خطبة الجمعة: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾
مقدمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: مِنَ المُسْتَقِرِّ في العُقُولِ السَّلِيمَةِ أَنَّ لِهَذَا العَالَمِ نِهَايَةً، وَأَنَّ المَوْتَ قَدْ آذَنَ بِرَحِيلِ الدُّنيَا، وَأَنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ في القُبُورِ، وَأَنَّ الكُلَّ عَائِدٌ إلى اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً﴾.
فَيَا عَبدَ اللهِ، إِنْ كُنْتَ عَاقِلاً، قِفْ وَتَأَمَّلْ حَالَكَ وَأَنتَ مَعْرُوضٌ عَلَى الحَقِّ جَلَّ جَلَالُهُ، وَأَنَّكَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا تَخْفَى مِنْكَ خَافِيَةٌ، وَأَنَّ اللهَ سَائِلُكَ لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ.
وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، إِنَّهُ لَأَشَدُّ مَوَاقِفِ القِيَامَةِ هَوْلاً، وَأَعْظَمُهَا فَزَعاً، تَهُونُ عِنْدَهُ زَلْزَلَةُ الأَرْضِ، وتَشَقُّقُ السَّمَاءِ، وَتَدَكْدُكُ الجِبَالِ، وَانْكِدَارُ النُّجُومِ، إِنَّهُ لَمَشْهَدٌ رَهِيبٌ، وَمَوْقِفٌ عَصِيبٌ، عِنْدَمَا يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ للعَرْضِ وَالحِسَابِ.
﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ﴾:
يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَسْتَحْضِرْ جَمِيعاً قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ﴾. وَقَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُم أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
وقَوْلَهُ تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾.
وقَوْلَهُ تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً * ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً * إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً﴾.
وقَوْلَهُ تعالى: ﴿وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾.
مَوْقِفُ عَصِيبٌ:
يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّهُ لَمَوْقِفٌ عَصِيبٌ، أَنْ يَقِفَ الإِنْسَانُ ذَلِكَ المَخْلُوقُ الضَّعِيفُ عَارِياً جَسَدُهُ، مَكْشُوفاً عَمَلُهُ، ظَهَرَ مِنهُ مَا اسْتَتَرَ، ولَمْ يَبْقَ مِنهُ شَيْءٌ إِلَّا وَظَهَرَ، أَمَامَ رُؤُوسِ الأَشْهَادِ مِنْ عَالَمِ الإِنْسِ وَالجِنِّ، وَمِنْ عَالَمِ المَلَائِكَةِ المُقَرَّبِينَ، بَلْ وَأَجَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْظَمُ مُفْتَضَحٌ أَمَامَ رَبِّ العَالَمِينَ.
كَيفَ تَرَى نَفْسَكَ في ذَلِكَ المَوْقِفِ بِلَا سَاتِرٍ يَسْتُرُكَ، وَبِلَا نَاصِرٍ يَنْصُرُكَ ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾؟
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
يَا عِبَادَ اللهِ: تَعَالَوا لِنَتَسَاءَلَ مَعَ أَنْفُسِنَا من أَيِّ الفَرِيقَيْنِ نَحْنُ يَومَ القِيَامَةِ؟
قَالَ تعالى: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾.
وَقَالَ تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾؟
وَقَالَ تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً﴾.
وَقَالَ تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً﴾.
وَقَالَ تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
في الخِتَامِ: لِنَتَذَكَّرْ جَمِيعاً قَوْلَهُ تعالى: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
اللَّهُمَّ لَا تُخْزِنَا يَوْمَ يُبْعَثُونَ. آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
** ** **
تاريخ الخطبة:
الجمعة: 27/ جمادى الآخرة /1441هـ، الموافق: 21/ شباط / 2020م
ارسل إلى صديق |
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد
هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد
هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد
شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد
لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد
فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد