117ـ كلمات في مناسبات: الغرض من الإسراء والمعراج؟

117ـ كلمات في مناسبات: الغرض من الإسراء والمعراج؟

117ـ كلمات في مناسبات: الغرض من الإسراء والمعراج؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُكْرِمَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ بَعْدَ مِحْنَةِ الطَّائِفِ التي رَجَعَ مِنْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَكْسُورُ الخَاطِرِ.

رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ بِغَيْرِ مَا كَانَ يَتَوَقَّعُ، وَدَخَلَ مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ بِجِوَارِ رَجُلٍ مُشْرِكٍ اسْمُهُ المُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ، حَتَّى يُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ، فَأَجَارَهُ، وَأَصْبَحَ المُطْعِمُ قَدْ لَبِسَ سِلَاحَهُ هُوَ وَبَنُوهُ وَبَنُو أَخِيهِ فَدَخَلُوا المَسْجِدَ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: أَمُجِيرٌ أَنْتَ أَمْ تَابِعٌ؟

قَالَ: بَلْ مُجِيرٌ.

قَالَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَأَقَامَ بِهَا، يَعْرِضُ نَفْسَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبَائِلِ العَرَبِ، فَلَمْ يَقْبَلُوا مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى.

وَلَمْ يَزَلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى كُلِّ قَادِمٍ لَهُ اسْمٌ وَشَرَفٌ، وَيَدْعُوهُ إلى اللهِ تعالى، وَكَانَ كُلَّمَا أَتَى قَبِيلَةً يَدْعُوهُمْ إلى الإِسْلَامِ تَبِعَهُ عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ، فَإِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَلَامِهِ يَقُولُ لَهُمْ أَبُو لَهَبٍ: يَا بَنِي فُلَانٍ، إِنَّمَا يَدْعُوكُمْ هَذَا إلى أَنْ تَسْلَخُوا اللَّاتَ وَالعُزَّى مِنْ أَعْنَاقِكُمْ، وَحُلَفَاءَكُمْ مِنَ الجِنِّ، إلى مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالبِدْعَةِ، فَلَا تُطِيعُوهُ وَلَا تَسْمَعُوا لَهُ.

الغَرَضُ مِنَ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بَعْدَ هَذَا الضِّيقِ وَالكَرْبِ وَكَسْرِ الخَاطِرِ كَانَ الإِسْرَاءُ وَالمِعْرَاجُ، وَفِيهِ غَرَضَانِ:

الغَرَضُ الأَوَّلُ: مُوَاسَاةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ مَا نَالَهُ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ، وَخَاصَّةً بَعْدَ فَقْدِ النَّصِيرِ مِنَ البَشَرِ، حَيْثُ مَاتَتِ الزَّوْجَةُ الوَفِيَّةُ التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ الصَّالِحَةُ حَبِيبَةُ قَلْبِ سَيِّدِنَا المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أُمُّنَا السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ الكُبْرَى رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا؛ وَكَذَلِكَ مَاتَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ.

وَأَمَّا أَصْحَابُهُ الكِرَامُ فَمُشَرَّدُونَ في الحَبَشَةِ، بَعْدَ هَذِهِ المُعَانَاةِ جَاءَتْ هَذِهِ المُوَاسَاةُ، وَكَأَنَّ الحَقَّ سُبْحَانَهُ وتعالى يَقُولُ لِحَبِيبِهِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ وَأَهْلُ الطَّائِفِ لَمْ يَعْرِفُوا قَدْرَكَ وَرَفَضُوكَ، فَإِنَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، يَدْعُوكَ لِيَتَشَرَّفَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ؛ وَإِنْ جَفَاكَ أَهْلُ الأَرْضِ فَأَهْلُ السَّمَاوَاتِ يُحِبُّونَكَ، يَدْعُوكَ لِيُعَوِّضَكَ اللهُ تعالى بِجَفَاءِ أَهْلِ الأَرْضِ حَفَاوَةَ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ.

وَكَأَنَّ الحَقَّ سُبْحَانَهُ وتعالى يَقُولُ لِحَبِيبِهِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ أَهْلُ الطَّائِفِ أَسَاؤُوا إِلَيْكَ، وَأَدْمَوْا قَدَمَيْكَ، فَلَا تَحْزَنْ، هَلُمَّ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الطَّائِفِ أَلْفَ مَرَّةٍ.

وَإِنْ كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ مَنَعُوكَ مِنَ الدُّخُولِ إِلَيْهَا إِلَّا وَأَنْتَ في جِوَارِ رَجُلٍ مُشْرِكٍ، فَلَا تَحْزَنْ، هَلُمَّ إلى المَسْجِدِ الأَقْصَى، فَإِنَّ أَنْبِيَاءَ اللهِ وَرُسُلَهُ سَيَسْتَقْبِلُونَكَ، وَهُمْ خَيْرٌ مِنْ ثَقِيفٍ وَقُرَيْشٍ بِأَسْرِهِمَا.

الغَرَضُ الثَّانِي: إِطْلَاعُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى المَلَأِ الأَعْلَى، وَعَلَى مُسْتَقْبَلِ الدَّعْوَةِ.

