أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِن أَهَمِّ عَوَامِلِ بِرِّ الوَلِدِ بِوَالِدَيْهِ كَوْنُ الوالِدِ نَفْسِهِ كَانَ بَارَّاً بِوَالِدَيْهِ مِنْ قَبْلُ، فَيَقْذِفُ اللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى في قُلُوبِ الأَبْنَاءِ أَنْ يَبِرُّوا بِوَالِدِهِمُ الذي كَانَ بَارَّاً بِوَالِدَيْهِ، لِيَكُونَ الجَزَاءُ مِن جِنْسِ العَمَلِ ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾. ... المزيد
أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: طَالَمَا أَنَّ الأَوْلَادَ عَارِيَةٌ مُسْتَرَدَّةٌ مَرْدُودَةٌ، وَأَمَانَةٌ يَأْخُذُهَا اللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى مَتَى شَاءَ، فَعَلَى الوَالِدَيْنِ المُحَافَظَةُ عَلَيْهِمْ حِفَاظَهُمْ عَلَى الأَمَانَةِ وَالعَارِيَةِ. ... المزيد
أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ جَعَلَ اللهُ تعالى هَؤُلَاءِ الأَوْلَادَ أَمَانَةً عِنْدَ وَالِدِيهِمْ، وَعَارِيَةً يَسْتَرِدُّهَا مَتَى شَاءَ تَبَارَكَ وتعالى، وَهَذَا مَا قَالَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ لِأَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. ... المزيد
مَّا يُسَاعِدُ عَلَى بِرِّ الوَالِدَيْنِ وَاحْتِرَامِهِمَا وَتَقْدِيرِهِمَا، مُسَاوَاةُ الوَالِدَيْنِ بَيْنَ أَوْلَادِهِمَا في العَطِيَّةِ، وَإِظْهَارُ المَحَبَّةِ وَالمَوَدَّةِ، فَلَا يُفَرِّقَانِ بَيْنَ الأَوْلَادِ، بِأَنْ يَمْدَحَا وَاحِدَاً مِنْهُمْ، وَيُكْثِرَا الشِّكَايَةَ مِنَ الآخَرِ، وَيُقَدِّمَا وَاحِدَاً عَلَى غَيْرِهِ ـ خَاصَّةً الذُّكُورَ عَلَى الإِنَاثِ ـ فَإِنَّ هَذَا عَدَا عَنْ كَوْنِهِ يُورِثُ الحَسَدَ في نُفُوسِ الأَوْلَادِ وَالحِقْدَ بَيْنَهُمْ، إِلَّا أَنَّهُ يَجْعَلُ في نُفُوسِ الأَبْنَاءِ شَيْئَاً تُجَاهَ وَالِدِيهِمْ، حَتَّى لَو كَانَ أَحَدُهُمْ مُقَدَّمَاً عَلَى الآخَرِينَ في الأَخْلَاقِ أَو المُعَامَلَةِ أَو البِرِّ. ... المزيد
مَن أَرَادَ مِنَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ بِرَّ الأَبْنَاءِ، فَيَجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ احْتِرَامُ بَعْضِهِمَا أَمَامَ الأَبْنَاءِ، لِأَنَّ هَذَا يَغْرِسُ في نُفُوسِ الأَوْلَادِ الاحْتِرَامَ وَالتَّقْدِيرَ وَالبِرَّ وَالإِحْسَانَ إلى الوَالِدَيْنِ. ... المزيد
أما بعد: فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ مِنْ وَاجِبِ الزَّوْجَيْنِ المُسْلِمَيْنِ ـ إِذَا أَرَادَا بَقَاءَ أَوْلَادِهِمَا في صَفَاءٍ وَوِئَامٍ وَهَنَاءٍ وَسَعَادَةٍ وَاحْتِرَامٍ لَهُمَا وَتَبْجِيلٍ لَهُمَا ـ أَنْ لَا يُظْهِرَا مَا يَقَعَ بَيْنَهُمَا مِنْ شِقَاقٍ أَو خِلَافٍ أَمَامَ الأَوْلَادِ. ... المزيد
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ وَاقِعِ المَسْؤُولِيَّةِ التي أَلْقَاهَا اللهُ تعالى عَلَى عَاتِقِ الوَالِدَيْنِ، كَمَا قَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾. وَمِنْ وَاقِعِ الحِرْصِ الذي جَعَلَهُ اللهُ تعالى في قُلُوبِ الوَالِدَيْنِ نَحْوَ أَبْنَائِهِمَا، وَمِنْ وَاقِعِ الفِطْرَةِ التي فُطِرَ عَلَيْهَا الوَالِدَانِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُمَا اخْتِيَارُ الرُّفْقَةِ الصَّالِحَةِ لِأَبنَائِهِمَا، وَتَحْذِيرُ الأَوْلَادِ مِن رُفَقَاءِ السَّوْءِ. ... المزيد
إِنَّ الأَدَبَ مِنْ أَغْلَى مَا يُقَدِّمُهُ الوَالِدُ لِوَلَدِهِ، لِأَنَّ بِهِ يُعَاشِرُ النَّاسَ، وَبِهِ يَتَعَامَلُ مَعَ النَّاسِ، فَإِذَ اقَلَّ أَدَبُهُ نَفَرَ النَّاسُ مِنْهُ، كَمَا أَنَّ كَرَمَ الأَخْلَاقِ هُوَ أَثْقَلُ مَا يُوزَنُ في مِيزَانِ العَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَبِالأَخْلَاقِ وَالأَدَبِ الرَّفِيعِ يُكْرِمُ الكَبِيرَ، وَيُحْسِنُ عَلَى الصَّغِيرِ، وَيُعِينُ ضَعْفَةَ المُسْلِمِينَ، وَيُوَقِّرُ العَالِمَ، وَيَعْرِفُ حَقَّ الجَارِ وَالصَّدِيقِ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَبَرُّ الوَالِدَ، وَيُكْرِمُ أَهْلَ الفَضْلِ، وَيُقَدِّرُ أَهْلَ الخَيْرِ، وَبِالخُلُقِ الرَّفِيعِ وَالأَدَبِ العَالِي يَصُونُهُ اللهُ تعالى عَنْ أَخْلَاقِ السُّفَهَاءِ، وَصِفَاتِ العُصَاةِ وَالفَسَقَةِ، فَيَحْمَدُهُ أَهْلُ الأَرْضِ وَأَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُرْفَعُ لَهُ في الدَّرَجَاتِ، وَيُثَقَّلُ لَهُ في المِيزَانِ. ... المزيد
مِنْ مُنْطَلَقِ المَسْؤُولِيَّةِ المُلْقَاةِ عَلَى عَاتِقِ الوَالِدَيْنِ تُجَاهَ أَوْلَادِهِمَا، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ» رواه الشيخان. ... المزيد
مِنْ أَهَمِّ عَوَامِلِ بِرِّ الأَوْلَادِ بِوَالِدِيهِمْ، وَمِنْ أَهَمِّ مَا يُحَبِّبُ الوَالِدَانِ إلى أَوْلَادِهِمْ، وَيَجْعَلُهُمْ في غَايَةِ التَّقْدِيرِ وَالاحْتِرَامِ وَالطَّاعَةِ لَهُمْ: حُسْنُ مُعَامَلَةِ الوَالِدَيْنِ لِأَوْلَادِهِمَا، بِحَيْثُ يَشْعُرُ الوَلَدُ بِقُرْبِ وَالِدِهِ مِنْهُ، وَالبِنْتُ بِقُرْبِ وَالِدَتِهَا مِنْهَا، فَاللُّطْفُ في المُعَامَلَةِ، وَالإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ، وَالتَّوَدُّدُ إِلَيْهِمْ، وَعَدَمُ التَّعْنِيفِ وَالقَسْوَةِ عِنْدَ الخَطَأِ أَو التَّقْصِيرِ، وَالمُدَاعَبَةُ لَهُمْ، وَالتَّقَرُّبُ إِلَيْهِمْ، خَاصَّةً وَهُمْ صِغَارٌ، وَاحْتِرَامُهُمْ وَهُمْ كِبَارٌ، وَتَقْدِيرُهُمْ، وَعَدَمُ تَعْنِيفِهِمْ خَاصَّةً أَمَامَ الآخَرِينَ، كُلُّ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ بِرِّ الوَلَدِ بِوَالِدَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مِنْ بَابِ رَدِّ الجَمِيلِ، وَالمُعَامَلَةِ بِالمِثْلِ. ... المزيد
لَقَدْ أَوْصَانَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ في أَوْلَادِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا خَيْرَاً، وَأَمَرَنَا أَنْ نُنَشِّئَهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ، إِذَا كُنَّا حَرِيصِينَ عَلَى بِرِّهِمْ بِنَا. ... المزيد
مَنْ كَانَ حَرِيصَاً عَلَى أَنْ يَكُونَ أَوْلَادُهُ بَرَرَةً بِهِ، عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ حَرِيصَاً عَلَى عَدَمِ مُشَارَكَةِ الشَّيْطَانِ لَهُ في الوَلَدِ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يُشَارِكُ أَتْبَاعَهُ وَمُطِيعِيهِ مِنَ الكَفَرَةِ وَالعُصَاةِ في أَمْوَالِهِمْ وَفِي أَوْلَادِهِمْ، قَالَ تعالى: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورَاً﴾. ... المزيد
إِذَا أَرَادَ الوَالِدَانِ أَنْ يَكُونَ أَبْنَاؤُهُمَا بَارِّينَ بِهِمَا، فَلْيَكُونُوا صَالِحِينَ مُتَّقِينَ اللهَ تعالى، حَتَّى يَحْفَظَ اللهُ تعالى لَهُمَا ذُرِّيَّتَهُمَا في حَيَاتِهِمَا، وَبَعْدَ وَفَاتِهِمَا. ... المزيد
مَنْ كَانَ حَرِيصَاً عَلَى بِرِّ أَوْلَادِهِ لَهُ، عَلَيْهِ أَنْ يُعِينَ أَبْنَاءَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْ أَهَمِّ الأُمُورِ التي تُعِينُ الوَلَدَ عَلَى بِرِّ وَالِدَيْهِ اخْتِيَارُ أُمِّ الوَلَدِ. ... المزيد
مِنْ مُوجِبَاتِ البِرِّ للوَالِدَيْنِ، مَا جُبِلَ عَلَيْهِ الوَالِدَانِ مِنْ رَحْمَةٍ وَشَفَقَةٍ وَإِحْسَانٍ عَلَى الأَوْلَادِ ـ خَاصَّةً وَهُمْ صِغَارٌ ـ بَلْ إِنَّ ذَلِكَ يَبْدَأُ قَبْلَ وُجُودِ الأَوْلَادِ، وَالوَالِدَانِ مَفْطُورَانِ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى يَكْبُرَ الأَوْلَادُ وَيَسْعَدَ بِهِمُ الآبَاءُ. ... المزيد
مِنْ مُوجِبَاتِ بِرِّ الوَالِدَيْنِ، وَخَاصَّةً الأَبَ، حِرْصُهُ عَلَى رِزْقِ أَوْلَادِهِ، وَغِنَاهُمْ، وَعَدَمِ حَاجَتِهِمْ إلى النَّاسِ، فَهَذَا أَمْرٌ وَاضِحٌ وَمَعْلُومٌ، لِأَنَّ في ذَلِكَ سَعَادَةً للأَبْنَاءِ، وَهُوَ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الوَالِدَيْنِ لِأَوْلَادِهِمَا. ... المزيد
مِنْ مُوجِبَاتِ بِرِّ الوَالِدَيْنِ حِرْصُ الوَالِدَيْنِ عَلَى تَرْبِيَةِ الوَلَدِ التَّرْبِيَةَ الصَّحِيحَةَ، وَخَاصَّةً التَّرْبِيَةَ العَقَدِيَّةَ، بِحَيْثُ تَكُونُ عَقِيدَتُهُ سَلِيمَةً صَحِيحَةً، وَكَذَلِكَ تَرْبِيَتُهُ عَلَى صَفَاءِ دِينِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ وَاسْتِقَامَتِهِ، كَمَا كَانَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَحَفِيدُهُ سَيِّدُنَا يَعْقُوبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. ... المزيد
مِنْ مُوجِبَاتِ بِرِّ الوَالِدَيْنِ حِرْصُ الوَالِدَيْنِ عَلَى وَلَدِهِمَا، مِنْ سَاعَةِ عُلُوقِهِ في الرَّحِمِ حَتَّى يُولَدَ وَيَكْبُرُ وَيَشِيبُ، بَلْ مِنْ قَبْلِ وُجُودِهِ، إلى أَنْ يَمُوتَ الوَالِدَانِ، وَهُمَا أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ وَمَعْرُوفٌ عِنْدَ عَامَّةِ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، فَهُمَا يُرَبِّيَانِهِ وَيَخْدُمَانِهِ، وَيُحْسِنَانِ إِلَيْهِ وَيَرْعَيَانِهِ، وَيَتَمَنَّيَانِ لَهُ الحَيَاةَ وَالرِّفْعَةَ، بَيْنَمَا إِذَا كَبُرَا فَهُوَ يَخْدُمُهُمَا ـ إِذَا كَانَ بَارَّاً ـ لَكِنْ في النِّهَايَةِ يَتَمَنَّى زَوَالَ العِبْءِ عَنْ كَتِفَيْهِ. ... المزيد
إِنَّ لِاسْتِحْقَاقِ الوَالِدَيْنِ البِرَّ وَالإِحْسَانَ وَالتَّكْرِيمَ وَالتَّقْدِيرَ، أَسْبَابَاً ذَكَرَهَا اللهُ تعالى في كِتَابِهِ، وَإِنْ كَانَ للأُمِّ النَّصِيبُ الأَوْفَى مِنْ ذَلِكَ، وَهَذِهِ الأَسْبَابُ وَالمُوجِبَاتُ هِيَ: ... المزيد
لَمَّا كَانَتِ الأُمُّ أَعْظَمَ المَحَارِمِ وَأَجَلَّهَا وَأَشَدَّهَا حُرْمَةً، وَأَلْصَقَ المَحَارِمِ إلى نُفُوسِ الأَبْنَاءِ، اتَّفَقَتْ عَامَّةُ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ ـ بَلْ حَتَّى الوَضْعِيَّةُ ـ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الأُمِّ، لِمَا لَهَا مِنَ المَهَابَةِ وَالقُدْسِيَّةِ وَالتَّجِلَّةِ وَالاحْتِرَامِ، في نُفُوسِ النَّاسِ، خَاصَّةً العَرَبَ، حَتَّى اسْتَقَرَّ هَذَا المَعْنَى في نُفُوسِ البَشَرِ. ... المزيد