السؤال :
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10829
 2020-12-23

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ أَمْرٌ مِنَ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدَّ عَلَى المُشْرِكِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ الذينَ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى أَمْرَ السَّاعَةِ، وَأَنَّ عِلْمَهَا عِنْدَ اللهِ تعالى وَحْدَهُ، أَمَرَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ، أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لَهُمْ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا، لِأَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِ اللهِ تعالى وَحْدَهُ، بَلْ إِنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يَمْلِكُ في نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا يَجْلِبُهُ، وَلَا ضُرًّا يَدْفَعُهُ، بَلْ يَجْرِي عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا يَجْرِي عَلَى البَشَرِ.

فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُغَيِّرَ في أَمْرِ السَّاعَةِ شَيْئًا، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْهَا، وَيَطْلُبُوا مِنْهُ مِيقَاتَهَا، كَمَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾.

قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ أَمْرٌ مِنَ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ هَذَا، يَعْنِي لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَطَلَبْتُ الْخَيْرَ الكَثِيرَ وَنِلْتُهُ.

وَاخْتَلَفُوا في المُرَادِ مِنْ هَذَا الخَيْرِ:

فَقِيلَ: المُرَادُ مِنْهُ: جَلْبُ المَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَخَيْرَاتِهَا، وَدَفْعُ آفَاتِهَا وَمَضَرَّاتِهَا، وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا يَتَّصِلُ بِالخَصْبِ وَالجَدْبِ، وَالأَرْبَاحِ وَالأَكْسَابِ.

وَقِيلَ: المُرَادُ مِنْهُ: مَا يَتَّصِلُ بِأَمْرِ الدِّينِ، يَعْنِي: لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ، كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ الدَّعْوَى إلى الدِّينِ الحَقِّ تُؤَثِّرُ في هَذَا، وَلَا تُؤَثِّرُ في ذَاكَ، فَكَيْفَ أَشْتَغِلُ بِدَعْوَةِ هَذَا دُونَ ذَاكَ؟

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾. يَعْنِي: لَو كُنْتُ أَعْلَمَ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنْ تَحْصِيلِ الخَيْرِ، وَلَاحْتَرَزْتُ عَنِ الشَّرِّ، حَتَّى صِرْتُ بِحَيْثُ لَا يَمَسَّنِي السُّوءُ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الأَمْرُ كَذَلِكَ فَأَنَا مُفَوِّضٌ أَمْرِي إلى اللهِ تعالى، مُقَدِّرِ الأَقْدَارِ وَالفَعَّالِ لِمَا يَشَاءُ، وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. هذا، والله تعالى أعلم.