761ـ خطبة الجمعة: ترك الذنوب أهون من طلب التوبة

761ـ خطبة الجمعة: ترك الذنوب أهون من طلب التوبة

761ـ خطبة الجمعة: ترك الذنوب أهون من طلب التوبة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: شَهْرُ رَمَضَانَ الذي مَضَى ـ وَنَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَهُ شَاهِدًا لَنَا لَا عَلَيْنَا، وَأَنْ يَكُونَ شَفِيعًا لَنَا يَوْمَ القِيَامَةِ، كَانَ شَهْرَ طَاعَاتٍ وَقُرُبَاتٍ، شَهْرَ صِيَامٍ وَقِيَامٍ وَتِلَاوَةٍ للقُرْآنِ، شَهْرَ مُوَاسَاةٍ، شَهْرَ الصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ وَالعَطَايَا.

لَقَدْ أَلْزَمْنَا فِيهِ أَنْفُسَنَا بِالطَّاعَاتِ، بَلْ بِمُرَاقَبَةِ اللهِ تعالى، لَا بِمُرَاقَبَةِ الخَلْقِ، لَقَدْ أَلْزَمْنَا فِيهِ أَنْفُسَنَا بِالقُرُبَاتِ مَعَ الإِخْلَاصِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ هَذَا مِنَّا «مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً، كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ» رواه ابن خزيمة.

يَا عِبَادَ اللهِ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ اللهَ تعالى الذي أَحَبَّ مِنَّا الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ في شَهْرِ رَمَضَانَ، يُحِبُّهَا سُبْحَانَهُ وتعالى مِنَّا في سَائِرِ الأَيَّامِ، وَيُحِبُّهَا مِنَّا حَتَّى نَلْقَاهُ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾.

تَرْكُ الذُّنُوبِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِ التَّوْبَةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَحذَرْ مِنَ العَوْدَةِ إلى الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، لِأَنَّ المَعْصِيَةَ بَعْدَ الطَّاعَةِ قَبِيحَةٌ جِدًّا، وَلِأَنَّ المَعْصِيَةَ تُورِثُ العَبْدَ ظُلْمَةً، كَمَا أَنَّ الطَّاعَةَ تُورِثُهُ نُورًا، وَمَا أَقْبَحَ الظُّلْمَةَ بَعْدَ النُّورِ، لِنَحذَرْ مِنَ العَوْدَةِ إلى الذُّنُوبِ وَالآثَامِ، وَخَاصَّةً بَعْدَ يَوْمِ الجِائِزَةِ، وَبَعْدَ شَهْرِ المَغْفِرَةِ، لِأَنَّ تَرْكَ الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي وَالآثَامِ أَهْوَنُ عَلَيْنَا مِنْ طَلَبِ التَّوْبَةِ.

قَد لَا يُوَفَّقُ العَبْدُ بَعْدَ المَعْصِيَةِ إلى التَّوْبَةِ، قَدْ يُسَوِّلُ وَيُسَوِّفُ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى المَعْصِيَةِ حَتَّى يَخْطَفَهُ المَوْتُ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَإِنْ حَصَلَ هَذَا حَصَلَتِ الطَّامَّةُ الكُبْرَى، فَالإِنْسَانُ يُبْعَثُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ».

نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ، إِنَّ تَرْكَ الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي وَالآثَامِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِ التَّوْبَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا تُقْبَلُ التَّوْبَةُ مِنَ العَبْدِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾.

وَكَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ رَحَلَ عَنَّا شَهْرُ رَمَضَانَ بِصِيَامِهِ وَقِيَامِهِ وَبِتِلَاوَةِ القُرْآنِ فِيهِ، وَالصَّدَقَاتِ وَالمَعُونَاتِ وَتَفْرِيجِ كُرُوبِ المَكْرُوبِينَ، لَقَدْ مَضَتْ أَيَّامُهُ السَّعِيدَةُ، وَلَيَالِيهِ المُبَارَكَةُ، لَقَدْ كَانَ هَذَا الشَّهْرُ العَظِيمُ المُبَارَكُ بِمَنْزِلَةِ سُوقٍ انْتَصَبَ ثُمَّ انْفَضَّ، رَبِحَ فِيهِ الرَّابِحُونَ، وَخَسِرَ فِيهِ الخَاسِرُونَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: إِذَا رَحَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ عَنَّا فَلَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَرْحَلَ عَنِ الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ، فَمَنْ دَاوَمَ عَلَى الطَاعَاتِ رَبِحَ، وَمَنْ عَرَفَ رَبَّهُ اسْتَرَاحَ، وَمَنْ عَبَدَ اللهَ تعالى في شَهْرٍ دُونَ غَيْرِهِ فَسَيَكُونُ مِنَ النَّادِمِينَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: أَحْسنَّا في رَمَضَانَ فَلْنَدُمْ عَلَى ذَلِكَ، رَاقَبْنَا اللهَ تعالى في رَمَضَانَ فَلْنَدُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَنَحْنُ نَسْتَحْضِرُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾.

هَنِيئًا لِمَنِ اسْتَقَامَ، تَنَزَّلَتْ عَلَيْهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِالبَشَائِرِ وَالأَمْنِ وَالأَمَانِ وَالاطْمِئْنَانِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 2/ شوال /1442هـ، الموافق: 14/أيار / 2021م

 2021-05-14
 4279
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 140 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 140
12-04-2024 766 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 766
09-04-2024 594 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 594
04-04-2024 704 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 704
28-03-2024 606 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 606
21-03-2024 1067 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1067

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413164921
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :