729ـ خطبة الجمعة: لم ولن يموت الإسلام

729ـ خطبة الجمعة: لم ولن يموت الإسلام

729ـ خطبة الجمعة: لم ولن يموت الإسلام

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ المُرَاهَنَةَ عَلَى انْدِثَارِ هَذَا الدِّينِ بِشَعَائِرِهِ العَظِيمَةِ وَفَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ مُرَاهَنَةٌ خَاسِرَةٌ، لَمْ تَفُزْ يَوْمًا مُنْذُ زَمَنِ أَبِي جَهْلٍ إلى يَوْمِنَا هَذَا، وَلَنْ تَفُوزَ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، مُرَاهَنَةٌ خَاسِرَةٌ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. وَلِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.

مُرَاهَنَةٌ خَاسِرَةٌ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِقَوْلِ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» رواه الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

مُرَاهَنَةٌ خَاسِرَةٌ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ لَـيَـتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» رواه الإمام البخاري عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَتَرَاتُ تَمْحِيصٍ:

يَا عِبَادَ اللهِ: وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَمْ وَلَنْ يَمُوتَ الإِسْلَامُ ـ وَأَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُثَبِّتَنَا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ ـ لَكِنَّهُ يَمُرُّ بِفَتَرَاتِ تَمْحِيصٍ ﴿لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾.

يَمُرُّ بِفَتَرَاتِ تَمْحِيصٍ ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾.

يَمُرُّ بِفَتَرَاتِ تَمْحِيصٍ، لِيَنْجُوَ أَهْلُ الصِّدْقِ، وَيَسْقُطَ مَرْضَى القُلُوبِ في أَوْحَالِ الانْتِكَاسَةِ.

نَعَمْ يَمُرُّ بِفَتْرَةِ تَمْحِيصٍ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾.

فَاصْبِرُوا يَا عِبَادَ اللهِ، وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ، فَلَسْنَا نَحْنُ خَيْرًا مِنْ بِلَالٍ وَلَا عَمَّارٍ، وَلَيْسَ نِسَاؤُنَا خَيْرًا مِنْ سُمَيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَلَا مِنَ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: طَبِيعَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا أَنْ تَمُرَّ فِيهَا أَيَّامٌ عِجَافٌ، وَأَنْ تَكُونَ فِيهَا بَعْضُ الفِتَنِ، حَتَّى يَتَجَسَّدَ قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ» رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

نَعَمْ، قَدْ يُحْزِنُكَ الوَاقِعُ، وَتُؤْلِمُكَ المَنَاظِرُ، هَذِهِ المَشَاعِرُ عَظِيمَةٌ عِنْدَ اللهِ تعالى، وَدَلِيلُ خَيْرٍ وَقَرَ في قَلْبِكَ، فَلَا تُذْهِبْ هَذَا الخَيْرَ الذي أَكْرَمَكَ اللهُ تعالى بِهِ بِمَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، وَبِاسْتِحْلَالِ مَا حَرَّمَ اللهُ تعالى عَلَيْكَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: في أَيَّامِ الأَزَمَاتِ وَالفِتَنِ وَالمِحَنِ لَا تَغْتَرُّوا بِكَثْرَةِ الهَالِكِينَ، وَلَا تَسْتَوْحِشُوا مِنْ قِلَّةِ السَّالِكِينَ في طَرِيقِ الحَقِّ، لِأَنَّ مَنْ كَانَ عَلَى الحَقِّ فَهُوَ بِحَدِّ ذَاتِهِ أُمَّةٌ ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾.

فَكُونُوا مِنَ القِلَّةِ الذينَ قَالَ فِيهِمْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.

وَكُونُوا مِمَّنْ قَالَ فِيهِمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا الدِّينُ مَحْفُوظٌ بِإِذْنِ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾. وَشَرْعُ اللهِ يَسِيرُ وَلَا يَلْتَفِتُ للمُعْرِضِينَ وَلَا للعَاصِينَ وَلَا للجَاحِدِينَ ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾. فَإِنْ أَعْرَضَ بَعْضُ النِّاسِ عَنْ دِينِ اللهِ تعالى، فَهُنَاكَ مَنْ يُقْبِلُ عَلَيْهِ بِصِدْقٍ، وَاللهُ تعالى هُوَ القَائِلُ: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾. وَسَيَرْجِعُ هَذَا الدِّينُ بِبَهَائِهِ وَصَفَائِهِ كَمَا كَانَ، وَاللهُ تعالى لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الصَّالِحِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 22/ صفر /1442هـ، الموافق: 9/تشرين الأول / 2020م

 2020-10-09
 5181
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 161 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 161
12-04-2024 809 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 809
09-04-2024 600 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 600
04-04-2024 708 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 708
28-03-2024 613 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 613
21-03-2024 1083 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1083

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413364716
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :