2- معجزات ودلائل نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين

2- معجزات ودلائل نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين

2ـ معجزات ودلائل نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين

مُقَدِّمَةٌ:

لَقَدْ أَجْرَى اللهُ تَبَارَكَ وتعالى عَلَى يَدَيْ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ مِنَ المُعْجِزَاتِ البَاهِرَاتِ وَالدَّلَائِلِ القَاطِعَاتِ وَالحُجَجِ الوَاضِحَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ رُسُلُ اللهِ، وَكَيْ تَقُومَ الحُجَّةُ البَالِغَةُ عَلَى النَّاسِ فَلَا يَبْقَى لِأَحَدٍ عُذْرٌ في عَدَمِ تَصْدِيقِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ. فَقَالَ تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّناتِ﴾.

وَالفَرْقُ بَيْنَ المُعْجِزَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الدَّلَالَةِ وَالعَلَامَةِ أَنَّ المُعْجِزَةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّحَدِّي وَأَنْ يَكُونَ المُتَحَدَّى بِهِ مِمَّا يَعْجَزُ عَنْهُ البَشَرُ في العَادَةِ المُسْتَمِرَّةِ.

أَمَّا الدَّلَائِلُ وَالعَلَامَاتُ فَتَقَعُ دَالَّةً عَلَى صِدْقِ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ تَحَدٍّ وَسُمِّيَتِ المُعْجِزَةُ مُعْجِزَةً لِعَجْزِ الخَلْقِ عَنْ مُعَارَضَتِهَا وَالإِتْيَانِ بِمِثْلِهَا.

وَالمُعْجِزَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

ضَرْبٌ مِنْ نَوْعِ قُدْرَةِ البَشَرِ، فَعَجِزُوا عَنْهُ، فَتَعْجِيزُهُمْ عَنْهُ فِعْلٌ للهِ دَلَّ عَلَى صِدْقِ نَبِيِّهِ، كَتَحَدِّي اليَهُودِ أَنْ يَتَمَنَّوُا المَوْتَ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ للهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾.

وَضَرْبٌ خَارِجٌ عَنْ قُدْرَتِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ كَانْشِقَاقِ القَمَرِ، مِمَّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَهُ أَحَدٌ إِلَّا اللهُ تعالى، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى يَدِ النَّبِيِّ مِنْ فِعْلِ اللهِ تعالى وَتَحَدِّي مَنْ يُكَذِّبُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ تَعْجِيزًا لَهُ.

وَمُعْجِزَاتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التي ظَهَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ تَشْمَلُ كِلَا النَّوْعَيْنِ؛ فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ الرُّسُلِ مُعْجِزَةً، وَأَبْهَرُهُمْ آيَةً، وَأَظَهْرُهُمْ بُرْهَانًا، فَلَهُ مِنَ المُعْجِزَاتِ مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُعَدُّ، وَقَدْ أُلِّفَتْ في مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُؤَلَّفَاتُ الكَثِيرَةُ وَتَنَاوَلَهَا العُلَمَاءُ بِالشَّرْحِ وَالبَيَانِ.

مِمَّنِ اعْتَنَى بِجَمْعِهَا مِنَ الأَئِمَّةِ أَبُو نعيم الأصبهاني والبيهقي.

وَمُعْجِزَاتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مِنْهَا مَا نُقِلَ إِلَيْنَا نَقْلًا مُتَوَاتِرًا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ تُفِيدُ القَطْعَ عِنْدَ الأُمَّةِ.

وَمِنْهَا مَا لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الضَّرُورَةِ وَالقَطْعِ، وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ:

نَوْعٌ مُشْتَهِرٌ مُنْتَشِرٌ، رَوَاهُ العَدَدُ وَشَاعَ الخَبَرُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ بِالآثَارِ، وَنَقَلَتْهُ السِّيَرُ وَالأَخْبَارُ، كَنَبْعِ المَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ الشَّرِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَتَكْثِيرِهِ الطَّعَامَ.

وَنَوْعٌ مِنْهُ اخْتَصَّ بِهِ الوَاحِدُ وَالاثْنَانِ، وَرَوَاهُ العَدَدُ اليَسِيرُ وَلَمْ يَشْتَهِرِ اشْتِهَارَ غَيْرِهِ لَكِنَّهُ إِذَا جُمِعَ إلى مِثْلِهِ اتَّفَقَا في المَعْنَى وَاجْتَمَعَا عَلَى الإِتْيَانِ بِالمُعْجِزِ.

وَبَعْدَ هَذَا التَّمْهِيدِ المُوجَزِ، نُورِدُ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، جُمْلَةً مِنْ مُعْجِزَاتِ وَدَلَائِلِ نُبُوَّةِ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِمَّا سَانَدَهَا الدَّلِيلُ الصَّحِيحُ.

مُعْجِزَاتُ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:

أَعْطَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ نَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُعْجِزَةً خَاصَّةً بِهِ لَمْ يُعْطِهَا بِعَيْنِهَا غَيْرَهُ تَحَدَّى بِهَا قَوْمَهُ، وَكَانَتْ مُعْجِزَةُ كُلِّ نَبِيٍّ تَقَعُ مُنَاسِبَةً لِحَالِ قَوْمِهِ وَأَهْلِ زَمَانِهِ.

فَلَمَّا كَانَ الغَالِبَ عَلَى زَمَانِ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ السِّحْرُ وَتَعْظِيمُ السَّحَرَةِ، بَعَثَهُ اللهُ بِمُعْجِزَةٍ بَهَرَتِ الأَبْصَارَ، وَحَيَّرَتْ كُلَّ سَحَّارٍ، فَلَمَّا اسْتَيْقَنُوا أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ العَزِيزِ الجَبَّارِ انْقَادُوا للإِسْلَامِ، وَصَارُوا مِنْ عِبَادِ اللهِ الأَبْرَارِ، قَالَ تعالى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى﴾.

وَأَمَّا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَبُعِثَ في زَمَنِ الأَطِبَّاءِ وَأَصْحَابِ عِلْمِ الطَّبِيعَةِ، فَجَاءَهُمْ مِنَ الآيَاتِ بِمَا لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إِلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُؤَيَّدًا مِنَ الذي شَرَعَ الشَّرِيعَةِ، فَمِنْ أَيْنَ للطَّبِيبِ قُدْرَةٌ عَلَى إِحْيَاءِ الجَمَادِ، وَبَعْثِ مَنْ هُوَ في قَبْرِهِ رَهِينٌ إلى يَوْمِ التَّنَادِ، أَو عَلَى مُدَاوَاةِ الأَكْمَهِ وَالأَبْرَصِ، قَالَ تعالى: ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾.

مُعْجِزَةُ القُرْآنِ الكَرِيمِ:

وَكَذَلِكَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بُعِثَ في زَمَانِ الفُصَحَاءِ وَالبُلَغَاءِ الشُّعَرَاءِ، فَأَتَاهُمْ بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَاتَّهَمَهُ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ اخْتَلَقَهُ وَافْتَرَاهُ مِنْ عِنْدِهِ فَتَحَدَّاهُمْ وَدَعَاهُمْ أَنْ يُعَارِضُوهُ وَيَأْتُوا بِمِثْلِهِ وَلِيَسْتَعِينُوا بِمَنْ شَاؤُوا، فَعَجِزُوا عَنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾.

وَكَمَا قَالَ اللهُ تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ﴾.

ثُمَّ تَقَاصَرَ مَعَهُمْ إلى عَشْرِ سُوَرٍ مِنْهُ، فَقَالَ في سُورَةِ هُودٍ: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾.

ثُمَّ تَنَازَلَ إلى سُورَةٍ فَقَالَ في سُورَةِ يُونُسَ: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾.

وَكَذَلِكَ في سُورَةِ البَقَرَةِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ أَعَادَ التَّحَدِّيَ بِسُورَةٍ مِنْهُ، وَأَخْبَرَ تعالى أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ أَبَدًا لَا في الحَالِ وَلَا في المَآلِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ﴾.

وَهَكَذَا وَقَعَ، فَإِنَّهُ مِنْ لَدُنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وإلى زَمَانِنَا هَذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بِنَظِيرِهِ وَلَا نَظِيرِ سُورَةٍ مِنْهُ، وَهَذَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ أَبَدًا، فَإِنَّهُ كَلَامُ رَبِّ العَالَمِينَ الذي لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ لَا في ذَاتِهِ وَلَا في صِفَاتِهِ وَلَا في أَفْعَالِهِ، فَأَنَّى يُشْبِهُ كَلَامُ المَخْلُوقِينَ كَلَامَ الخَالِقِ؟

وَقَدِ انْطَوَى كِتَابُ اللهِ العَزِيزِ عَلَى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مِنْ وُجُوهِ الإِعْجَازِ:

ذَلِكَ أَنَّ القُرْآنَ الكَرِيمَ مُعْجِزٌ في بِنَائِهِ التَّعْبِيرِيِّ وَتَنْسِيقِهِ الفَنِّيِّ بِاسْتِقَامَتِهِ عَلَى خَصَائِصَ وَاحِدَةٍ في مُسْتَوًى وَاحِدٍ لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يَتَفَاوَتُ وَلَا تَتَخَلَّفُ خَصَائِصُهُ.

مُعْجِزٌ في بِنَائِهِ الفِكْرِيِّ وَتَنَاسُقِ أَجْزَائِهِ وَتَكَامُلِهَا، فَلَا فَلْتَةَ فِيهِ وَلَا مُصَادَفَةَ، كُلُّ تَوْجِيهَاتِهِ وَتَشْرِيعَاتِهِ، تَلْتَقِي وَتَتَنَاسَبُ وَتَتَكَامَلُ وَتُحِيطُ بِالحَيَاةِ البَشَرِيَّةِ وَتَسْتَوْعِبُهَا وَتُلَبِّيهَا وَتَدْفَعُهَا دُونَ أَنْ تَتَعَارَضَ جُزْئِيَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ ذَلِكَ المِنْهَاجِ الشَّامِلِ الضَّخْمِ مَعَ جُزْئِيَّةٍ أُخْرَى، وَدُونَ أَنْ تَصْطَدِمَ وَاحِدَةٌ مِنْهَا بِالفِطْرَةِ الإِنْسَانِيَّةِ أَو تَقْتَصِرَ عَنْ تَلْبِيَتِهَا، وَكُلُّهَا مَشْدُودَةٌ إلى مِحْوَرٍ وَإِلَى عُرْوَةٍ وَاحِدَةٍ في اتِّسَاقٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَفْطُنَ إِلَيْهِ خِبْرَةُ الإِنْسَانِ المَحْدُودَةُ.

مُعْجِزٌ في يُسْرِ مَدَاخِلِهِ إلى القُلُوبِ وَالنُّفُوسِ وَلَمْسِ مَفَاتِيحِهَا وَفَتْحِ مَغَالِيقِهَا وَاسْتِجَاشَةِ مَوَاضِعِ التَّأَثُّرِ وَالاسْتِجَابَةِ فِيهَا.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 19/شعبان /1442هـ، الموافق: 2/ نيسان / 2021م

 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  معجزات ودلائل نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين

22-12-2023 197 مشاهدة
21ـ لترين الظعينة ترتحل من الحيرة

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ بِهَا مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ حَبِيبَهُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَا رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ... المزيد

 22-12-2023
 
 197
08-09-2023 348 مشاهدة
20ـ الشاة المسمومة

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ بِهَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، سَلَامَتُهُ مِنَ السُّمِّ المُهْلِكِ لِغَيْرِهِ، وَإِعْلَامُ اللهِ تعالى لَهُ أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ، ... المزيد

 08-09-2023
 
 348
07-08-2023 260 مشاهدة
19ـ إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ اللهُ تعالى بِهَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَخْبَرَ إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ... المزيد

 07-08-2023
 
 260
28-07-2023 474 مشاهدة
18ـ ناولني الذراع

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ اللهُ تعالى بِهَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ كَانَ فِي مَجْلِسِ ... المزيد

 28-07-2023
 
 474
27-10-2022 368 مشاهدة
17ـ انكشاف الضمائر النفسية له صلى الله عليه وسلم

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ اللهُ تعالى بِهَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُعْجِزَةُ انْكِشَافِ الضَّمَائِرِ النَّفْسِيَّةِ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. ... المزيد

 27-10-2022
 
 368
05-08-2022 299 مشاهدة
16ـ معجزة كلام الشجر وانقياده

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ اللهُ تعالى بِهَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُعْجِزَةُ كَلَامِ الشَّجَرِ وَانْقِيَادِهِ. مَا مِنْ شَيْءٍ في الوُجُودِ إِلَّا وَيَشْهَدُ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 05-08-2022
 
 299

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411997478
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :