4ـ مَا جَاءَ فِي دُلُوكِ الشَّمْسِ وَغَسَقِ اللَّيْلِ

4ـ مَا جَاءَ فِي دُلُوكِ الشَّمْسِ وَغَسَقِ اللَّيْلِ

4ـ مَا جَاءَ فِي دُلُوكِ الشَّمْسِ وَغَسَقِ اللَّيْلِ

مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ العِلْمُ بِدُخُولِ الوَقْتِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾ [الإسراء: 78].

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ البَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الأُولَى مِنْهُمَا حِينَ كَانَ الفَيْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ صَلَّى الفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الفَجْرُ، وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ، وَصَلَّى المَرَّةَ الثَّانِيَةَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ العَصْرِ بِالأَمْسِ، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الأَوَّلِ، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ الآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتِ الأَرْضُ، ثُمَّ التَفَتَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا وَقْتُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَالوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ» رواه الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَقَدْ أَجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ مُؤَقَّتَةٌ بِمَوَاقِيتَ مَعْلُومَةٍ، لَا تَصِحُّ قَبْلَهَا، وَيَفُوتُ أَدَاؤُهَا بِخُرُوجِهَا، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِهَا أَوَّلَ أَوْقَاتِهَا فِي حَقِّ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ عِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّهَا تَجِبُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ وُجُوباً مُوَسَّعاً بِشَرْطِ أَنْ يَعْزِمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى فِعْلِهَا فِيهِ، أَيْ إنَّ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى أَنْ يَبْقَى مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ لِأَدَائِهَا فَقَطْ، فَيَجِبُ حِينَئِذٍ أَدَاؤُهَا فَوْراً وَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا، وَلَا يَأْثَمُ مَا بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا وَإِنْ مَاتَ فِيهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ وَالأَمْرُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ.

قَوْلُهُ تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ يَعْنِي: أَقِمِ الصَّلَاةَ مِنْ وَقْتِ زَوَالِ الشَّمْسِ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ لِجِهَةِ الغَرْبِ.

وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ يَعْنِي: إلى شِدَّةِ ظُلْمَتِهِ.

وَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ شَمَلَتْ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ وَالمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ.

وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾ شَمَلَتْ صَلَاةَ الفَجْرِ.

وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ في بَيَانِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، ذَكَرَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى تَفْسِيرَهُ في المَوَاقِيتِ.

الحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ

قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا كَانَ يَقُولُ: دُلُوكُ الشَّمْسِ: مَيْلُهَا.

الشَّرْحُ:

قَوْلُ سَيِّدِنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: دُلُوكُ الشَّمْسِ: مَيْلُهَا. يَعْنِي وَقْتَ الزَّوَالِ؛ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إلى أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ.

وَهُنَاكَ بَعْضُ الفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ بِأَنَّ دُلُوكَ الشَّمْسِ غُرُوبُهَا، فَتَدْخُلُ فِيهَا صَلَاةُ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ، وَأَمَّا وَقْتُ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ﴾ [هود: 114]. حَيْثُ تَدْخُلُ في الطَّرَفِ الأَوَّلِ صَلَاةُ الفَجْرِ، وَفي الطَّرَفِ الثَّانِي صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ.

لِأَنَّ النَّهَارَ قِسْمَانِ غَدَاةٌ وَعَشِيٌّ، وَالغَدَاةُ اسْمٌ لِأَوَّلِ النَّهَارِ إلى وَقْتِ الزَّوَالِ، وَمَا بَعْدَهُ الـعَشِيُّ، فَدَخَلَ في طَرَفَيِ النَّهَارِ الفَجْرُ وَالظُّهْرُ وَالعَصْرُ.

وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: 114]. دَخَلَ فِيهِ وَقْتُ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ، لِأَنَّهُمَا يُؤَدَّيَانِ في زُلَفِ اللَّيْلِ وَهِيَ سَاعَاتُهُ.

وَقِيلَ: الدُّلُوكُ مِنَ الدَّلْكِ، لِأَنَّ النَّاظِرَ إلى الشَّمْسِ عِنْدَ زَوَالِهَا عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ يُدَلِّكُ عَيْنَيْهِ لِدَفْعِ شُعَاعِهَا.

وَاللَّامُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿لِدُلُوكِ﴾ تُفِيدُ التَّأْقِيتَ.

يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

بِأَنَّ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ التي فَرَضَهَا عَلَيْنَا مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ جُمِعَتْ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾ [الإسراء: 78].

الحَدِيثُ العِشْرُونَ

قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا كَانَ يَقُولُ: دُلُوكُ الشَّمْسِ: إِذَا فَاءَ الْفَيْءُ. وَغَسَقُ اللَّيْلِ: اجْتِمَاعُ اللَّيْلِ وَظُلْمَتُهُ.

الشَّرْحُ:

قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ) هُوَ عِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَقَدْ أَبْهَمَهُ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى لِمَا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنَ القَوْلِ بِرَأْيِ الخَوَارِجِ.

وَقَدْ نَفَى الإِمَامُ الذَّهَبِيُّ وَابْنُ حَجَرٍ هَذِهِ التُّهْمَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَأَفَاضُوا في تَفْنِيدِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ، وَهَذِهِ التُّهْمَةِ التي أُلْصِقَتْ بِهِ؛ وَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ الإِمَامُ: (أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ) لِأَنَّ الإِمَامَ مَالِكاً رَحِمَهُ اللهُ تعالى عُرِفَ مِنْ مَنْهَجِهِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي عَنْ مُبْتَدِعٍ، وَبَعْدَ أَنْ ثَبَتَتْ عِنْدَ الإِمَامِ بَرَاءَةُ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا صَرَّحَ بِذِكْرِ اسْمِهِ فِيمَا بَعْدُ؛ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشُرَّاحُ عِنْدَ هَذَا الحَدِيثِ، وَلَكِنْ وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ، هَذَا الإِبْهَامُ يُنْسَبُ لِدَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، الذي رَوَى عَنْهُ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى.

قَوْلُهُ: (أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا) هُوَ الحَبْرُ العَظِيمُ، ابْنُ عَمِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وُلِدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سَنَوَاتٍ، وَكَانَ بَنُو هَاشِمٍ مُحَاصَرِينَ في الشِّعْبِ.

كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا تَرْجُمَانَ القُرْآنِ، وَذَا مَنَاقِبَ جَمَّةٍ عَظِيمَةٍ، وَاسِعَ العِلْمِ فَقِيهاً مُحَدِّثاً، قَالَ فِيهِ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «نِعْمَ تَرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ» رواه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.

مَعَ العِلْمِ أَنَّ عُمُرَهُ كَانَ عِنْدَ وَفَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ عَـشْرَةَ سَنَةً، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.

قَوْلُهُ: (دُلُوكُ الشَّمْسِ: إِذَا فَاءَ الْفَيْءُ) وَهُوَ رُجُوعُ الظِّلِّ عَنِ المَغْرِبِ إلى المَشْرِقِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الزَّوَالِ، وَيَنْتَهِي عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.

قَوْلُهُ: (وَغَسَقُ اللَّيْلِ: اجْتِمَاعُ اللَّيْلِ وَظُلْمَتُهُ) الغَسَقُ هُوَ أَوَّلُ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ.

يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

مَا قَالَهُ الإِمَامُ الزُّرْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: هَذِهِ الآيَةُ ـ يَعْنِي قَوْلَهُ تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾ ـ إِحْدَى الآيَاتِ التي جَمَعَتِ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ، فَدُلُوكُ الشَّمْسِ إِشَارَةٌ إلى الظُّهْرَيْنِ، وَغَسَقُ الَّيْلِ إِشَارَةٌ إلى العِشَاءَيْنِ، وَقُرْآنُ الفَجْرِ إلى صَلَاةِ الصُّبْحِ.

5ـ جَامِعُ الوُقُوتِ

يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى مِنْ رِوَايَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ في مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ.

الحَدِيثُ الحَادِي وَالعِشْرُونَ

قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ».

الشَّرْحُ:

قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ». اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ في المُرَادِ بِالفَوَاتِ في هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ.

1ـ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا في حَقِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ العَصْرَ في وَقْتِهَا المُخْتَارِ.

2ـ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا في حَقِّ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ العَصْرِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ.

3ـ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا في حَقِّ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ العَصْرِ في جَمَاعَةٍ.

4ـ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا في حَقِّ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ العَصْرِ نَاسِياً، لِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الأَسَفِ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الثَّوَابِ لِمَنْ صَلَّاهَا.

5ـ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا في حَقِّ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ العَصْرِ عَامِداً.

قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ». يَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: رُوِيَ بِنَصْبِ اللَّامَيْنِ وَرَفْعِهِمَا، وَالنَّصْبُ هُوَ الصَّحِيحُ المَشْهُورُ. اهـ.

فَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» أَيْ: مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ العَصْرِ فَهُوَ كَالذي أُصِيبَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ إِصَابَةً يَطْلُبُ بِهَا وَتْرَاً ـ وَالوَتْرُ يَعْنِي طَلَبَ الثَّأْرِ ـ فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ غَمَّانِ، غَمُّ المُصِيبَةِ، وَغَمُّ طَلَبِ الثَّأْرِ.

يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

صَلَاةُ العَصْرِ لَهَا أَهَمِّيَّةٌ خَاصَّةٌ، لِزِيَادَةِ فَضْلِهَا، وَكَوْنِهَا الوُسْطَى عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رواه الإمام أحمد عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: «شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْـعَصْرِ، مَلَأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَاراً».

وفي رِوَايَةٍ للإمام البخاري عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَلَأَ اللهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً، شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ».

وروى الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةُ الوُسْطَى صَلَاةُ العَصْرِ».

وَمِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَى أَهَمِّيَّةِ صَلَاةِ العَصْرِ مَا رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي المَلِيحِ قَالَ: كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلَاةِ العَصْرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ».

يَعْنِي: مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ العَصْرِ مُتَعَمِّداً، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، يَعْنِي: فَقَدَ ثَوَابَ عَمَلِهِ، عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ.

أَو فَكَأَنَّمَا حَبِطَ عَمَلُهُ؛ هَذَا كَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ».

قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟

قَالَ: «يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئاً، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْراً قَطُّ».

فَالأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ لَا يُحْبِطُهَا إِلَّا الكُفرُ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

أَو يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَنْ تَرْكَ صَلَاةَ العَصْرِ مُسْتَحِلّاً للتَّرْكِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، لِأَنَّ اسْتِحْلَالَ تَرْكِ الفَرَائِضِ رِدَّةٌ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ»، وَالشَّاهِدُ: النَّجْمُ.

قَوْلُهُ: (بِالْمُخَمَّصِ) اسْمُ طَرِيقٍ مَعْرُوفٍ.

قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى.

قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَضَيَّعُوهَا» أَيْ: مَا قَامُوا بِحَقِّهَا، وَمَا حَافَظُوا عَلَى مُرَاعَاتِهَا، فَأَهْلَكَهُمُ اللهُ تعالى، فَاحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ، وَلِذَا قَالَ تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾. أَيْ: صَلَاةُ العَصْرِ عَلَى الصَّحِيحِ خُصَّتْ بِالمُحَافَظَةِ.

قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ» إِحْدَاهُمَا للمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، خِلَافاً لِمَنْ قَبْلَهُمْ.

وَثَانِيَتُهُمَا: أَجْرُ عَمَلِهِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: مَرَّةً لِفَضْلِهَا لِأَنَّهَا الوُسْطَى، وَمَرَّةً للمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا» فَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ بَعْدَ أَدَاءِ فَرِيضَةِ العَصْرِ.

قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ» الشَّاهِدُ النَّجْمُ، وَسُمِّيَ شَاهِداً لِأَنَّهُ يَشْهَدُ اللَّيْلَ، أَيْ: يَحْضُرُ وَيَظْهَرُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِصَلَاةِ المَغْرِبِ: صَلَاةُ الشَّاهِدِ.

وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الاسْتِعَارَةِ، شَبَّهَ النَّجْمَ عِنْدَ طُلُوعِهِ عَلَى وُجُودِ اللَّيْلِ بِالشَّاهِدِ، الذي تُثَبَّتُ بِهِ الدَّعَاوِي.

وروى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ وَصَلَاةِ الـعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ».

فَصَلَاةُ العَصْرِ لَهَا أَهَمِّيَّتُهَا الخَاصَّةُ، وَلِهَذَا جَاءَ الوَعِيدُ في حَقِّ تَارِكِهَا، وَقِيلَ: هَذَا الوَعِيدُ يَشْمَلُ كُلَّ تَارِكٍ للصَّلَاةِ، لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا سَوَاسِيَةٌ.

الحَدِيثُ الثَّانِي وَالعِشْرُونَ

قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْـصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَلَقِيَ رَجُلاً لَمْ يَشْهَدِ الْعَصْرَ، فَقَالَ: مَا حَبَسَكَ عَنْ صَلاةِ الْعَصْرِ؟

فَذَكَرَ لَهُ الرَّجُلُ عُذْراً.

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: طَفَّفْتَ.

قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَيُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ: وَفَاءٌ وَتَطْفِيفٌ.

الشَّرْحُ:

قَوْلُ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (طَفَّفْتَ) بِفَاءَيْنِ يَعْنِي: نَقَّصْتَ نَفْسَكَ حَظَّهَا مِنَ الأَجْرِ لِتَأَخُّرِكَ عَنْ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ، وَالمَقْصُودُ: الجَمَاعَةُ الأُولَى التي تُقَامُ في المَسْجِدِ الذي فِيهِ إِمَامٌ رَاتِبٌ.

قَوْلُ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (وَيُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ: وَفَاءٌ وَتَطْفِيفٌ) هَذِهِ الكَلِمَةُ تُقَالُ في كُلِّ شَيْءٍ مَذْمُومٍ، زِيَادَةً كَانَ أَو نُقْصَاناً، قَالَ تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: 1-6].

يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

حِرْصُ الإِمَامِ عَلَى رَعِيَّتِهِ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُمْ، وَالنُّصْحُ لَهُمْ تَرْغِيباً وَتَرْهِيباً.

الحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالعِشْرُونَ

قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الْمُصَلِّيَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ وَمَا فَاتَهُ وَقْتُهَا، وَلَـمَـا فَاتَهُ مِنْ وَقْتِهَا أَعْظَمُ، أَوْ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ.

الشَّرْحُ:

قَوْلُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ مَوْقُوفٌ لَفْظَاً، مَرْفُوعٌ حُكْماً، لِأَنَّ الأُجُورَ لَا تُدْرَكُ بِالرَّأْيِ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ الْمُصَلِّيَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ وَمَا فَاتَهُ وَقْتُهَا) يَعْنِي: صَلَّاهَا في وَقْتِهَا، وَلَمْ يَخْرُجْ وَقْتُهَا بَعْدُ، إِلَّا أَنَّهُ أَخَّرَهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَـمَـا فَاتَهُ مِنْ وَقْتِهَا) يَعْنِي أَوَّلَ الوَقْتِ أَو أَوْسَطَهُ أَعْظَمُ أَوْ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ.

وَمِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَى أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ مَرْفُوعٌ حُكْماً، مَا رواه الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَقَدْ تَرَكَ مِنَ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ».

وروى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْر المروزيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لِيُصَلِّي الصَّلَاةَ وَمَا فَاتَهُ مِنْ وَقْتِهَا خَيْرٌ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ».

يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

الصَّلَاةُ في أَوَّلِ وَقْتِهَا خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ تعالى، وَخَيْرٌ للمُصَلِّي، وَمَنْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الكَرَاهَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَلَكِنَّهُ فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ خَيْراً كَثِيراً.

الحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالعِشْرُونَ

قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَدْرَكَهُ الْوَقْتُ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ سَاهِياً أَوْ نَاسِياً، حَتَّى قَدِمَ عَلَى أَهْلِهِ، إِنَّهُ إِنْ كَانَ قَدِمَ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ فِي الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي صَلَاةَ المُقِيمِ.

وَإِنْ كَانَ قَدِمَ وَقَدْ ذَهَبَ الْوَقْتُ، فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَقْضِي مِثْلَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ.

قَالَ مَالِكٌ: وَهذَا الْأَمْرُ الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ النَّاسَ، وَأَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا.

الشَّرْحُ:

قَوْلُ الإِمَامِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (مَنْ أَدْرَكَهُ الْوَقْتُ وَهُوَ فِي سَفَرٍ) يَعْنِي السَّفَرَ الذي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ (فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ سَاهِياً) يَعْنِي: شُغِلَ عَنْهَا (أَوْ نَاسِياً) غَافِلاً عَنْهَا (حَتَّى قَدِمَ عَلَى أَهْلِهِ) يَعْنِي وَصَلَ إلى بَلَدِهِ، وَأَتَمَّ سَفَرَهُ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَهْلٌ أَمْ لَا (إِنَّهُ إِنْ كَانَ قَدِمَ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي صَلَاةَ المُقِيمِ) أَيْ: يُتِمُّ صَلَاتَهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ القَصْرُ، لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيماً.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ قَدِمَ وَقَدْ ذَهَبَ الْوَقْتُ) أَيْ: خَرَجَ الوَقْتُ (فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ) أَيْ: مَقْصُورَةً (لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَـقْضِي مِثْلَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ).

قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (وَهذَا الْأَمْرُ الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ النَّاسَ، وَأَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) يَعْنِي: هَذَا الذي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ التَّابِعِينَ، وَهَذَا الذي عَلَيْهِ أَهْلُ المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَاكِنِهَا.

يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ في السَّفَرِ قَضَاهَا في الحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ، لِأَنَّ القَضَاءَ بِحَسَبِ الأَدَاءِ.

وَأَمَّا إِذَا وَصَلَ المُسَافِرُ إلى بَلَدِهِ، وَلَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ التي مَا خَرَجَ وَقْتُهَا بَعْدُ، فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا صَلَاةَ مُقِيمٍ، لِأَنَّ سَفَرَهُ انْتَهَى.

الحَدِيثُ الخَامِسُ وَالعِشْرُونَ

قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ الَّتِي فِي الْمَغْرِبِ؛ فَإِذَا ذَهَبَتِ الْحُمْرَةُ، فَقَدْ وَجَبَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَخَرَجْتَ مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ.

الشَّرْحُ:

قَوْلُ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ الَّتِي فِي الْمَغْرِبِ) يَعْنِي الشَّفَقَ الأَحْمَرَ الذي يَظْهَرُ في الأُفُقِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَبِغِيَابِهِ يَدْخُلُ وَقْتُ العِشَاءِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي العِشَاءَ عِنْدَ مَغِيبِ القَمَرِ في اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ. رواه الإمام أحمد وأبو داود.

وَغِيَابُ القَمَرِ في اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ بِدَايَةِ الشَّهْرِ، هُوَ وَقْتُ مَغِيبِ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ.

وَأَمَّا عِنْدَ السَّادَةِ الحَنَفِيَّةِ، يَدْخُلُ وَقْتُ العِشَاءِ بِغِيَابِ الشَّفَقِ الأَبْيَضِ، وَظُهُورِ السَّوَادِ بَعْدَهُ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا رواه أبو داود عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ .... ثُمَّ قَالَ: وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ حِينَ تَسْقُطُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي الْعِشَاءَ حِينَ يَسْوَدُّ الْأُفُقُ.

وَفي رِوَايَةٍ: «آخِرُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إذَا اسْوَدَّ الْأُفُقُ» كذا في نَصْبِ الرَّايَةِ.

يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

بِغِيَابِ الشَّفَقِ يَخْرُجُ وَقْتُ المَغْرِبِ، وَيَدْخُلُ وَقْتُ العِشَاءِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَكِنَّ الخِلَافَ في غِيَابِ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ أَمِ الأَبْيَضِ؟ فَالذي عَلَيْهِ الجُمْهُورُ بِغِيَابِ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ، وَعِنْدَ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى بِغِيَابِ الشَّفَقِ الأَبْيَضِ، وَالفَرْقُ بَيْنَ الشَّفَقَيْنِ يُقَدَّرُ بِثَلَاثِ دَرَجَاتٍ، وَهِيَ تَعْدِلُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ دَقِيقَةً.

الحَدِيثُ السَّادِسُ وَالعِشْرُونَ

قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ عَقْلُهُ، فَلَمْ يَقْضِ الصَّلَاةَ.

قَالَ مَالِكٌ: وَذلِكَ فِيمَا نَرَى ـ وَاللهُ أَعْلَمُ ـ أَنَّ الْوَقْتَ ذَهَبَ.

فَأَمَّا مَنْ أَفَاقَ وَهُوَ فِي وَقْتٍ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي.

الشَّرْحُ:

قَوْلُ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (وَذلِكَ فِيمَا نَرَى) بِمَعْنَى وَذَلِكَ بِمَا نَعْلَمُ؛ وَرُوِيَتْ بِالضَّمِّ: (وَذلِكَ فِيمَا نُـرَى) يَعْنِي: وَذَلِكَ فِيمَا نَظُنُّ.

قَوْلُهُ: (أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ عَقْلُهُ) أُغْمِيَ عَلَى سَيِّدِنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا مَرَّةً، فَغَابَ عَقْلُهُ بِسَبَبِ الإِغْمَاءِ.

قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَقْضِ الصَّلَاةَ) يَعْنِي: حِينَ أَفَاقَ.

قَوْلُهُ: (وَذلِكَ فِيمَا نَرَى ـ وَاللهُ أَعْلَمُ ـ أَنَّ الْوَقْتَ ذَهَبَ) يَعْنِي: أَنَّ الإِمَامَ مَالِكاً ظَنَّ ظَنّاً أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ ابْنُ عُمَرَ، لِأَنَّ الوَقْتَ قَدْ خَرَجَ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَةَ مَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

قَوْلُهُ: (فَأَمَّا مَنْ أَفَاقَ وَهُوَ فِي وَقْتٍ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي) وُجُوباً، بِسَبَبِ عَوْدَةِ عَقْلِهِ بَعْدَ الإِغْمَاءِ، وَلَمْ يَخْرُجِ الوَقْتُ.

يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

أَنَّ المُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ يَفِيقَ في جُزْءٍ مِنْ وَقْتِهَا، وَيُؤَكِّدُ هَذَا مَا رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يُغْمَى عَلَيْهِ فَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ.

فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَضَاءٌ، إِلَّا أَنْ يُغْمَى عَلَيْهِ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ، فَيَفِيقُ وَهُوَ فِي وَقْتِهَا فَيُصَلِّيهَا». وَهَذَا مَذْهَبُ المَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَفي قَوْلٍ عِنْدَ الحَنَابِلَةِ.

أَمَّا عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ: إِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ قَضَاهَا، وَإِنْ زَادَتْ سَقَطَ فَرْضُ القَضَاءِ.

أَمَّا الحَنَابِلَةُ، فَفِي المَشْهُورِ عِنْدَهُمْ أَنَّ المُغْمَى عَلَيْهِ يَقْضِي جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ التي كَانَتْ في حَالِ إِغْمَائِهِ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُفَقِّهَنَا في الدِّينِ، وَيُعَلِّمَنَا التَّأْوِيلَ، وَيَرْزُقَنَا العَمَلَ بِمَا نَعْلَمُ. آمين.

**    **    **

تاريخ الدرس:

السبت: 21/ جمادى الثاني/1441هـ، الموافق: 15/شباط / 2020م

 2020-02-16
 1859
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  شرح كتاب الموطأ

06-03-2020 1773 مشاهدة
6- الحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالعِشْرُونَ

عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: عَرَّسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَوَكَّلَ بِلَالًا أَنْ يُوقِظَهُمْ لِلصَّلَاةِ. فَرَقَدَ بِلَالٌ، وَرَقَدُوا، ... المزيد

 06-03-2020
 
 1773
06-03-2020 1185 مشاهدة
5ـ النوم عن الصلاة

حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ عَرَّسَ وَقَالَ لِبِلَالٍ: «اكْلَأْ لَنَا الصُّبْحَ». وَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ؛ وَكَلَأَ بِلَالٌ مَا قُدِرَ لَهُ، ثُمَّ اسْتَسْنَدَ إِلَى ... المزيد

 06-03-2020
 
 1185
16-02-2020 1079 مشاهدة
3ـ بَابُ وَقْتِ الجُمُعَةِ

مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الجُمُعَةِ وَوُجُوبِهَا مَعاً دُخُولُ وَقْتِهَا، وَوَقْتُ الجُمُعَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ مِنَ الحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ هُوَ وَقْتُ الظُّهْرِ، فَلَا يَثْبُتُ وُجُوبُهَا، وَلَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا ... المزيد

 16-02-2020
 
 1079
31-01-2020 1500 مشاهدة
2ـ وُقُوتُ الصَّلَاةِ (2)

قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وعَنِ الْأَعْرَجِ، كُلُّهُمْ يُحَدِّثُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ... المزيد

 31-01-2020
 
 1500
31-01-2020 1018 مشاهدة
1ـ كِتَابُ وُقُوتِ الصَّلَاةِ

وُقُوتُ الصَّلَاةِ، وَمَوَاقِيتُ الصَّلَاةِ، وَأَوْقَاتُ الصَّلَاةِ، كُلُّهَا بِمَعْنَىً وَاحِدٍ، يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابَاً مَوْقُوتَاً﴾ [النساء: 103] يَعْنِي: مُؤَقَّتَاً، وَقَّتَهُ اللهُ تعالى ... المزيد

 31-01-2020
 
 1018
19-01-2020 7905 مشاهدة
ت ـ مزايا كتاب الموطأ

كِتَابُ المُوَطَّأِ للإِمَامِ الهُمَامِ حُجَّةِ الإِسْلَامِ سَيِّدِي مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كِتَابٌ لَا مَثِيلَ لَهُ في الفِقْهِ، هَذَا الكِتَابُ المُبَارَكُ جَاءَ فَضْلُهُ بِبَرَكَةِ حَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى ... المزيد

 19-01-2020
 
 7905

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411932839
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :