السؤال :
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10675
 2020-10-02

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ تَتَحَدَّثُ عَنِ المَرْأَةِ المُطَلَّقَةِ التي مَا زَالَتْ في عِدَّتِهَا، وَشَارَفَتْ عَلَى الانْتِهَاءِ مِنْهَا، قَالَ تعالى: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾.

وَالمُرَادُ بِبُلُوغِ الأَجَلِ، مُقَارَبَةُ نِهَايَةِ مُدَّةِ العِدَّةِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهَا ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ﴾. لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُؤْمَرُ بِإِمْسَاكِ زَوْجَتِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، لِأَنَّ الإِمْسَاكَ يَكُونُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا.

فَإِذَا قَارَبْنَ وَشَارَفْنَ آخِرَ عِدَّتِهِنَّ، فَأَمْسِكُوهُنَّ بِالمُرَاجَعَةِ، مَعَ حُسْنِ المُعَاشَرَةِ وَأَدَاءِ حُقُوقِهِنَّ، أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ بِأَنْ تُعْطُوهُنَّ حُقُوقَهُنَّ كَامِلَةً غَيْرَ مَنْقُوصَةٍ.

وَمِنَ المُفَارَقَةِ بِمَعْرُوفٍ عَدَمُ ذِكْرِهِنَّ بِسُوءٍ.

وَالأَمْرُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ﴾ أَوْ ﴿فَارِقُوهُنَّ﴾ للإِبَاحَةِ وَالتَّخْيِيرِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالإِمْسَاكِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ المُطَلَّقَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا لَهَا حُكْمُ الزَّوْجَةِ، وَمَا زَالَتْ في عِصْمَةِ زَوْجِهَا؛ وَقَدَّمَ الإِمْسَاكَ عَلَى الفِرَاقِ إِشَارَةً إلى أَنَّهُ هُوَ الأَوْلَى رِعَايَةً لِحَقِّ الزَّوْجَةِ، وَرِعَايَةً للأَوْلَادِ، وَإِبْقَاءً للمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾.

أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾: فَيَعْنِي: أَشْهِدُوا عِنْدَ المُرَاجَعَةِ لِأَزْوَاجِكُمْ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الاسْتِقَامَةِ.

وَالأَمْرُ هُنَا للنَّدْبِ وَلَيْسَ للوُجُوبِ، وَهَذَا رَأْيُ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالآيَةُ الكَرِيمَةُ تَتَحَدَّثُ عَنِ المَرْأَةِ المُطَلَّقَةِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَلَمْ تَنْتَهِ عِدَّتُهَا بَعْدُ، إِمَّا أَنْ يُمْسِكَهَا زَوْجُهَا بِالمُرَاجَعَةِ بِالمَعْرُوفِ، أَو أَنْ يُفَارِقَهَا بِالمَعْرُوفِ.

وَلَكِنْ إِذَا أَرَادَ مُرَاجَعَتَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الإِشْهَادُ عَلَى المُرَاجَعَةِ، وَلَا يَجِبُ الإِشْهَادُ لِأَنَّ المُطَلَّقَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا لَهَا حُكْمُ الزَّوْجَةِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُرْجِعَهَا فَلَا تَحْتَاجُ إلى شُهُودٍ، لِأَنَّهُ أَرَادَ اسْتِدَامَةَ الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَهَذَا مِنْ حَقِّهِ وَلَا تَحْتَاجُ إلى قَبُولِ الزَّوْجَةِ بِذَلِكَ.

وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ الإِشْهَادُ للأَمْنِ مِنَ الجُحُودِ، عَلَى عَكْسِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلى شُهُودٍ مَا دَامَ الزَّوْجُ مُقِرًّا بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ. هذا، والله تعالى أعلم.