلْمِيذُهُ مُطَرِّفٌ حَالَهُ عِنْدَمَا انْتَقَلَ دَرْسُهُ إلى بَيْتِهِ، فَيَقُولُ: كَانَ مَالِكٌ إِذَا أَتَاهُ النَّاسُ خَرَجَتْ إِلَيْهِمُ الجَارِيَةُ، فَتَقُولُ لَهُمْ: يَقُولُ لَكُمُ الشَّيْخُ: أَتُرِيدُونَ الحَدِيثَ أَمِ المَسَائِلَ؟ فَإِنْ قَالُوا: المَسَائِلَ، خَرَجَ إِلَيْهِمْ فَأَفْتَاهُمْ، وَإِنْ قَالُوا: الحَدِيثَ، قَالَ لَهُمْ: اجْلِسُوا، وَدَخَلَ مُغْتَسَلَهُ، فَاغْتَسَلَ وَتَطَيَّبَ وَلَبِسَ ثِيَابَاً جُدُدَاً، وَلَبِسَ سَاجَةً (لِبَاسٌ للرَّأْسِ كَلِبَاسِ المُلُوكِ) وَتَعَمَّمَ، وَتُلْقَى لَهُ المِنَصَّةُ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ قَدْ لَبِسَ، وَتَطَيَّبَ، وَعَلَيْهِ الخُشُوعُ، وَيُوضَعُ عُودٌ، فَلَا يَزَالُ يَبْخُرُ، حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ حَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. اهـ.

وَكَأَنَّ الإِمَامَ مَالِكَاً كَانَ يَسْتَعِدُّ للحَدِيثِ الشَّرِيفِ كَمَا يَسْتَعِدُّ المَرْءُ لِاسْتِقْبَالِ الزَّائِرِ الكَرِيمِ، فَيَتَلَقَّاهُ مِنْ بَابِ الدَّارِ، أَو كَمَا يَتَلَقَّى الوَافِدَ مِنْ أَسْوَارِ وَمَدَاخِلِ المَدِينَةِ.

كَثِيرَاً مَا يَقُولُ: لَا أَدْرِي:

وَقَدْ كَانَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: لَا أَدْرِي، وَكَانَ يُعْقِبُ كَثِيرَاً مِنْ فَتْوَاهُ ﴿...إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾.

وَلَقَدْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: سَأَلَ رَجُلٌ مَالِكَاً عَنْ مَسْأَلَةٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ أَرْسَلَ فِيهَا مِنْ مَسِيرَةِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ المَغْرِبِ، فَقَالَ لَهُ: أَخْبِرِ الذي أَرْسَلَكَ أَنَّ لَا عِلْمَ لِي بِهَا، فَقَالَ: وَمَنْ يَعْلَمُهَا؟ قَالَ: الذي عَلَّمَهُ اللهُ.

وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ اسْتَوْدَعَهُ إِيَّاهَا أَهْلُ المَغْرِبِ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي، مَا ابْتُلِينَا بِهَذِهِ المَسْأَلَةِ في بَلَدِنَا، وَمَا سَمِعْنَا أَحَدَاً مِنْ أَشْيَاخِنَا تَكَلَّمَ فِيهَا، وَلَكِنْ تَعُودُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ جَاءَهُ، وَقَدْ حَمَلَ ثِقَلَهُ عَلَى بَغْلَةٍ يَقُودُهَا، فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: سَأَلْتَنِي، وَمَا أَدْرِي مَا هِيَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تَرَكْتُ خَلْفِي مَنْ يَقُولُ: لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْكَ، فَقَالَ مَالِكٌ غَيْرَ مُسْتَوْحِشٍ: إِنِّي لَا أُحْسِنُ.

أَقْوَالُ بَعْضِ العُلَمَاءِ في الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إذَا جَاءَ الْأَثَرُ فَمَالِكٌ النَّجْمُ.

وَقَالَ أَيْضَاً: إذَا ذُكِرَ الْعُلَمَاءُ فَمَالِكٌ النَّجْمُ، وَمَا أَحَدٌ أَمَنُّ عَلَيَّ فِي دِينِ اللهِ مِنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ؛ وَقَالَ: مَالِكٌ أُسْتَاذِي، وَعَنْهُ أَخَذْنَا الْعِلْمَ، وَمَا أَحَدٌ أَمَنُّ عَلَيَّ مِنْ مَالِكٍ، وَجَعَلْتُ مَالِكَاً حُجَّةً بَيْنِي وَبَيْنَ اللهِ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ آمَنُ عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ.

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: مَالِكٌ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.

وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: كَانَ مَالِكٌ مِنْ حُجَجِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ.

فَضْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:

وَسُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَنْ أَعْلَمُ أَمَالِكٌ أَوْ أَبُو حَنِيفَةَ؟

قَالَ: مَالِكٌ أَعْلَمُ مِنْ أُسْتَاذِي أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ إمَامٌ فِي الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ، وَمَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ آمَنُ عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَالِكٍ، وَلَا أُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَحَدَاً فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدَاً مِثْلَهُ.

وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ خَلَفِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: مَا أَجَبْتُ فِي الْفُتْيَا حَتَّى سَأَلْتُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي هَلْ يَرَانِي مَوْضِعَاً لِذَلِكَ.

سَأَلْتُ رَبِيعَةَ وَسَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ فَأَمَرَانِي بِذَلِكَ.

فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَلَوْ نَهَوْك؟

قَالَ: كُنْت أَنْتَهِي؛ لَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ أَهْلَاً لِشَيْءٍ حَتَّى يَسْأَلَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ. اهـ.

وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: قَالَ الْقَرَافِيُّ: مَا أَفْتَى مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى حَتَّى أَجَازَهُ أَرْبَعُونَ مُحَنَّكَاً.

وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَيُّهُمَا أَعْلَمُ صَاحِبُنَا أَمْ صَاحِبُكُمْ، يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ أَوْ مَالِكَاً؟

فَقَالَ: قُلْتُ: أَعَلَى الْإِنْصَافِ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: قُلْتُ: فَأُنْشِدُكَ اللهَ، مَنْ أَعْلَمُ بِالْقُرْآنِ أَصَاحِبُنَا أَمْ صَاحِبُكُمْ؟

قَالَ: اللَّهُمَّ صَاحِبُكُمْ.

قُلْتُ: فَأُنْشِدُكَ اللهَ، مَنْ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ صَاحِبُنَا أَمْ صَاحِبُكُمْ؟

قَالَ اللَّهُمَّ صَاحِبُكُمْ.

قَالَ: قُلْتُ: فَأُنْشِدُكَ اللهَ، مَنْ أَعْلَمُ بِأَقَاوِيلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْمُتَقَدِّمِينَ أَصَاحِبُنَا أَمْ صَاحِبُكُمْ؟

قَالَ: اللَّهُمَّ صَاحِبُكُمْ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُلْتُ: فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقِيَاسُ، وَالْقِيَاسُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ تَقِيسُ؟

وَصِيَّةُ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:

قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَوْصِنِي.

فَقَالَ: إذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ مِنْ طَاعَةِ اللهِ فَلَا تَحْبِسْهُ فَوَاقَاً حَتَّى تُمْضِيَهُ، فَإِنَّكَ لَا تَأْمَنُ الْأَحْدَاثَ، وَإِذَا هَمَمْتَ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تُمْضِيَهُ وَلَوْ فَوَاقَاً، فَلَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ لَكَ تَرْكَهُ، وَلَا تَسْتَحْيِي إذَا دُعِيتَ لِأَمْرٍ لَيْسَ بِحَقٍّ أَنْ تَعْمَلَ الْحَقَّ، وَاقْرَأْ: ﴿وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾.

وَطَهِّرْ ثِيَابَكَ وَنَقِّهَا مِنْ مَعَاصِي اللهِ، وَعَلَيْكَ بِمَعَالِي الْأُمُورِ وَكِبَارِهَا وَاتَّقِ رَذَائِلَهَا وَسَفَاسِفَهَا، فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، وَأَكْثِرْ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ، وَاجْتَهِدْ فِي الْخَيْرِ، وَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ.

وَقَالَ: كَثْرَةُ الْكَلَامِ تَمُجُّ الْعَالِمَ وَتُذِلُّهُ وَتُنْقِصُهُ، وَمَنْ عَمِلَ هَذَا ذَهَبَ بَهَاؤُهُ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ إلَّا فِي النِّسَاءِ وَالصِّغَارِ.

وَرَعُهُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:

قَالَ الْوَاقِدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: كَانَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى يَأْتِي الْمَسْجِدَ وَيَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَالْجَنَائِزَ، وَيَعُودُ الْمَرْضَى، وَيَقْضِي الْحُقُوقَ، وَيُجِيبُ الدَّعْوَةَ، ثُمَّ تَرَكَ الْجُلُوسَ فِي الْمَسْجِدِ، فَكَانَ يُصَلِّي وَيَنْصَرِفُ، ثُمَّ تَرَكَ عِيَادَةَ الْمَرْضَى وَشُهُودَ الْجَنَائِزِ، فَكَانَ يَأْتِي أَصْحَابَهَا فَيُعَزِّيهِمْ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَلَمْ يَكُنْ يَشْهَدُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا الْجُمُعَةَ، وَلَا يَأْتِي أَحَدَاً يُعَزِّيهِ، وَلَا يَقْضِي لَهُ حَقَّاً؛ فَاحْتَمَلَ النَّاسُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ، وَكَانَ رُبَّمَا قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَيَقُولُ: لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِعُذْرِهِ.

فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ سُئِلَ عَنْ تَخَلُّفِهِ عَنِ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ سَبْعَ سِنِينَ قَبْلَ مَوْتِهِ؟

فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا وَأَوَّلِهِ مِنَ الْآخِرَةِ مَا أَخْبَرْتُكُمْ، بِي سَلَسُ بَوْلٍ، فَكَرِهْتُ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ عِلَّتِي فَأَشْكُوَ رَبِّي.

وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ كُلُّنَا عَلَى خَيْرٍ:

وَقَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُوَطَّإِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ: كَتَبَ عَبْدُ اللهِ العُمَرِيُّ إلَى مَالِكٍ يَحُضُّهُ عَلَى الانْفِرَادِ وَالْعَمَلِ وَتَرْكِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ.

فَكَتَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ: إنَّ اللهَ قَسَّمَ الْأَعْمَالَ كَمَا قَسَّمَ الْأَرْزَاقَ، فَرُبَّ رَجُلٍ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ، وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ، وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الْجِهَادِ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَنَشْرُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرِّ، وَقَدْ رَضِيتُ بِمَا فَتَحَ اللهُ لِي مِنْ ذَلِكَ، وَمَا أَظُنُّ مَا أَنَا فِيهِ بِدُونِ مَا أَنْتَ فِيهِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ كُلُّنَا عَلَى خَيْرٍ، وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللهُ لَهُ؛ وَالسَّلَامُ. اهـ.

وَفَاةُ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:

تُوُفِّيَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ، عَنْ عُمُرٍ بَلَغَ سِتَّاً وَثَمَانِينَ عَامَاً، وَكَانَ ذَلِكَ في رَبِيعِ الأَوَّلِ، يَوْمَ الأَحَدِ، لِتَمَامِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمَاً مِنْ مَرَضِهِ.

وَغَسَّلَهُ ابْنُ أَبِي زَنْبَرَ وَابْنُ كِنَانَةَ، وَابْنُهُ يَحْيَى وَكَاتِبُهُ حَبِيبُ يَصُبَّانِ عَلَيْهِمَا المَاءَ، وَأَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ في ثِيَابٍ بِيضٍ، وَأَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ في مَوْضِعِ الجَنَائِزِ.

قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُوَيْسٍ: مَرِضَ مَالِكٌ فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَهْلِنَا عَمَّا قَالَ عِنْدَ المَوْتِ، قَالُوا: تَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: ﴿للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾.

وَنَقَلَ القَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ أَسَدَ بْنَ الفُرَاتِ قَالَ: رَأَيْتُ مَالِكَاً بَعْدَ مَوْتِهِ، وَعَلَيْهِ طَوِيلَةٌ وَثِيَابٌ خُضْرٌ وَهُوَ عَلَى نَاقَةٍ، يَطِيرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَلَيْسَ قَدْ مِتَّ؟

قَالَ: بَلَى.

فَقُلْتُ: فَإِلَامَ صِرْتَ؟

فَقَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَبِّي وَكَلَّمَنِي كِفَاحَاً، وَقَالَ: سَلْنِي أُعْطِكَ، وَتَمَنَّ عَلَيَّ أُرْضِكَ.

وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمَدَارِكِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَتْ لِي عَمَّتِي: وَنَحْنُ بِمَكَّةَ رَأَيْتُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ عَجَبَاً.

قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟

قَالَتْ: كَأَنَّ قَائِلَاً يَقُولُ: مَاتَ اللَّيْلَةَ أَعْلَمُ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَحَسَبْنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَإِذَا هِيَ لَيْلَةُ مَاتَ مَالِكٌ.

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدِ اخْتَلَفَ عَلَيْنَا مَالِكٌ وَاللَّيْثُ فَأَيُّهُمَا أَعْلَمُ؟

فَقَالَ: مَالِكٌ وَرِثَ وَجْدِي؛ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَعْنَاهُ وَارِثُ عِلْمِي.

رَحِمَهُ اللهُ تعالى رَحْمَةً وَاسِعَةً، وَحَشَرَنَا مَعَهُ تَحْتَ لِوَاءِ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

السبت: 9/ جمادى الأولى /1441هـ، الموافق: 4/ كانون الثاني / 2020م

 2020-01-16
 951
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  باب التراجم

16-01-2020 2696 مشاهدة
24ـ الإمام مالك وكتابه الموطأ

الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى كَانَ مِنْ سِمَاتِهِ أَنَّهُ يُجِيبُ عَمَّا يَقَعُ، وَكَانَ تَلَامِيذُهُ يَجْتَهِدُونَ أَحْيَانَاً أَنْ يَحْمِلُوهُ عَلَى الإِجَابَةِ عَنْ أُمُورٍ لَمْ تَقَعْ، فَلَا يُطَاوِعُهُمْ، وَلَا يُسَاقُ وَرَاءَ ... المزيد

 16-01-2020
 
 2696
16-01-2020 6575 مشاهدة
22- الإمام النووي رَحِمَهُ اللهُ تعالى

فَلَقَد رَأَيْتُ لِزَامَاً عَلَيَّ بَعْدَ أَنْ أَكْرَمَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِقِرَاءَةِ كِتَابِ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ للإِمَامِ الجَلِيلِ، وَالعَارِفِ بِاللهِ تعالى، التَّقِيِّ النَّقِيِّ الصَّالِحِ المُخْلِصِ المُخْلَصِ سَيِّدِي وَمَوْلَايَ ... المزيد

 16-01-2020
 
 6575
14-01-2020 948 مشاهدة
21ـ الشيخ جميل العقاد رَحِمَهُ اللهُ تعالى (1)

هُوَ الشَّيْخُ جَمِيل بْنُ الشَّيْخِ مُحَمَّد ياسين العَقَّاد، وُلِدَ في حَيِّ الجَلُّومِ بِمَدِينَةِ حَلَبَ، مِنْ أَبَوَيْنِ كَرِيمَيْنِ وَأُسْرَةٍ ذَاتِ عِلْمٍ وَدِينٍ، فَقَدْ كَانَ وَالِدُهُ الشَّيْخُ مُحَمَّد يَاسِين إِمَامَاً وَخَطِيبَاً ... المزيد

 14-01-2020
 
 948
14-01-2020 1773 مشاهدة
20ـ الشيخ محمد نجيب خياطة رَحِمَهُ اللهُ تعالى

هُوَ الشَّيْخُ مُحَمَّد نَجِيب بْنُ مُحَمَّد بْنِ مُحَمَّد بْنِ عُمَر خَيَّاطَة الشَّهِيرُ بِآلا، وُلِدَ في حَيِّ الجَلُّومِ بِمَدِينَةِ حَلَبَ في شَهْرِ رَمَضَانَ عَامَ 1321هـ الموافق 1905م؛ لَمْ يَكُنْ وَالِدُهُ عَالِمَاً، لَكِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ ... المزيد

 14-01-2020
 
 1773
14-01-2020 1374 مشاهدة
19ـ الشيخ أحمد المكتبي الكبير رَحِمَهُ اللهُ تعالى

هُوَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ ابْنُ الحَاجِّ مُصْطَفى بْنِ الشَّيْخِ عَبْدِ الوَهَّابِ بْنِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ بْنِ الشَّيْخِ مُحَمَّد الشَّهِيرِ بِالمَكْتَبِيِّ، العَالِمُ العَامِلُ وَالجَهْبَذُ الكَامِلُ، المُحَدِّثُ النَّحْوِيُّ الأُصُولِيُّ، ... المزيد

 14-01-2020
 
 1374
14-01-2020 1633 مشاهدة
18ـ الشيخ أحمد الحجار رَحِمَهُ اللهُ تعالى

هُوَ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشِّهَابِ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ شَنُّون الحَجَّارُ الحَلَبِيُّ، نَشَأَ الشَّيْخُ في حِجْرِ أَبِيهِ وَكَانَ أَبُوهُ مِنَ الصَّالِحِينَ، يَتَّصِلُ نَسَبُهُ بِالسَّادَةِ الأَشْرَافِ مِنْ أَهْلِ ... المزيد

 14-01-2020
 
 1633

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413311927
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :