السؤال :
مَا حُكْمُ قَصْرِ الصَّلَاةِ للمُسَافِرِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10089
 2019-12-19

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيّةُ وَالحَنَابِلَةُ إلى أَنَّ قَصْرَ الصَّلَاةِ في السَّفَرِ جَائِزٌ تَخْفِيفَاً عَلَى المُسَافِرِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَشَقَّةِ السَّفَرِ غَالِبَاً، وَاسْتَدَلُّوا بِالآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾.

فَقَدْ عَلَّقَ القَصْرَ عَلَى الخَوْفِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَسْفَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَخْل مِنْهُ.

وَنَفْيُ الْجُنَاحِ فِي الآيَةِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْقَصْرِ، لَا عَلَى وُجُوبِهِ.

وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِحَدِيثٍ رواه الإمام مسلم عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾. فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ.

فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ».

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ فَرْضَ الْمُسَافِرِ مِنْ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ رَكْعَتَانِ لَا غَيْرُ، فَلَيْسَ لِلْمُسَافِرِ عِنْدَهُمْ أَنْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ أَرْبَعَاً؛ لِقَوْل عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ. رواه الإمام البخاري.

وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا تَوْقِيفَاً، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل فَرَضَ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ وَعَلَى الْمُقِيمِ أَرْبَعَاً، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً.

وَالرَّاجِحُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ القَصْرَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ، بَلِ الْمَنْقُول عَنْهُ القَصْرُ فِي كُلِّ أَسْفَارِهِ، وَمَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُ فَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ.

وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ أُخْرَى فِي الْمَذْهَبِ؛ فَقِيل: إِنَّهُ فَرْضٌ، وَقِيل: إِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَقِيل: إِنَّهُ مُبَاحٌ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَقَصْرُ الصَّلَاةِ في السَّفَرِ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ، وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَ المَالِكِيَّةِ، وَفَرْضٌ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ؛ وَبِأَيِّ المَذَاهِبِ أَخَذَ المُسَافِرُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ. هذا، والله تعالى أعلم.