693ـ خطبة الجمعة: الخير كل الخير في التقوى

693ـ خطبة الجمعة: الخير كل الخير في التقوى

693ـ خطبة الجمعة: الخير كل الخير في التقوى

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: مَا مِنْ خَيْرٍ عَاجِلٍ وَلَا آجِلٍ، وَلَا ظَاهِرٍ وَلَا باطِنٍ، إِلَّا بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا مِنْ شَرٍّ عَاجِلٍ وَلَا آجِلٍ، وَلَا ظَاهِرٍ وَلَا باطِنٍ، إِلَّا وَتَقْوَى اللهِ حِرْزٌ مِنْهُ حَصِينٌ، وَدِرْعٌ مِنْهُ مَكِينٌ.

تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَصِيَّةُ اللهِ تعالى للأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيدًا﴾.

وَهِيَ وَصِيَّةُ اللهِ تعالى لِسَيِّدِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَسَيِّدِ الأَتْقِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ﴾.

تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ هِيَ دَعْوَةُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، فَمَا مِنْ نَبِيٍّ وَلَا رَسُولٍ إِلَّا قَالَ لِقَوْمِهِ: ﴿أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾.

تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ هِيَ عُنْوَانُ الوِلَايَةِ للهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾.

الخَيْرُ كُلُّ الخَيْرِ في التَّقْوَى:

يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ تَدَبَّرَ آيَاتِ اللهِ تعالى في كِتَابِهِ العَظِيمِ فَإِنَّهُ يَجِدُ الخَيْرَ كُلَ الخَيْرِ في التَّقْوَى، مِنْ خَيْرَاتِ هَذِهِ التَّقْوَى:

أولًا: التَّقْوَى سَبَبٌ عَظِيمٌ مِنْ أَسْبَابِ العِلْمِ النَّافِعِ، قَالَ تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ﴾. وَرَحِمَ اللهُ تعالى الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ عِنْدَمَا قَالَ:

شَكَوْتُ إلى وَكيعٍ سُوءَ حِفْظِي   ***   فَأَرْشَدَنِي إِلى تَرْكِ المَعاصِي

وَأَخْـبَـرَنِي بِأَنَّ الـعِـلْـــمَ نُورٌ    ***   وَنُـورُ اللهِ لَا يُهْدَى لِعَاصِي

ثانيًا: التَّقْوَى تَجْعَلُ العَبْدَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ، وَخَاصَّةً أَيَّامَ الفِتَنِ، وَتَجْعَلُهُ في نُورٍ يَـمْشِي بِهِ في ظُلُمَاتِ الفِتَنِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

ثالثًا: التَّقْوَى سَبَبٌ لِقَبُولِ الأَعْمَالِ عِنْدَ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْـمُتَّقِينَ﴾.

رابعًا: التَّقْوَى تَجْعَلُ العَبْدَ عِنْدَ اللهِ تعالى مُكَرَّمًا، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾.

خامسًا: التَّقْوَى سَبَبٌ للفَلَاحِ وَالنَّجَاحِ يَوْمَ القِيَامَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾.

سادسًا: التَّقْوَى سَبَبٌ للحِفْظِ مِنَ السُّوءِ، وَنَفْيِ الحُزْنِ، قَالَ تعالى: ﴿وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: وَنَحْنُ نَعِيشُ هَذِهِ الأَزْمَةَ القَاسِيَةَ، حَيْثُ تَكَالَبَ عَلَى هَذَا البَلَدِ الشَّرْقُ وَالغَرْبُ، وَأَعْدَاءُ هَذَا الدِّينِ يَكِيدُونَ لِهَذَا البَلَدِ كَيْدًا وَمَكْرًا يُزِيلُ الجِبَالَ؛ لَقَد انْقَطَعَتْ حِيَلُنَا، وَضَاقَتْ عَلَيْنَا الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَمَا هُوَ عِلَاجُنَا؟

عِلَاجُنَا يَا عِبَادَ اللهِ، هُوَ الْتِزَامُ آيَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَلَا وَهِيَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾.

اصْبِرْ يَا أَيُّهَا المُتَّقِي المُحْسِنُ، وَلَا تَكُ في ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُ الشَّرْقُ وَالغَرْبُ، فَاللهُ تعالى مَعَكَ مَعِيَّةً خَاصَّةً.

لِذَلِكَ أَقُولُ: يَا أَهْلَ بَلَدِي الحَبِيبِ، الْتَزِمُوا التَّقْوَى سِرًّا وَجَهْرًا، الْزَمُوا التَّقْوَى في تَعَامُلِكُمْ مَعَ بَعْضِكُمْ، وَالْزَمُوا الإِحْسَانَ لِبَعْضِكُمْ، فَإِنْ كُنَّا كَذَلِكَ فَاللهُ تعالى مَعَنَا مَعِيَّةً خَاصَّةً، وَمَنْ كَانَ اللهُ تعالى مَعَهُ كَيْفَ يَحْزَنُ ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى وَالإِحْسَانِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 13/ جمادى الآخرة /1441هـ، الموافق: 7/ شباط / 2020م

 2020-02-07
 6705
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 125 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 125
12-04-2024 744 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 744
09-04-2024 583 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 583
04-04-2024 699 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 699
28-03-2024 597 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 597
21-03-2024 1051 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1051

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413031178
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :