السؤال :
امْرَأَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ، زَوْجُهَا حَسَنُ السِّيرَةِ وَالأَخْلَاقِ، وَلَكِنَّ المُشْكِلَةَ في حَمَاتِهَا، تَتَدَخَّلُ في حَيَاتِهَا، وَتُحَرِّضُ وَلَدَهَا عَلَى زَوْجَتِهِ، وَهِيَ سَيِّئَةُ الأَخْلَاقِ، وَالَمرْأَةُ سَاكِنَةٌ عِنْدَ حَمَاتِهَا، فَهَلْ مِنْ حَقِّهَا أَنْ تَطْلُبَ المَسْكَنَ الشَّرْعِيَّ مِنْ زَوْجِهَا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10500
 2020-06-19

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولًا: يَجِبُ عَلَيْكِ يَا أُخْتَاهُ أَنْ تَتَذَكَّرِي قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾.

ثانيًا: تَذَكَّرِي يَا أُخْتَاهُ أَنَّ طَبَائِعَ النُّفُوسِ مُخْتَلِفَةٌ، فَهُمْ لَيْسُوا سَوَاءً، مِنْ حَيْثُ الخُلُقُ وَالدِّينُ وَالعَقْلُ وَالتَّصَرُّفَاتُ، وَعَلَى العَاقِلِ أَنْ يُثْبِتَ وُجُودَ الأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ فِيهِ، مِنْ خِلَالِ تَحَمُّلِهِ للآخَرِينَ وَخَاصَّةً إِذَا تَقَدَّمَ في الطَّرَفِ الثَّانِي العُمُرُ، وَدَخَلَ في مَرْحَلَةِ الضَّعْفِ الثَّانِي.

تَذَكَّرِي حِينَ تَتَعَامَلِينَ مَعَ حَمَاتِكِ قَوْلَهُ تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾.

ثالثًا: تَذَكَّرِي يَا أُخْتَاهُ عِنْدَمَا تَتَعَامَلِينَ مَعَ حَمَاتِكِ أَنَّ الغَيْرَةَ في قَلْبِهَا تَكَادُ أَنْ تَصِلَ إلى غَيْرَةِ الضَّرَائِرِ مِنْ زَوْجَاتِ أَبْنَائِهِنَّ، فَعَلَيْكِ بِالحِلْمِ وَوَسَاعَةِ الصَّدْرِ، مِنْ أَجْلِ سَلَامَةِ العَلَاقَةِ مَعَ زَوْجِكِ، وَخَاصَّةً أَنَّهُ صَاحِبُ دِينٍ وَخُلُقٍ.

رابعًا: اعْلَمِي يَا أُخْتَاهُ أَنَّهُ مِنْ حَقِّكِ المَسْكَنُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ تَأْمِينُهُ، وَأَنْ يَكُونَ البَيْتُ مُسْتَقِلًّا لَكِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

كُونِي حَكِيمَةً في التَّعَامُلِ مَعَ حَمَاتِكِ، وَلَكِ الأَجْرُ العَظِيمُ عَلَى حُسْنِ الأَخْلَاقِ، اسْمَعِي حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا» رواه الترمذي عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

كُونِي حَرِيصَةً عَلَى خِدْمَتِهَا وَالإِحْسَانِ إِلَيْهَا، وَتَذَكَّرِي الحَدِيثَ الشَّرِيفَ الذي رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ».

مَعَ العِلْمِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْكِ خِدْمَتُهَا وَلَا العِنَايَةُ بِهَا مِنْ حَيْثُ الوُجُوبُ الشَّرْعِيُّ، وَلَكِنْ عَامِلِيهَا بِالفَضْلِ لَا بِالعَدْلِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَرْغُوبٌ وَمَحْبُوبٌ عِنْدَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ.

وَإِحْسَانُكَ لِحَمَاتِكَ هُوَ في الحَقِيقَةِ مِنْ حُسْنِ المُعَاشَرَةِ مَعَ زَوْجِكِ صَاحِبِ الدِّينِ وَالخُلُقِ، وَبِذَلِكَ تَكُونِينَ عَوْنًا لَهُ عَلَى بِرِّهِ بِأُمِّهِ، وَالخَيْرُ الذي يَنْقَلِبُ عَلَيْهِ يَعُودُ عَلَيْكِ.

وَأَخِيرًا: لَكِ الحَقُّ في طَلَبِ المَسْكَنِ الشَّرْعِيِّ المُسْتَقِلِّ، وَعَلَى زَوْجِكِ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا حَكِيمًا، يَزِنُ الأُمُورَ بِالمِيزَانِ الشَّرْعِيِّ الصَّحِيحِ، وَيُعْطِي لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، دُونَ انْتِقَاصِ حَقٍّ عَلَى حِسَابِ حَقٍّ.

وَلَكِنْ تَذَكَّرِي الظَّرْفَ الذي نَحْنُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ تَأْمِينُ المَسْكَنِ الشَّرْعِيِّ المُسْتَقِلِّ. هذا، والله تعالى أعلم.