11ـ سيدنا رسول الله    كله رحمة (2)

11ـ سيدنا رسول الله    كله رحمة (2)

11ـ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كله رحمة (2)

مقدمة الكلمة:

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ جَعَلَنَا مِنْ أَتْبَاعِ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ جَاءَ مُخَلِّصًا النَّاسَ وَالأُمَمَ مِنْ إِصْرِ الأَغْلَالِ التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ، وَجَاءَ بِكَمَالِ الرَّحْمَةِ الحَافِظَةِ للنُّفُوسِ، المُوَفِّرَةِ للأَمْنِ، القاضِيَةِ بِعِصْمَةِ الأَرْوَاحِ وَالدِّمَاءِ إِلَّا بِحَقِّ الشَّرْعِ.

لَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً يَرْعَى حُقُوقَ الجَمِيعِ، فَأَنْقَذَ البَشَرِيَّةَ جَمْعَاءَ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالعَمَى إلى الهُدَى وَالبَصِيرَةِ.

لَا أَحَدَ مِنَ البَشَرِ عَلَى الإِطْلَاقِ يُدَانِيهِ في الرَّحْمَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَبَلَهُ اللهُ تعالى عَلَى الرَّحْمَةِ، فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُ رَحْمَةً، فَمَا أَحَدٌ في البَشَرِ عَلَى الإِطْلَاقِ يُدَانِيهِ في الرَّحْمَةِ.

فَهَذَا سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدْ تَبَرَّأَ مِنْ أَبِيهِ آزَرَ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا، فَقَالَ تعالى عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾.

وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ (سَوَادُ الدُّخَانِ) وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي، فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَاليَوْمَ لَا أَعْصِيكَ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟ (أَيْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى) فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ (الذِّيخُ ذَكَرُ الضَّبْعِ الكَثِيرُ الشَّعْرِ؛ أُرِيَ أَبَاهُ عَلَى غَيْرِ هَيْئَتِهِ وَمَنْظَرِهِ لِيُسْرِعُ إلى التَّبَرُّئِ مِنْهُ) مُلْتَطِخٍ (مُتَلَوِّثٍ بِالدَّمِ) فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ».

وَلَمَّا خَرَجَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ قَوْمِهِ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِمْ، بَلْ جَعَلَ الشَّامَ مُسْتَقَرَّهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَافَرَ إلى مِصْرَ وَالحِجَازِ، وَلَكِنَّهُ عَادَ إلى الشَّامِ حَتَّى تُوُفِّيَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهَا، وَقَصَرَ دُعَاءَهُ بِالرِّزْقِ مِنَ الثَّمَرَاتِ عَلَى المُؤْمِنِينَ فَقَطْ.

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾. حَتَّى نَبَّهَهُ اللهُ تعالى أَنَّهُ يَرْزُقُ الجَمِيعَ بِمَنْ فِيهِمُ الكُفَّارُ، ثُمَّ لَهُمُ العَذَابُ الأَلِيمُ يَوْمَ القِيَامَةِ ﴿قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾.

كَمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَيَعْتَذِرُ مِنَ الخَلْقِ، وَيَقُولُ: نَفْسِي نَفْسِي؛ حَتَّى يَصِلُوا إلى النَّبِيِّ المُصْطَفَى الكَرِيمِ الرَّحِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَيَشْفَعَ للخَلْقِ جَمِيعًا، بِمَنْ فِيهِمْ سَادَاتُهُمْ، وَهِيَ الشَّفَاعَةُ العُظْمَى.

أَمَّا النَّبِيُّ المُصْطَفَى الكَرِيمُ الرَّحِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَعَلَى العَكْسِ، لَمْ يَتَخَلَّ عَنْ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، مَعَ أَنَّهُ رَفَضَ أَنْ يَقُولَ أَمَامَ النَّبِيِّ المُصْطفَى الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ وَقَدْ بَرَزَ ذَلِكَ في أَمْرَيْنِ:

الأَمْرِ الأَوَّلِ: قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدُّنْيَا: «أَمَا وَاللهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» رواه الشيخان عَنِ المُسَيِّبِ بْنِ حَزْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

الأَمْرِ الثَّانِي: شَفَاعَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، بِإِخْرَاجِهِ مِنَ العَذَابِ الشَّدِيدِ، روى الشيخان عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟

قَالَ: «نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، لَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ».

وفي رِوَايَةٍ للإمام مسلم قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، وَجَدْتُهُ فِي غَمَرَاتٍ مِنَ النَّارِ، فَأَخْرَجْتُهُ إِلَى ضَحْضَاحٍ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَهَا ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وروى الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ: «لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ».

لِذَا صَارَ أَهْوَنَ النَّاسِ عَذَابًا بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ المُصْطَفَى الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ».

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَو عَمَلٍ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 23/ذو الحجة /1442هـ، الموافق: 2/ آب / 2021م

 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الرحمة المهداة   

24-01-2024 296 مشاهدة
34ـ ما كان يُكِنُّ قلبه الشريف من حرص على أمته

مِنْ مَظَاهِرِ الرَّحْمَةِ المُهْدَاةِ بِهَذِهِ الأُمَّةِ، مَا كَانَ يُكِنُّهُ قَلْبُهُ الشَّرِيفُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِرْصٍ عَلَى أُمَّتِهِ، وَعَلَى هِدَايَتِهِمْ وَنَجَاتِهِمْ، وَخَلَاصِهِمْ مِمَّا ... المزيد

 24-01-2024
 
 296
15-01-2024 244 مشاهدة
33ـ لا يأخذ أمته بالسنين

مِنْ مَظَاهِرِ رَحْمَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اخْتَبَأَ دَعْوَتَهُ لِأُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَعَ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ ... المزيد

 15-01-2024
 
 244
02-01-2024 197 مشاهدة
32ـ دينه صلى الله عليه وسلم دين يسر وسماحة (2)

مِنْ مَظَاهِرِ رَحْمَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ دِينَهُ وَشَرْعَهُ دِينُ يُسْرٍ لَا عُسْرَ فِيهِ، وَدِينُ رَحْمَةٍ لَا غِلْظَةَ فِيهِ، وَهَذَا لَا يَعْنِي التَّسَاهُلَ في أُمُورِ ... المزيد

 02-01-2024
 
 197
07-12-2023 198 مشاهدة
31ـ دينه صلى الله عليه وسلم دين يسر وسماحة

مِنْ مَظَاهِرِ الرَّحْمَةِ الرَبَّانِيَّةِ بِالخَلِيقَةِ أَنْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ دِينَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دِينَ ... المزيد

 07-12-2023
 
 198
27-11-2023 399 مشاهدة
30ـ اليسر في دين الله عز وجل

قَالَ اللهُ تعالى في أَصْلِ هَذَا الدِّينِ، وَنِعْمَةِ اللهِ عَلَى البَشَرِيَّةِ بِبِعْثَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي ... المزيد

 27-11-2023
 
 399
26-09-2023 501 مشاهدة
29ـ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمان للناس

لَقَدْ أَخْبَرَنَا اللهُ تعالى أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ رَسُولَهُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمَانًا للنَّاسِ، لِذَا فَلَا يُصَابُونَ بِعَذَابِ اسْتِئْصَالٍ، كَمَا كَانَ في الأُمَمِ السَّابِقَةِ، كَمَا ... المزيد

 26-09-2023
 
 501

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413385529
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :