السؤال :
مَا حُكْمُ مُنَادَةِ الوَالِدِ: يَا حَاج، وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ للأُمِّ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10514
 2020-07-02

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ تعالى بِرَّ الوَالِدَيْنِ وَاحْتِرَامَهُمَا وَتَوْقِيرَهُمَا، كَمَا أَوْجَبَ خَفْضَ الجَنَاحِ لَهُمَا، وَمُعَامَلَتَهُمَا وَمُخَاطَبَتَهُمَا بِمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَحَرَّمَ الإِسَاءَةَ لَهُمَا، قَالَ تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾. وَقَالَ: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.

وَأَجْمَلُ مَا يُنَادِي بِهِ الوَلَدُ وَالِدَهُ بِقَوْلِهِ، يَا أَبَتِ، وَلِأُمِّهِ: يَا أُمِّي، وَهَذَا سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُنَادِي وَالِدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَبَتِ﴾. وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَمَا ذَكَرَ لَنَا الأَنْبِيَاءَ وَقَصَصَهُمْ في القُرْآنِ الكَرِيمِ، ذَكَرَهُمْ لِنَتَعَلَّمَ مِنْهُمُ الأَدَبَ وَالكَمَالَ.

وَنَادِ أُمَّكَ كَذَلِكَ: يَا أُمَّاهُ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُمَّهَاتِهِمْ، وَمَعَ أُمَّهَاتِنَا أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، فَهَذَا سَيِّدُنَا سَعْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نَادَى أُمَّهُ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ: يَا أُمَّه! تَعْلَمِيْنَ ـ وَالله ـ لَوْ كَانَ لَكِ مَائَةُ نَفْسٍ، فَخَرَجَتْ نَفْسَاً نَفْسَاً، مَا تَرَكْتُ دِيْنِي، إِنْ شِئْتِ فَكُلِي أَوْ لَا تَأْكُلِي. كذا في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَإِنَّ مُنَادَاةَ الوَالِدَ بِكَلِمَةِ يَا حَجِّي؛ وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ للأُمِّ هَذَا لَا يَلِيقُ، لِأَنَّ المُجْتَمَعَ الذي نَحْنُ فِيهِ لَا يَرَى هَذَا مِنَ الأَدَبِ مَعَ الوَالِدَيْنِ.

أَمَّا إِذَا تَعَارَفَ عَلَى هَذَا أَهْلُ بَلَدٍ فَلَا حَرَجَ، وَلَكِنْ لَيْسَ هُوَ الكَمَالُ.

وَإِذَا عَلِمَ الوَلَدُ بِأَنَّ مُخَاطَبَتَهُ وَالِدَيْهِ بِذَلِكَ يَجْرَحُ شُعُورَهُمَا فَإِنَّهُ يَقَعُ في الإِثْمِ، لِأَنَّ في ذَلِكَ إِسَاءَةً لَهُمَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ إلى اللهِ تعالى، وَأَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمَا السَّمَاحَ. هذا، والله تعالى أعلم.