الرِّحْلَةُ المُبَارَكَةُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بَدَأَتِ الرِّحْلَةُ المُبَارَكَةُ الكَرِيمَةُ بِشَقِّ صَدْرِهِ الشَّرِيفِ أَوَّلًا، كَمَا جَاءَ في صَحِيحِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِدِ الكَعْبَةِ، أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ، فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ، فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى (أَيْ: لَمْ يَرَ أُولَئِكَ الذينَ أَتَوْهُ قَبْلَ الوَحْيِ مُدَّةً طَوِيلَةً حَتَّى جَاؤُوهُ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا كَانَ) فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَتَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ، فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ، فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ (قَامَ بِشَأْنِهِ وَتَوَلَّى إِجْرَاءَ مَا جَرَى لَهُ) فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ (عُنُقِهِ) إِلَى لَبَّتِهِ (مَوْضِعِ القِلَادَةِ مِنَ الصَّدْرِ؛ وَقِيلَ: المُرَادُ العَانَةُ) حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ (انْتَهَى مِنْ شَقِّهِمَا وَتَنْظِيفِهِمَا) فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِيَدِهِ، حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ (نَقَّاهُ مِنْ كُلِّ شَائِبَةٍ) ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ تَوْرٌ مِنْ ذَهَبٍ (إِنَاءٌ يُشْرَبُ فِيهِ) مَحْشُوًّا إِيمَانًا وَحِكْمَةً، فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ ـ يَعْنِي عُرُوقَ حَلْقِهِ ـ ثُمَّ أَطْبَقَهُ.

وروى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ».

قَالَ: «فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ».

قَالَ: «فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ».

قَالَ: «ثُمَّ دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ، فَرَحَّبَ بِي، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.

ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِابْنَيْ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا، فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ.

ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا هُوَ قَدِ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.

ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾.

ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.

ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.

ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ.

قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبِرْتُهُمْ.

قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ.

قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً.

قَالَ: فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: رِحْلَةُ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ كَانَتْ رِحْلَةَ تَكْرِيمٍ، وَرِحْلَةَ اطِّلَاعِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

وَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ البَصَرِيَّةُ لَهَا آثَارُهَا في إِيمَانِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ دَرْسٌ لِكُلِّ ظَالِمٍ وَمَظْلُومٍ، فَقِهَ مِنْهُمْ مَنْ فَقِهَ، وَجَهِلَ مِنْهُمْ مَنْ جَهِلَ.

اللَّهُمَّ فَرِّجْ عَنَّا مَا أَهَمَّنَا وَأَغَمَّنَا. آمين.

تاريخ الكلمة

**    **    **

الاثنين: 24/ رجب /1442هـ، الموافق: 8/ آذار / 2021م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمات في مناسبات

09-04-2024 113 مشاهدة
142ـ كلمات في مناسبات: فجر عيد الفطر 1445 هـ

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: دَخَلْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ المُبَارَكَ، دَخَلْنَا هَذَ المَوْسِمَ العَظِيمَ، حَيْثُ مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً، ... المزيد

 09-04-2024
 
 113
28-09-2023 688 مشاهدة
141ـ كلمات في مناسبات: عذرًا يا سيدي يا رسول الله

لقد كُنتَ حَرِيصَاً عَلَينَا أَشَدَّ الحِرْصِ، بِشَهَادَةِ مَولانَا عزَّ وجلَّ القَائِلِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وبِشَهَادَتِكُم عِندَمَا ... المزيد

 28-09-2023
 
 688
07-03-2023 685 مشاهدة
140ـ كلمات في مناسبات: إجابة الدعاء معلقة بالاستجابة لله تعالى

عِنْدَمَا تَنْزِلُ المِحَنُ، وَتَشْتَدُّ الخُطُوبُ، وَتَتَوَالَى الكُرُوبُ، وَتَعْظُمُ الرَّزَايَا، وَتَتَابَعُ الشَّدَائِدُ، لَنْ يَكُونَ أَمَامَ المُسْلِمِ إِلَّا أَنْ يَلْجَأَ إلى اللهِ تعالى وَيَلُوذَ بِجَانِبِهِ، وَيَضْرَعَ إِلَيْهِ ... المزيد

 07-03-2023
 
 685
28-09-2022 645 مشاهدة
1- المحبة محبتان

مَعَ بِدَايَةِ شَهْر رَبِيعٍ الأَوَّلِ، أُهَنِّئُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَنْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى حَظَّهُ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ، ... المزيد

 28-09-2022
 
 645
09-07-2022 541 مشاهدة
138ـ كلمات في مناسبات: درس فجر عيد الأضحى المبارك 1443 هـ شعيرة الأضحية

هَذَا اليَوْمُ هُوَ خِتَامُ الأَيَّامِ العَشْرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد

 09-07-2022
 
 541
08-07-2022 474 مشاهدة
137ـ كلمات في مناسبات: يوم عرفة يوم الغفران

يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمٌ أَكْمَلَ اللهُ تعالى فِيهِ الدِّينَ، قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الغُفْرَانِ، وَالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، ... المزيد

 08-07-2022
 
 474

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413021043
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :