السؤال :
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَصِلَ خَالَتَهُ، وَأَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهَا، وَهَلْ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لَهَا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10541
 2020-07-16

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولًا: يَجِبُ أَنْ تَعْلَمَ بِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْزَلَ الخَالَةَ مَنْزِلَةَ الأُمِّ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّمَا الْخَالَةُ أُمٌّ» رواه أبو داود عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وروى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا كَبِيرًا، فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ؟

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَكَ وَالِدَانِ؟».

قَالَ: لَا.

قَالَ: «فَلَكَ خَالَةٌ؟».

قَالَ: نَعَمْ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَبِرَّهَا إِذًا».

ثانيًا: لَا يَخْفَى عَلَى الإِنْسَانِ المُسْلِمِ مَا أَوْلَاهُ دِينُنَا الحَنِيفُ مِنْ مَكَانَةٍ عَظِيمَةٍ، وَمَنْزِلَةٍ رَفِيعَةٍ للرَّحِمِ وَالقَرَابَةِ، وَمَا أَكَّدَ وَشَدَّدَ عَلَيْهِ مِنْ صِلَتِهَا وَعَدَمِ قَطْعِهَا، قَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾.

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَذَاكِ لَكِ».

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾».

وَيَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾: وَهَذَا نَهْيٌ عَنِ الإِفْسَادِ في الأَرْضِ عُمُومًا، وَعَنْ قَطْعِ الأَرْحَامِ خُصُوصًا، بَلْ قَدْ أَمَرَ اللهُ تعالى بِالإِصْلَاحِ في الأَرْضِ وَصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَهُوَ الإِحْسَانُ إلى الأَقَارِبِ في المَقَالِ وَالأَفْعَالِ وَبَذْلِ الأَمْوَالِ.

وَقَدْ نَصَّ الفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ صِلَةِ الأَرْحَامِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

ثالثًا: روى الإمام أحمد عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَيَجِبُ عَلَى المُؤْمِنِ أَنْ يَصِلَ خَالَتَهُ، لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ، وَوَصْلُهَا فِيهِ خَيْرٌ عَظِيمٌ، حَيْثُ يَأْخُذُ أَجْرَ الصِّلَةِ، وَأَجْرَ بِرِّ الأُمِّ، لِأَنَّ الأُمَّ تَفْرَحُ بِوَلَدِهَا الذي يَصِلُ خَالَتَهُ.

وَإِذَا كَانَتِ الخَالَةُ فَقِيرَةً وَبِحَاجَةٍ فَهِيَ الأَوْلَى بِالزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ مِنْ غَيْرِهَا. هذا، والله تعالى أعلم.