السؤال :
امْرَأَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ وَلَهَا أَوْلَادٌ، سَافَرَ زَوْجُهَا في هَذِهِ الأَزْمَةِ، وَتَرَكَهَا وَأَوْلَادَهَا، وَتَزَوَّجَ مِنِ امْرَأَةٍ ثَانِيَةٍ، وَلَمْ تَبْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا صِلَةٌ إِلَّا النَّفَقَةُ، فَهَلْ مِنْ حَقِّهَا أَنْ تَطْلُبَ الطَّلَاقَ مِنْهُ، لِتَتَزَوَّجَ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10134
 2020-01-20

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: هِجْرَانُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ وَأَوْلَادَهُ بِدُونِ مُبَرِّرٍ ذَنْبٌ عَظِيمٌ، وَجُرْمٌ كَبِيرٌ، وَهُوَ مِنَ الظُّلْمِ الفَاضِحِ، وَصَاحِبُهُ مُهَدَّدٌ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلَاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾. وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

ثانياً: اللهُ تَبَارَكَ وتعالى الذي أَبَاحَ للرَّجُلِ التَّعَدُّدَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾. حَذَّرَهُ مِنَ الظُّلْمِ وَقَالَ لَهُ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمَاً، فَلَا تَظَالَمُوا».

كَمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عُقُوبَةَ الذي لَا يَعْدِلُ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ بِقَوْلِهِ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» رواه أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

ثالثاً: مِنْ حَقِّ المَرْأَةِ أَنْ تَطْلُبَ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا إِذَا كَانَ ظَالِمَاً لَهَا، وَلَمْ يُعْطِهَا حَقَّهَا، وَخَاصَّةً في إِعْفَافِهَا عَنِ الحَرَامِ، يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلَّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعَاً حَكِيمَاً﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزَاً أَوْ إِعْرَاضَاً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحَاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرَاً﴾.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

أَنْصَحُ هَذِهِ المَرْأَةَ بِالصَّبْرِ عَلَى زَوْجِهَا لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُصْلِحُ حَالَهُ، وَيَعُودُ إلى بَلَدِهِ، أَو يَأْخُذُ زَوْجَتَهُ لِعِنْدِهِ، مَا دَامَتْ مُحَافِظَةً عَلَى دِينِهَا، وَلَمْ يُوَسْوِسِ لَهَا الشَّيْطَانُ في الانْحِرَافِ.

أَنْصَحُهَا بِالصَّبْرِ رَحْمَةً بِأَوْلَادِهَا، لِأَنَّهَا إِنْ طَلَبَتِ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا وَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَتْ فَقَدْ تُعَرِّضُ الأَوْلَادَ للضَّيَاعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَبِيهِمْ وَبَيْنَ زَوْجِهَا الثَّانِي، إِلَّا إِذَا خَشِيَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنَ الفِتْنَةِ فَلَا حَرَجَ مِنْ طَلَبِ طَلَاقِهَا، وَالإِثْمُ في ضَيَاعِ الأَوْلَادِ عَلَى أَبِيهِمْ.

أَنصَحُهَا أَخِيرَاً أَنْ تَتَكَلَّمَ مَعَ زَوْجِهَا وَتُقْنِعَهُ بِالعَوْدَةِ إِلَيْهِمْ أَو سَفَرِهَا إِلَيْهِ، فَإِنْ أَبَى فَلْتَصْبِرْ، وَإِلَّا فَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تَطْلُبَ الطَّلَاقَ. هذا، والله تعالى أعلم.